الحروب الفكرية
يشكل
النوس أو الذهن جزءاً من الطبيعة البشرية، والحرية هي من تركيبة هذا
النوس الأساسية، وبما أن الله والإنسان أحرار فبالتالي هنالك يلتقيان.
(يُشار إلى أنّ الذهن، أو "النوس"، في اليونانية، لا يعني العقل، أو
"الذيانيا"، العقل هو عضو القوى الإدراكية في الدماغ فيما الذهن هو عضو
القوى الروحيّة في القلب.
و في الصلاة يتم حضور الذهن أمام يسوع)،
وبالمقابل يشكل هذا النوس ساحة الحرب الأساسية للشيطان ضد الإنسان.
عندما
تسأل راهباً ماذا تحاول أن تفعل في حياتك ؟ يقول أنقّي ذهني. لا يقول
أصوم، أقرأ أو أصلي بل أنقّي ذهني، لأنه يعرف أن الشيطان يعمل في ساحة
النوس ويحاربه من خلالها، وهناك يضع كل ثقله، لذلك يقوم الراهب بإغلاق
الثغرات التي يمكن أن يدخل منها الشيطان ليتعبه.
وهذه الثغرات أو الأفكار
الشريرة كثيرة الأنواع والأشكال، وتحارب الإنسانَ وتتعبه وكلها تكون عبر
الذهن "النوس"، وسنضرب مثالاً عن هذه الأفكار الشريرة ما يسمّى الفكر
السيئ الشرير.
يقول القديس يوحنا السلمي "الفكر السيئ هو عدو الإنسان أكثر
من أعدائه الآخرين". والفكر السيئ له المحاور التالية:
1-فكر
الهرطقة والشكوك حول الله ووالدة الإله والقديسين والكنيسة. (الله غير
موجود، والدة الإله غير عذراء، فتقول: كيف ولدت وبقيت غير عذراء، المناولة
ستقول: أنها خبز وخمر، المسيح لم يولد لم يقم...)، شهود يهوه على حق...الخ.
2-فكر الإدانة والشك والظنّ بالآخرين. (هذا إنسان بخيل، لا يطاق، زاني، سارق،..)
3- فكر الزنا يسيطر على الإنسان بسرعة ويأسره بشكل سريع بدون أن يشعر، ويكون مصدره إما شهوة داخلية أو حرب شيطانية.
هذه
الأفكار يضعها الشيطان أمام الإنسان لتدفعه إلى فقد رجائه، وهنا يأتي دور
الاعتراف كي نقول كل هذه الأفكار، وإذا خجل الإنسان ولم يستطع أن يعترف
فإنه ينغلق على ذاته وييأس.
يقول الأب باييسوس "ممكن أن تأتي أفكار سيئة
حول الله، العذراء، القديسين، الكنيسة، وحتى ضد الأب الروحي فلا تتعب منها
لأنها ليست أفكارك بل أفكار الشيطان" أي لا تتعب من أفكار الشيطان ولا
يهمك أمرها لأنها ليست أفكارك بل أفكاره، فلا يكون الإنسان مسؤولاً عنها
إلا إذا قبلها وأخذ يفكر فيها كثيراً.
اللحظة
التي يحزن الإنسان بسبب هذه الأفكار ليس إلا دليلاً على أنها ليست أفكاره
بل أفكار الشيطان، وعليه أن لا ييأس ولا يحزن وأن لا يقف عندها بل يحاربها
ويبعدها بلحظتها وليقل إنّ: هذه أفكار الشيطان وليست أفكاري.
يقول
الآباء على الإنسان مواجهة كل الأفكار ما عدا فكر الزنى فليهرب منه
وبعيداً، لأنه حرب من جهتين من جهة داخلية (طبيعة الإنسان) وخارجية (من
الشيطان)، ويجب أن لا يقول "سأجلس وأرى هذا وذاك ولن يحدث لي شيء"، هذا
غير صحيح لأنه أكيد سيصاب بشيء وستفسد نفسه ويُظلِمُ النوس الذي فيه، أما
الهروب من هذه الأفكار هو الحل الأفضل وهذه خبرة الآباء.
كيف
يمكن لإنسان يمجد لله ويسجد له وثم عند لحظة المناولة يأتيه فكر أن الذي
يتناوله هو خبز وخمر؟ طبعاً لا يمكن، لأن هذه الأفكار ليست أفكاره بل
أفكار الشيطان.
مثلاً: القديس إسحاق جُرّب بفكر أن المسيح لم يقم، هذا لا
يعني أنه يؤمن أن المسيح لم يقم ولكن أتاه هذا الفكر الشيطاني وهو لم
يقبله ولم يفكر به بل طرده فوراً، فلم يشارك في أفكار الشيطان ولم يقع في
شراكه.
تتغذى
الأفكار الشيطانية من الكبرياء ويحرقها التواضع. هناك أفاعي تعيش في
الظلام وتموت عندما ترى النور وهكذا يقول السلمي أخرج كل أفكارك من الظلمة
وضعها أمام أبيك الروحي،
لذلك الدواء الفاعل هو الكشف الصحيح والمستمر
للأفكار يقول القديس يوحنا السلمي: "واظب على سرّي التوبة والشركة لأنهما
دواء من ربنا يسوع المسيح نفسه للشفاء من الخطايا وللحذر منها في المستقبل
وهما أعظم إحسان نستمده من ناموس النعمة وينفعاننا في كل وقت" (الفصل
الخامس - في الوسائط الشافية).
كلنا تحاربنا الأفكار الشريرة، الموضوع كيف نواجهها؟
1. يجب أن لا نيأس عندما نقع في الفكر السيئ.
2. هي ليست أفكارنا بل أفكار الشيطان، فلا ندعها تتعبنا.
3. أن نتواضع وأن لا نتكبّر، ولا نحمّل ذاتنا أكثر من قدرتها، وأن نعترف بكل صراحة ووضوح.
4. أن نتشبّث برحمة الله.
الأهم
في الحروب الفكرية التي نتعرض لها ألاّ نسمح لها أن تجول فينا لتصبح هي
أفكارنا، وأن نحاربها بالكشف عنها أمام أب روحي، ونتكل على رحمة الله.