القديس أمبروسيوس أسقف ميلان
سيرة - تعاليم - أقوال
أولًا: سيرته:
1- نشأته:
* وُلد عام 340 ميلادية من أسرة نقية، فقد كان والده حاملًا لبلاد الغال (فرنسا) في عهد قسطنطين الصغير، مقره تريف. وكانت أخته مارسيلينا التي تكبره بحوالي 10 سنوات إنسانة تقية قامت بدور فعّال في حياته كأم أكثر منها أختا، أما أخوه ساتيروؤس الأكبر منه فمتقارب معه في السن.
* يروى لنا سكرتير أمبروسيوس أنه لما كان طفلًا مضطجعًا في مهده في بهو القصر رأت المربية أسراب نحل تدخل فم الطفل أمبروسيوس وتخرج فاضطربت، لكن والديه وأخته اقتربوا منه ولم يزعجوه، وبعد برهة طار المنحل وارتفع عاليًا حتى غاب عن الأنظار، وعندئذ قال الآب: "هذا الطفل سيكون عظيم"
* وإذ كان في الثالثة عشرة من عمره أقام ليبريوس أسقف روما مارسيلينا مكرسة للعبادة والخدمة.. وإذ تنيح الوالد. انتقلت الوالدة بالولدان إلى قصرهم بروما حيث عاشت معهم العذراء المكرسة مارسيلينا وصديقة لها عذراء... فكان القصر ديرًا يضم أسرة تتسم بالوداعة والبساطة مع الحب المتبادل في الرب.
* كان أمبروسيوس وأخوه يدرسان معًا اللغة اليونانية والقانون والروماني والبيان والبلاغة.
2- أمبروسيوس حاكم ميلان:
* إذ كان أمبروسيوس منطلقًا من روما إلى ميلان ليتسلم عمله كحاكم ميلان، أوصاه صديقه بترونيوس بروياس: "لا تعمل كقاض بل كأسقف"، وكان يقصد ألا يطلب السلطة بل يقدم أبوة حانية وحبًا لكل إنسان... وكان ذلك الصوت نبوة وهو لا يروى
* جاء أمبروسيوس إلى ميلان ليجدها ميدانًا مضطربًا بالمجادلات الأريوسية، إذ كانت تابعة للأسقف الأريوسي أو أكسنيتوس، الذي لم يمض عام على مجيء أمبروسيوس لينتقل الأسقف، فتحولت المدينة إلى صراعات مرة حول اختيار الأسقف الجديد.
* علت المجادلات حول اختيار الأسقف في وسط الكاتدرائية فأضطر أمبروسيوس أن يحضر بصفته حاكم المدينة... وعند دخوله سمع الكل صوتًا واضحًا يقول: "أمبروسيوس هو الأسقف"، وتكرر الصوت، فاندفع الكل يطلب سيامته، أما هو فقاوم وهرب لكنه تحت إلحاح الشعب رضخ أخيرًا.
3- أمبروسيوس الأسقف:
* اعتمد أمبروسيوس على يدّي صديقه القديم الكاهن سمبليكيان الذي قال: "قد تكون ى صداقة مع كثيرين، وأما صداقتي مع أمبروسيوس فهي صداقة الآب مع ابنه". هو ذاك الكاهن الذي استطاع أن يجتذب فيكتريانوس الأستاذ الوثني الذي ترجم كتابات أفلاطون وعلّم شباب أشراف روما المسيحيين، الأمر الذي كان له أثره في رجوع أغسطينوس وتوبته.
* أرسل إليه القديس باسيليوس الكبير بهيئة على قبوله مسئولية الرعاية. وجاءت إليه أخته مارسيلينا من روما لتعيش معه... وحتى حين كانت تتركه للخلوة في منزل بريف ميلان، كانت على اتصال به خلال الرسائل. كانت تشاركه صلواته ودراساته وخدمته للفقراء. كما جاء إليه أخوه ساتيروس الذي تولى إدارة شئون الأسقفية وتدبير الأمور المادية، بقلب نقى ونفس زاهدة ولم يكن بعد قد نال سرّ العماد (وهذه نقطة ضعف في حياته أي تأخره في العماد).
* وفي عام 378 سافر ساتيروس إلى أفريقيا فغرقت السفينة وأنقذه الرب بأعجوبة حتى نال سرّ المعمودية وتنيح في ميلان بين يدي أخيه وأخته... فرثاه القديس أمبروسيوس، قائلًا: "لماذا أبكيك يا أخي الحبيب؟!.. لقد تغير المكان فقط، ومن الآن ستكون أرواحنا معًا".... وبعد ثمانية أيام ألقى القديس عظته المشهورة عن " الإيمان بالقيامة".
4- جهاده:
* كان جهاد القديس أمبروسيوس لا يتوقف فمن الداخل كانت الأريوسية قد بثت بعض التفاسير المتحررة والغريبة، كما كانت الوثنية لا تزال تحارب المسيحية وتدرس فيها بعض المفاهيم الخاطئة كتحويل أعياد القديسين إلى مهرجانات عالية، وأيضًا كان عليه إصلاح ما يعم المجتمع من فساد وظلم...
* دخل الأسقف مع الشعب في صراع ضد الإمبراطورة يوستينة الأريوسية التي استسلمت أخيرًا للواقع حينما وجدت حتى الجند لا يقبلون الأريوسية.
توبة الإمبراطور ثيؤدوسيوس:
* كان موقف القديس أمبروسيوس لا يُحسد عليه حينما استشاط الإمبراطور غضبًا على أهل تسالونيكي لأن عامة الشعب قتلوا أحد ضباطه، فدعي الشعب لمشاهدة المباريات في الساحة، وإذ جمعهم أصدر أمره للجنود بقتلهم فهلك الألوف وصار فزع في كل المملكة.
