نصائح للعذارى ويدعو القديس العذارى أن يتأمَّلنَ الملكوت الذي أعدُّه الروح القدس لهُنْ بشهادة الكِتاب المُقدس، فهو ملكوت الذهب والجمال ”الذهب لأنَّكُنْ عرائِس الملك الأبدي، ولأنَّكُنَّ -وقد صار لكُنَّ الفِكْر الغير مغلوب بالشهوة- لن تستعبدنَ من قِبَل الملذات الحِسِيَّة، بل قد دُستُنَّ عليها، والذهب أيضًا أكثر قيمة من كلّ المعادِن إذا جُرِّب بالنار، وهكذا أيضًا يظهر الجسد البتول مُكرَّسًا للروح القدس، عظيم في جماله، لأنَّ مَنْ يتصور جمالًا أعظم من جمال العروس التي أحبَّها العريس الملك واشتهى حُسنها، وإذ قد اعتُقِت من الدينونة، صارت كلّها مُكرَّسة للرب، مُقدسة ونذيرة لله، عروسًا عذراء إلى الأبد، في حُبْ لا ينتهي وحِشمة لا تفنى“. فهذا هو بالحق الجمال الكامِل الذي لا ينقُصه شيء، الذي وحده يستحِق سماع صوت الرب القائِل: ”كُلُّكِ جميلٌ يا حبيبتي ليس فيكِ عيبة. هَلُمِّي معي من لُبنان يا عروس معي من لُبنان“ (نش 4: 7-8) فهذه هي سِمات جمال النَّفْس البتول الفائِق الذي لا يُعبَّر عنه، المُكرَّس لمذابِح الله فلا يتأثَّر بالشهوات الزائِلة أو بالحيوانات المُفترسة الروحية أجناد الشر، لأنَّ النَّفْس التي تنشغِل تمامًا بأسرار الله، تُوجد مُستحِقة للحبيب الذي تفيض أحضانه فرحًا ”بخمرٍ تُفرِّح قلب الإنسان“ (مز 104: 15). وللقديس أمبروسيوس تأمُّل جميل عن رائِحة العروس، فالحكيم يقول ”ما أحسن حُبَّكَ يا أُختي العروس كم محبَّتُكِ أطيب من الخمرِ وكم رائِحة أدهانِكِ أطيبُ من كلِّ الأطياب“ (نش 4: 10)، ويُكمِل أيضًا ”رائِحة ثيابِكِ كرائِحة لُبنان“ (نش 4: 11)، وهنا يقول قديسنا: ”انظُري أيتها العذراء أيَّة رِفعة وعَظَمَة قد سَمَوْتِ إليها، فإنَّ رائِحتِك الأولى تفوق كلّ الأطياب إذ قد استُخدِمت في تطييب جسد المسيح المُخلِّص (يو 19: 39) ففاح بخور أريجها، أمَّا الرائِحة الثَّانية فهي مثل رائِحة لُبنان التي تستنشِق من جسد الرب عديم الفساد زهرة العِفة البتولية“. ويحِث أمبروسيوس العذارى أن يكون عملِهِنْ كالنحل، لأنه يليق بالبتولية أن تُشبِه النحل في نشاطه وأدبه واحتشامه وعِفته، فالنحل يتغذى على الرَّحيق، لا يعرِف زواجًا ولا خُدرًا بل يصنع عسلًا، ورحيق العذارى والمُتبتلين هو كلِمة الله، وحشمتهُمْ هي طبيعة لا تتدنس، ونِتاجِهِم هو ثمرة تفيض حلاوة بلا مرارة، وهم يعملون في شَرِكَة، لذا يأتي ثمرهم في شَرِكَة. فعلى العذارى أن يتشبَّهنَ بهذا النحل الذي طعامه الزهور ونِتاجه يجمعه معًا، ويتشبَّهنَ بفمه فلا يدعنَ الزيف يُغلِّف كلامِهِنْ، ولا يترُكنَ الرِّياء يُغطيه، ليكون كلامِهِنْ طاهرًا يزخر بالمنفعة. ويجب أن يكون فم العذراء نبعًا يدوم إلى الأبد لا لوم فيه، ولا تجمع لنفسها فقط لأنها لا تعلم متى تُطلب نفسها منها، لئلاَّ تترُك أجرانها ملآنة قمحًا دون أن تنتفِع هي نفسها منها ولا الآخرين أيضًا، بل يجب أن تُسرِع لتقتني الكِنوز التي لا تُبلى، وتكون غنية بالإحسان على الفُقراء والمساكين. وينصح القديس العذارى أن يتأمَّلنَ في الزهرة التي هي المسيح الذي