الثياب والعري في حياة يوسف العفيف
الصورة الثالثة والأخيرة في حديثنا: يوسف. سفر التكوين الإصحاح 39 صورة عري آخر ورأيت فيها أيضًا عمل المسيح الذي تعرى مقابل هذه الصورة. معروف يا أحبائي أن يوسف رمز قوي للسيد المسيح. وسنذكر فيما يلي بعض الآيات التي قيلت عن السيد المسيح ثم نطبقها على حياة يوسف بالترتيب:
يوسف رمز بديع للمسيح:
فيلبي 2
† معلمنا بولس يقول عن المسيح "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 2: 6) أي أنه عندما قال: "أنا والآب واحد" لم يختلس لم يسرق لم يخطف حاجه مش من حقه. وهذا يقابل يوسف عندما كان في بيت أبوه وكان يرتدي القميص الملون. الابن المساوي للآب في الجوهر الابن الذي في حضن أبيه منذ الأزل.
† وباقي الآية: "لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 2: 7) خرج من عند الآب كأنه خلع عنه القميص الملون وأخلى ذاته من المجد وأخلى نفسه آخذًا صورة عبد. هذه هي المرحلة الثانية في حياة يوسف الذي بيع كعبد في بيت فوطيفار.
† وباقي الآية: "وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 2: 8).
وهذه الآية تقابل طاعة يوسف لأبيه وخروجه من عند أبيه يعقوب ليبحث عن إخوته ولكن إخوته باعوه كعبد في بيت فوطيفار. ثم وهو في بيت فوطيفار نزل للسجن (الذي يمثل موت المسيح).
أيضًا في السجن كان مع يوسف لصين هما رئيس السقاة ورئيس الخبازين الرمز والمرموز واحد هذين اللصين نجي بينما قطعت رأس الآخر. وأيضًا اللص اليمين الذي صلب مع المسيح قال له: "اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (إنجيل لوقا 23: 42)، وفي يوم الصليب أيضًا كان هناك لصين وفي نفس اللحظة أحدهما نزل في الجحيم بينما اللص الآخر دخل الفردوس.
وطبعًا اللص الذي دخل الفردوس معروف أنه اللص اليمين.
ولكن من هو اللص الذي نزل إلى الجحيم؟ بالطبع يهوذا. الذي قال عنه الكتاب: "كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ" (إنجيل يوحنا 12: 6) وقد شنق يهوذا نفسه "فَإِنَّ هذَا اقْتَنَى حَقْلًا مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ، فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا" (سفر أعمال الرسل 1: 18).
†وباقي الآية: "لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 2: 9)
هذه الآية تقابل حياة يوسف بعد السجن حيث ارتفع للمجد وصار هو حاكم كل أرض مصر وأصدر فرعون أمر أن كل واد يجيء ليسجد أمام يوسف.
فأصبحت قصة يوسف رمز بديع للمسيح.
العري في حياة يوسف:
† يوسف في بيت السيد يرمز للسيد المسيح المتجسد. ويوسف في بيت السيد وكله السيد على كل بيته فكان صاحب سلطان، وكذلك الابن في التجسد أخلى ذاته لكن في إخلائه لذاته أعطاه الآب المجد الذي ظهر في كلامه وأعماله. ثم جاءت التجربة على يوسف في بيت السيد "فوطيفار".
تجربة يوسف خبرة غنية لحياتنا الروحية:
† بديع أن نتأمل جميعًا في قصة يوسف، لأننا كثيرًا ما نبرر لأنفسنا الخطأ. ولكن يوسف عندما تعرض للتجربة كان شابًا وكان متغربًا ليس له مرشد أو ذبيحة أو أحد يؤازره وبالتأكيد كان يعاني من إحساس شديد بالظلم لما فعله به إخوته.
