المنحرفون عقيديًا
أين الاعتراف؟ وأين الحل؟ وأين التداريب الروحية؟ وهل التوبة لا علاقة لها بالكنيسة؟ وهل سر التوبة مجرد كلمات نقولها وصلاة نرددها ومشاعر؟ أم أنها تغيير للذهن والقلب والتصرف؟! وهل الخلاص مجرد اختبار شخصي، وصلاة عند قدمي الرب يسوع، وعندئذ يكون الشيطان تحت الأقدام!
لقد دأب أصحاب البدع المعاصرة على استخدام هذه العبارات (هل اتخذت القرار.. ثق أن إبليس تحت الأقدام.. أننا لا نحارب إبليس لكي ننتصر.. كلا إننا نحاربه لأننا انتصرنا فعلا.. نحاربه لا لننتصر بل لنتمتع بالغنائم.. لابد أن نعلن سلطاننا)، بقصد تسهيل الخلاص للناس، وتوسيع الباب، وتغير الطريق المؤدى إلى الحياة (مت 7: 14).
وقد وضع هؤلاء الأخوة الكذبة معالم جديدة للحروب الروحية مؤداها أنه لا توجد حروب روحية لأن الشيطان تحت الأقدام!! إذن فلماذا علمنا الرب أن نقول في الصلاة الربانية (نجنا من الشرير)، ولماذا قال لنا الآباء الرسل (أن عدونا إبليس يجول مثل أسد زائر يلتمس من يبتلعه) (1 بط 5: 8) (سيروا زمان غربتكم بخوف) (1 بط 1: 17) (لم تقاوموا بعد حتى الدم،مجاهدين ضد الخطية)(عب 12: 4)، (فليحذر من هو قائم لئلا يسقط) (1 كو 10: 12)، ولماذا نصلى في القداس لكي لا يقوى علينا موت الخطية، ولكي نتعرى من الإنسان العتيق وأعماله الرديئة، ومن أجل عتق عقولنا من كل اختلاط هيولي، ولماذا نصلى لله لكي ينجينا من الأعمال غير النافعة وأفكارها وحركاتها ومناظرها ومجساتها، ومن أجل طرد المجرب وقطع الأسباب المؤدية للخطية لكي ينجينا الرب منها بقوته المقدسة.
أنها دعوة كاذبة للاستهتار بالشيطان الكذاب أبو الكذاب وعدم الجهاد واليقظة والصحو الروحي، ومادام الشيطان تحت الأقدام فلماذا إذن نصلي ونتوب ونصوم ونجاهد ونخدم؟ لقد انتهى الأمر!!
لقد اتبع المنحرفون عقيديًا أسلوب عدم مهاجمة الاعتراف ولا الكهنوت ولا التناول، لكنهم حرصوا على تنسيتها للناس، بعدم الحديث عنها، وبخبث شديد يصنعون بدائل لها، وهو أسلوب جديد، لابد أن نحترس منه ونكشفه للذين لا يعرفون أساسيات التعليم الكنسي الأرثوذكسي الذي هو تعليم إنجيلي كنسي سرائري ليتورجي آبائي، وذلك بالدفاع عن تعليم كنيستنا التقليدية وحفظها من خطر التلوث البروتستانتي، وجنون وشطط الهراطقة، وأخطاء المتقلبين الذين يقاومون صورة التعليم الصحيح،مستخدمين التأثير العاطفي على القارئ واحتواء فكر السامع، دون شرح الحق أو حتى تقديمه، محاولين بالتحايل والغش وتضليل البسطاء، وكأن لاهوت الكنيسة يحتاج إلى تطوير، غير ثابت الأصول.
أن مشكلة الهراطقة وأساس نكبتهم أنهم قد يملكون معرفة مسيحية، ولكنهم لم يملكوا أخلاقا مسيحية، فالطاعة غائبة، والتعليم تغيب عنه التقوى والفطنة الروحية والروح الكنسية العالية، وهناك انفصال بين العقيدة والتقوى لأنهم ورثة وملوك وبلا لوم يرعبون مملكة الظلمة، ويصنعون المعجزات البهلوانية!!
أليست هذه البدعة، هي نفس البدع التي ظهرت في جيلنا المعاصر والتي ابتدعها المعاندون، فكثير من البدع تترك خطوطا من الأفكار المنحرفة التي تهيء الجو لبدع جديدة، تعمل على مسخ العقيدة وتفريغها من محتواها (أي تجريدها) بتسطيح التعليم الكنسي وتشويهه بفكر غريب ومشوش.
لقد تسر الفكر الغربي خلال كتابات المبتدعين، فابتدعوا عن أصالة الخبرة والتذوق والممارسة، وأفرغوا المنهج الروحي من مضمونه، متبعين الاتجاه البروتستانتي الذي يبتعد عن عمل وشركة الثالوث القدوس، وصارت مناداتهم لله بعبارة (يا يسوع) في حين أن الخبرة الأرثوذكسية تجعلنا نتلامس مع الثالوث القدوس، وهو ما يسميه الآباء "الإيمان الثالوثي" ونصلى كي نكمل في الإيمان الثالوثي إلى النفس الأخير، لأن لاهوتنا الأرثوذكسي هو لاهوت الثالوث القدوس، لاهوت الوحدة والشركة.
ولا يلمس القارئ أو السامع الروح الخشوعية التعبدية المنسحقة، سواء في كتابات أو كلمات هؤلاء المبتدعين (هذا الكتاب ليسوع.. لمجد يسوع، لقد أخفقت كل محاولات إبليس في منع هذا الكتاب من الظهور)، ناسيين أن لاهوت الكنيسة لاهوت اتضاع وإخلاء، فيقولون (أنا بلا لوم أنا وريث أنا.. أنا)، بينما الكنيسة تعلمنا (أنا ما أنا) ويقول الكتاب (قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح) (أم 16: 18) معتمدين على فهمهم الخاص، ظانين أنهم يفهمون أكثر من ضمير الكنيسة وكأنهم اكتشفوا ما لم تعرفه الكنيسة كلها، يفلسفون المعلومات ليسبوا تابعيهم، ويكتبون الكلمات بالعبرية واليونانية، بقصد الإبهار والاصطياد العقلي، أين هذا من منهج الرسل الكرازي؟ ومن منطق العشار في التوبة!!
نصلى إليك يا رب لتحفظنا في إيمانك الأرثوذكسي غير عاثرين إلى النفس الأخير، وتنجينا من كل ملاقاة الهراطقة، وكل فكر لا يرضى صلاحك يا الله محب البشر فليبعد عنا..
نصلى إليك يا رب أن تفرق أعداء الكنيسة، حصنها فلا تتزعزع إلى الأبد، وارزقنا الرأي الواحد الذي للفضيلة والإيمان الثابت المستقيم الذي بلا فحص، لك المجد مع أبيك الصالح والروح القدس إلى الأبد آمين.