طوبيت 11 - تفسير سفر طوبيا
رحلة العودة
اللقاء بوالديه
وصول سارة
الحواشي والمراجع
رحلة العودة:
" وفيما هم راجعون وقد بلغوا إلى حاران التي في وسط الطريق جهة نينوى في اليوم الحادى عشر (طو 11: 1)".
فحاران هنا هي أحدى المدن التي تتوقف عندها القوافل. وهي مدينة أخرى خلاف حاران التي في أعالى الفرات. والتي تغّرَبَ بها تارح وإبراهيم ابنه ودفن فيها وبعد موته تركها إبراهيم ابنه وتغرب في كنعان. ولكنه أخذ منها فيما بعد رفقة بنت بتوئيل زوجة لإسحق ابنه. ونلاحظ حتى في وقتنا الحاضر أن بعض المدن والبلدان لها نفس الاسم. فمثلًا نجد في الولايات المتحدة الامريكية ثلاث عشرة مدينة باسم القاهرة هذا بخلاف اثنتان في كندا، واثنتان بإيطاليا وواحدة بفرنسا بينما الأصل بمصر - وكذلك في العصر البيزنطى كانت عمان عاصمة الأردن الحالية تسمى فلادلفيا في نفس الوقت التي كانت توجد مدينة فلادلفيا الشهيرة في آسيا الصغرى، وكما كانت طيبة عاصمة مصر الفرعونية الشهيرة كان أيضًا حى طيبة من أحياء الإسكندرية في العصر البطلمى، وكانت أيضًا طيبة أقوى الولايات اليونانية التي انتقم منها إسكندر الاكبر في حركة التمرد التي قاموا بها أثناء حكمه مع بعض الولايات اليونانية، وتكرار الاسماء أمر يفوق الحصر.
وفى الاعداد (طو 11: 2-4) نجد أن الملاك الذي شعر بقلق طوبيا عرض عليه قائلًا له: "أنت تعلم بحال أبيك وقت أن تركته وكيف هو يحتاج لمعونتك؟ ولذلك اقترح عليك أن تترك الماشية مع سارة وعبيد بيت ابيها - والتي أطلق عليهم لقب العيال - حيث أن الماشية تجهد اذا سارت بسرعة وقد ينفق منها الكثير (تك 33: 13) فتسير على مهل وتلحق بنا، أما نحن فنسبق لكي نصل سريعًا إلى بيت أبيك وتعده نفسيًا لاستقبال كل ذلك، وتضع على عينيه من مرارة السمكة، فوافق طوبيا على كل ذلك.
اللقاء بوالديه:
بينما كانت حنة أمه تقف وتتطلع من مكان ما فتنظر الطرق الرئيسية لمدخل نينوى رأت ابنها قادمًا، فقامت مسرعة واعلمت زوجها، فقام لاستقبال أبنه، وعندما تقابلا وقع على عنقه مقبلًا اياه. أما طوبيا الابن الذي لم ينس وصية الملاك له فعندما دخل المنزل سجد لله مقدمًا له كل الحمد والشكر، وبعدما شكر الرب قام، اقترب من أبيه وطلى عينيه من مرارة السمكة حسب وصية الملاك له. وبعد فترة من الوقت وجد طوبيا الأب شيئًا كأنه قشور على عينيه فسحبها وللوقت أبصر (طو 1: 5-15). وهذا الموقف يذكرنا بحزقيال الملك عندما َمرِضَ، مَرَضْ مميت، وطلب إشعياء النبي منه أن يضع على الخراج الذي كان بجسمه قرص من التين فشفى (إش38: 21)، ويذكرنا أيضًا بنعمان السريانى الرجل الأبرص الذي ترك بلاده وجاء إلى أليشع النبي لكي يشفيه. فطلب منه أليشع أن يذهب إلى نهر الأردن ويستحم فيه سبع مرات فينال البرء من لدن الله (2 مل 5: 10) ويذكرنا بالأكثر بالمولود الأعمى الذي قام السيد المسيح له المجد بطلى عينيه من الطين بعدما تفل عليه وأمره أن يغتسل في بركة سلوام فنال الشفاء وأبصر (يو 9: 6، 7)، فاستعمال بعض الوصفات الطبية بطريقة بدائية كانت مشهورة بين عامة الناس في القرون الماضية(1) ومازالت بعض هذه الوصفات تستعمل للآن خاصة بين البدو والعربان في صورة بعض الاعشاب وغيرها.
والغشاوة التي كانت على عينى طوبيا تذكرنا بالقشور التي وقعت من عينى شاول الطرسوسى بعدما صلى له القديس حنانيا أسقف دمشق فأعتمد في الحال وصار القديس العظيم بولس الرسول (أع 9: 17، 18)، فقام طوبيا وكل بيته والذين يعرفونه بتمجيد الله وبارك الله طوبيا قائلًا: "أباركك أيها الرب إله إسرائيل لأنك أدبتنى وشفيتنى وهأنذا أرى طوبيا ولدى (طو 11: 16، 17)".