* كان ثيؤدوسيوس مقتنعًا أن ما فعله كان من قبيل العدالة، وإذ أراد دخول الكنيسة منعه القديس أمبروسيوس حتى يقدم توبة عملية وعلنية ويصلح ما أمكن من أثار هذه المذبحة هنا يقف الأسقف لا موقف صاحب سلطان أو منازع للسلطة وإنما كأب روحي، كان حازمًا كل الحزم مع الإمبراطور وكان أيضًا يفتح له أبواب الرجاء بكل حب وحنو، لذلك حينما حاول المحيطون بالإمبراطور أن يصوروا الأسقف بالشخص المتسلط العنيف لم يقبل الإمبراطور... وإنما بعد فترة قدم دموع توبة وانسحاق حقيقيًا وسجد حتى الأرض ليقبل الله توبته. هنا طالبه الأسقف بسن شرائع لحماية الضعفاء، منها عتق الأبناء الذين باعهم الآباء بسبب الفقر، وإصدار قانون يحمى الشعب من قسوة بعض الرجال الرسميين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، ألا ينفذ حكم الإعدام على أحد إلا بعد 30 يومًا من صدور الحكم. حتى تُعطى فرصة للحاكم أن يراجع نفسه...
* انتهت القصة بصداقة حميمة بين الإمبراطور والأسقف لم تنفصم عراها حتى الموت حتى إنه عندما انتصر الإمبراطور في موقعة أكويلا أرسل إلى الأسقف رسالة يقول له فيها إنه مدين له بانتصاره، فحمل الأسقف الرسالة إلى المذبح، وكتب إلى الإمبراطور يقول له: "لقد وضعت رسالتك مع الذبيحة حتى يتكلم إيمانك أمام الله في نفس الوقت الذي انطلق فيه أنا بالصلاة.
* ظهرت أبوة أمبروسيوس حين شفع في المأسورين من الوثنيين باكويلا حتى لا ترتاع جماهير الوثنيين بميلان أو غيرهم من البلاد، وقد قبل الإمبراطور الأمر الذي كان له أثره في حياة الوثنيين.
* وفي 19 يناير سنة 395، أي بعد خمس سنوات من توبة الإمبراطور، وبعد بضعة أسابيع من نصرته في أكويلا رقد الإمبراطور وهو مستند على صدر الأسقف، وكان يناديه باسمه في اللحظة الأخيرة.
مع أغسطينوس:
* لقد أعجب أغسطينوس وهو بعد مانيًا بالأسقف من أجل البلاغة والبيان... ولكن الأسقف استطاع أن يسحبه للإيمان... وكان الأسقف يعزى القديسة مونيكا، كما كان معجبًا بإيمانها ودموعها التي لا تجف بسبب أغسطينوس، وقد تم عماد أغسطينوس على يديه في أبريل عام 387 م.
5- نياحته:
* بعد عامين من وفاة الإمبراطور توقف أمبروسيوس عن الكتابة بسبب المرض، وقد استمر في قراءاته وتأملاته، حتى قال عنه سكرتيره بولينوس إنه إذ كان يتأمل دفعة توهج وجه كالنور.
* حدث أنه في أحد الأيام بينما كان يصلى مع صديقه سمبليكيان الذي كان يلازمه الظل أن رأى أمبروسيوسالسيد المسيح يقترب منه بابتسامه إلهية ويدعوه لمرافقته في السماء، فعلم أن وقت رحيله قد أزف.....
* وفي يوم الجمعة الكبيرة، في 4 أبريل عام 397، مدّ القديس ذراعيه على هيئة صليب ولم يغير هذا الوضع لمدة ساعات حتى اسلم روحه.
* في اللحظات الأخيرة إذ تجمع الكل حول الراعي الأمين وقف جماعة من الشمامسة في ركن من الغرفة يتهامسون عمن يخلف القديس أمبروسيوس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. اقترح البعض سمبليكيان، وأجاب البعض إنه كبير السن... وإذ بالقديس يفتح شفتيه ليقول: "إن كبير السن لكنه فاضل"! أرتاع الشمامسة وخجلوا حتى تركوا الحجرة.... وتحققت كلمات الأسقف.
ثانيًا: أعماله وكتاباته:
* بالرغم من اهتمامه الشديد بعمله الرعوي والمتاعب التي لاحقته، فقد ترك القديس أمبروسيوس تراثًا ثمينًا. فمن جانب أهتم بتنظيم العبادة الليتورجية العامة في إيبارشيته، فقدم تدبيرًا ليتورجيًا جميلًا يعتز به أهل ميلان، كما أدخل نوعًا من الموسيقى الكنسية دعيت بالأمبروسية، أما كتاباته وعظاته فتضم كتابات عقيدية، وتفسيرية، ونسكية - أخلاقية، وعظات، ورسائل.
1- من كتاباته العقيدية كتاب عن الثالوث القدوس يشرح فيه عقيدة التثليث، يؤكد لاهوت السيد للربد على الأريوسيين، وآخر عن الروح القدس، وعن سر التجسد الإلهي ضد الأريوسيين والأبوليناريين، وعن الأسرار، وعن التوبة ضد اتباع نومانيان ليؤكد سلطان الكنيسة في حل الخطايا وضرورة الاعتراف وأهمية الأعمال الصالحة، وكتاب يرثى فيه أخاه يحوى حديثًا عن عقيدة القيامة.
2- من كتاباته التفسيرية 6 كتب عن أيام الخلقة السنة "هكسامبرون" وتعليقات على "قايين وهابيل"، "فلك نوح"، "إبراهيم"... الخ.
_____
(*)المرجع:
قاموس آباء الكنيسة وقديسيها حرف (أ) - مار جرجس سبورتنج