كان في سموٍ روحيٍ عظيمٍ، فقد عاش في كهف بالصحراء الشرقية مدة ستين عامًا. كانت حياته مملوءة بالجهاد الروحي وكان طعامه بسيطًا، فقد عاش على الخبز الجاف، وكان يتجول على شاطئ البحر وقت الظهيرة في الحر اللافح ليجمع الأحجار ويبني القلالي للرهبان الذين لا يقدرون على تشييدها. سُئل ذات مرة: "لماذا تتعب هكذا في هذه السن وأنت بهذا الجهد تقتل جسدك في هذا الحر الشديد؟" فأجاب قائلًا: "إنني أقتل جسدي لئلا يقتلني". كان يتناول رغيفًا صغيرًا فقط كل يوم مع قليل من الخضروات ويشرب الماء بقدرٍ. ولم يُشاهَد يمد رجليه للراحة نهارًا، ولم ينم على سرير من جريد أو على أي شيء آخر. وكان يقضي الليل في جدل الخوص وعمل السلال ليستطيع أن يحصل على قوت يومه من الخبز. وكان يغالب النعاس قائلًا: "إن استطعت أن تجعل الملائكة تنام فإنك تقدر أن تقنعني بذلك!" زاره بالاديوس في مغارته وقضى بعض الوقت في صحبته. وذات يوم أرسله ليستقي لهما ماء، فلما توجه بالاديوس إلى عين الماء وجد بها ثعبانًا. عاد بالمياه إلى القديس قائلًا: "إننا سنموت إن شربنا منها". فابتسم القديس وقال: "لو أن الشيطان جعل في كل مصادر المياه حيات وثعابين وزواحف سامة هل كنت تستغني عن الماء تمامًا؟" ولما قال هذه الكلمات رسم علامة الصليب على المياه وشرب منها وأضاف قائلًا: "حيث علامة الصليب فلا ضرر من الشيطان".