فطوبيا الذي كان يظن أنه لا يرى ابنه مرة ثانية مثل يونان الذي كان يظن أنه لا يرى هيكل الرب مرة اخرى (يون 2: 4) يبارك الله على نعمه، ويعلن له قبول تأديبه والتأديب هو درجة من درجات العقاب لكن بصورة مخففة وذلك نجده بالأكثر - أي التأديب- نطلق على الأبناء الذين يعاقبون من والديهم بسبب بعض الاخطاء. وكان طوبيا يعلن أنه يستحق هذا التأديب بسبب أخطاءه الماضية، وكابن يقبل تأديب أبيه (عب 12: 7). ويعلن أيضًا عن شفاء الله له بشقيه الجسدى من خلال شفاء عينيه، والروحى بتخليصه من الخطية. ولذلك يخطئ كل من يظن أنه باستطاعته التخلص من الخطية بذاته، لأنه لو باستطاعتنا التخلص من الخطية بأنفسنا فما هو فضل الله إذن؟!!! فهل يستطيع الرضيع أن ينظف نفسه؟ هكذا كل من يحاول التخلص من الخطية بذاته. فيا من تئن من الخطية ... تعالى إلى الله وهو وحده القادر أن يخلصك منها مهما كانت بشاعتها ... وقبحها ... وسطوتها عليك ... فنحن لسنا بأفضل من القديسين الذين صرخوا إلى الله قائلين: "توبنى يا رب فأتوب (إر 31: 8)"، "اشفنى يا رب فأشفى وخلصنى فأخلص لأنك أنت تسبحنى (إر 17:14)"، "أرددنا يا رب إليك فنرتد (مرا 5: 21)"، "يا رب إله الجنود أرجعنا. أنر بوجهك فنخلص (مز 80: 3، 7، 19)". "والآن ماذا انتظرت يا رب رجائى فيك هو. من كل معاصى نجنى، لا تجعلنى عار عند الجاهل (مز 39: 7، 8)".
فيا ليتنا لا نماطل أو نؤجل التوبة أو نسّوِف أيام العمر باطلًا قائلين: عندما أتوب اذهب إلى بيت الله.
أرجوك يا رب.....
اجذبنا يا رب بأخطائنا،
وجهالتنا وحماقتنا..
وخلصنا من كل ذلك بقوتك....
وبدمك الذي سفك على عود الصليب من أجلنا،
وأعطنا أن نعى جيدًا أن بدء حياة التوبة هي كره الخطية المحبوبة لدينا.
وصول سارة:-
"وأما سارة زوجة ابنه فوصلت بعد سبعة أيام من وصول زوجها هي وجميع كل ما كان معها من غنم. وإبل ومن جوارى ومن عبيد (طو 11: 18)" ونلاحظ أن والديها قد أعطيا سارة بنتهما بعضًا من الجوارى والعبيد عندما تزوجت حديثًا كما نلاحظه في زواج كل من رفقة بإسحق وليئة وراحيل بيعقوب (قارن تك24: 59، 29: 24، 29).
"وأخبر -طوبيا الصغير- أبويه بجميع إحسانات الله التي أنعم بها عليه علي يد ذلك الرجل -أي الملاك روفائيل- الذي ذهب معه. ووفد على طوبيا أحيور ونباط ذو قرابه له فرحين وهنأه بجميع ما منَ الله به عليه من الخير (طو 11: 19، 20)".
وهنا تتضح إحدى سمات سفر طوبيا إذ تشدد على العلاقة بالآخرين ولذلك نجد طوبيا الأب يدفن الموتى، ويواسى كل إنسان حزين، وعندما كان فرحًا بالعيد كان يرسل ويستدعى كل من يستطيع الحضور لكي يشاركه أفراحه، ولذلك نجد الكل يفرح معه لفرحه، ويحزن لحزنه واْلامه، فالإنسان عضو في جسد واحد هو الكنيسة فلابد له أن يفرح مع كل إنسان فرحًا، شاعرًا بأن هذا الفرح هو خاص به لأن أي مجد أو فرح يخص الآخرين لابد أن ينعكس على الجسد كله. وهكذا الحزن أو الألم أيضًا يؤثر على الجسد كله (1 كو12: 26)، فيا ليت أن تكون مشاركتنا للآخرين ليس عن مجاملة روتينية وحسب.
ولكن بقدر الإمكان تظهر مشاعرنا وأحاسيسنا تجاه الآخرين، وهذا ما لَمّحَ به القديس يوحنا الحبيب عندما ذكر بعض المواقف في حياة السيد المسيح له المجد. فنجده يذكر أول معجزة له في عرس قانا الجليل، ونجده أيضًا يظهر مشاعر السيد المسيح عندما قالت له مريم أخت لعازر عن موت أخيها فكرر عبارة "انزعج بالروح واضطرب" مرتان، وأما القديس يوحنا علق على الموقف بصفة عامة قائلًا: "بكى يسوع". وأما الجموع التي كانت واقفة عند القبر قالت: "انظروا كيف كان يحبه (يو 11: 33 - 38) ". فالآخرون لا يحتاجون إلى هدايانا بقدر ما يحتاجون إلى مشاعرنا الفياضة وهذا هو ما عبر عنه القديس بولس الرسول قائلًا: "فرحًا مع الفرحين وبكاءً مع الباكين (رو 12: 15)".
ونجد أن طوبيا لم يكتف بالاحتفال بزواج ابنه لدى رعوئيل بأسبوعين وصنع له احتفالًا مرة ثانية لمدة أسبوع حسب عادتهم في الزواج (قارن تك 29: 27، 28 وقض 14: 12- 17).
_____
(1) وقد روى كاتب كتاب فزوينى أن رائحة الدخان لكبد التمساح النيلى تشفى من الصرع، وبرازه وحوصلته المرارية -الصفراوية - تشفى النقطة - سحابة - التي على العين، نقلًا( C.H. Charkas) ويذكر الدكتور حسن كمال في كتابة الطب المصرى القديم: أن مرارة سمك البياض يستخدم لعلاج البياض الموجود في العين لدى قدماء المصريين.