† هناك نفوس كثيرة تأتي للاعتراف وتشتكي من أنها ما أن تضغط نفسيًا حتى تغلب من شهوات الجسد. فالشيطان يحارب الإنسان في أوقات ضعفه وأوقات الضغوط النفسيةولكن هذا ليس عذرًا، والدليل الظروف الصعبة التي كانت تحيط بيوسف والتي حكى عنها بمرارة: "لأَنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ، وَهُنَا أَيْضًا لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا حَتَّى وَضَعُونِي فِي السجن" (سفر التكوين 40: 15). ونلاحظ أنه في كلامه لم يقل كلمة رديئة عن إخوته ولا عن امرأة السيد. ظُلِمَ يوسف وهو ساكت، ولم يتخذ هذا الظلم عذرًا أو حجه لكي يخطئ.
† كما أن التي طلبت منه الخطيئة امرأة سيده. أي إما أن يخطئ وإما أنه سيخسر كثيرًا لأنها امرأة السيد. ولكن بالرغم من هذا لم يكن هذا عذر ليوسف. فعندما وضعت الخطيئة في جانب وكان هناك خسارة في الجانب الآخر ترك ثيابه. مرات كثيرة تكون الخطيئة فيها مفاضلة، إما تخطئ أو تخسر، أقول لك يوسف خسر كل شيء لكنه لم يتحجج أمام نفسه أن هذا عذر له.
† والأصعب من هذا هو تكرار التجربة على يوسف حيث يقول الكتاب "وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أَنْ يَضْطَجعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا" (سفر التكوين 39: 10) وهيأت المنزل. ورغم هذا الخطيئة لم يكن لها موضع في يوسف، وكان رده القاطع "َكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟" (سفر التكوين 39: 9) لم يكن لدى يوسف أي استعداد داخلي أو ميل للخطيئة.
† المشكلة يا أعزائي ليست في الجراثيم المنتشرة في الجو، فالجراثيم لا تصيب إلا الثمرة الضعيفة والتي بها عطب. فلا تتعللوا بوجودكم في وسط رديء، إذا كنت أنت قويًا من الداخل وليس بداخلك ميل للخطيئة لن يؤذيك الوسط الرديء. فعندما يؤذيك الوسط السيء الذي أنت فيه، تأكد أن بداخلك ضعف ما أو بداخلك ميل للخطيئة وهو السبب في سقوطك. وهذا يحتاج إلى صراخ لله أن الله ينتزع من داخلي هذا الميل. فالظروف قد لا تتغير.
† النقطة الثانية التي جعلت يوسف ينتصر ليس فقط أن الخطيئة ليس لها موضع في يوسف. لكن هروب يوسف. كما يقول بولس الرسول "اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 18). علاج خطيئة الزنا هي الهروب منها. يوسف عندما تعرض للتجربة هرب. ترك ثيابه وهرب حتى ينجى.
† وهنا الصورة الأخيرة التي سأختم بها. يوسف شهد عنه الكتاب أنه حسن الصورة وحسن المنظر. لكن كما قال الآباء: "لما تعرى يوسف من ثيابه ظهر جماله الداخلي" كان يوسف جميلًا ولكن الجمال الخارجي غير هام كما يعلمنا الكتاب: "لاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ" (رسالة بطرس الرسول الأولى 3: 3) الجمال الحقيقي هو الجمال الداخلي. وقد ظهر جمال يوسف الداخلي عندما تعرى.
وعندما نطابق العري الذي أصاب يوسف بعري السيد المسيح على الصليب نجد أن السيد المسيح تعرى ليظهر جماله الداخلي الذي هو طاعة الآب. الرب يسوع قبل العري على الصليب قائلًا: "الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟" (إنجيل يوحنا 18: 11).
فلما تعرى المسيح على الصليب ظهر مقدار محبته وطاعته للآب ظهر جمال آخر للسيد المسيح ليس فقط أنه كل ما صنع فإذا هو حسن جدًا وليس فقط لأنه كان يجول يصنع خير ولكن ظهر جمال داخلي في المسيح جمال الطاعة للآب جمال تسليم المشيئة للآب.