قال ”أنا نَرِجِسُ شارون سُوْسنة الأودية. كالسُّوسنة بين الشَّوكِ“ (نش 2: 1-2)، ويرى القديس أنَّ هذا ”إعلان صريح عن أنَّ الفضائِل مُحاطة بأشواك أجناد الشر الروحية، حتّى أنَّ مَنْ يُريد أن يجمع ثِمارها عليه أن يكون حَذِرًا“. كذلك يحِث القديس أمبروسيوس العذارى على طلب وجه المسيح قائِلًا ”خُذي أيتها العذراء أجنِحة الروح القدس لِتُحَلِقي فوق كلّ الشهوات، إن كُنتِ تشتاقين إلى المسيح لأنَّ الرب إلهنا ساكِن في الأعالي ناظِر الأسافِل (مز 113: 5-6) الذي كان ضهوره مثل أرز لُبنان، الذي أوراق نبتته في السحاب وجذوره في الأرض... ابحثي باجتهاد عن هذه الزهرة الثمينة“. ويصِف القديس هذه الزهرة (التي هي المسيح) بأنها زهرة تُحِب النمو في البساتين والجنَّات، وهي تلكَ الزهرة التي وجدتها سوسنَّة أثناء تِجوالها واستعدت وفضَّلت أن تموت عن أن تفقِد عِفِتها، ”ولكن ما المقصود بالجنَّات؟ إنه هو نفسه يُشير إليها قائِلًا: ’ أُختي العرُوس جنَّة مُغلقة عين مُقفلة ينبوع مختوم ‘ (نش 4: 12) لأنه في جنَّات مثل هذه تتدفق مياه النبع الطَّاهِر لِتَعكِس ملامِح أيقونة الله، والعين مُقفلة والينبوع مختوم لئلاَّ تختلِط مياهها بالطين فتتلوث من أوحال تتمرَّغ فيها الحيوانات الروحية المُفترِسة، ولهذا السبب أيضًا تُحاط حِشمة العذارى بِسِياج من الروح القدس، فتصير جنَّة مُغلقة حتّى لا تُفتح وتُسرق وتُنهب، وكَجَنَّة يصعب دخولها من خارِج ولكن يفوح منَّا أريج البنفسج مع الزيتون، وتُعبَّق برائِحة الورود لأنَّ الإيمان يزدهِر في الكرمة والسَّلام في الزيتونة، والحِشمة -حِشمة البتولية المُكرَّسة- في الوردة، وهذه هي الرائِحة التي اشتَّمها البطريرك القديس إسحق قال ’ رائِحةُ ابني كرائِحةِ حقلٍ قد باركهُ الرَّبُّ ‘ (تك 27: 27) فقد أتى إليه ابنه بِحَصَاد حقله المُمتلِئ بكلّ صُنُوف الثِمار، حصاد العمل العظيم، حصاد الإزدِهار والإثمار“. وإن اشتاقت العذراء أن تكون جنَّتها عظيمة وحلوة، فعليها أن تُغلِقها بوصايا الأنبياء ”اجعل يا ربُّ حارِسًا لفمي. احفظ باب شفتيَّ“ (مز 141: 3) حتّى تستطيع أن تُردِّد ”كالتُّفاح بين شجرِ الوعرِ كذلك حبيبي بين البنين. تحت ظِلِّهِ اشتهيتُ أن أجلِس وثمرتهُ حُلوةٌ لِحلقي“ (نش 2: 3)، وأيضًا ”وجدتُ مَنْ تُحِبُّهُ نفسي فأمسكتُهُ ولم أرخِهِ.... لِيأتِ حبيبي إلى جنَّتِهِ ويأكُل ثمرةُ النَّفِيس.... تعالَ يا حبيبي لِنخرُج إلى الحقل“ (نش 3: 4 ؛ 4: 16 ؛ 7: 11)، وكذلك ”اِجعلني كخاتِمٍ على قلبِكَ، كخاتِمٍ على ساعِدك“ (نش 8: 6)، ”حبيبي أبيضُ وأحمرُ“ (نش 5: 10) لأنه يليق بالعذراء أن تعرِف تمامًا مَنْ تُحِبُّه، وتُدرِك فيه كلّ سِرْ طبيعته الإلهية وسِرْ الجسد الذي أخذه، فهو أبيض لأنه يليق به أن يكون هكذا لأنه بهاء مجد الآب، وهو أحمر لأنه وُلِدَ من عذراء. ويرى القديس أمبروسيوس أنَّ العذارى مُستحِقات أن يُشبَّهنَ بالكائِنات السمائية وليس بالبشر، لأنَّهُنْ يحيينَ هنا على الأرض مُستلِمات من الرب الوصايا لِحِفْظ هذه الحياة ”اِجعلني كخاتِمٍ على قلبِكَ“ (نش 8: 6).