الزواج عند القديس أمبروسيوس أمَّا عن رؤية القديس أمبروسيوس للزواج فيُوضِح أنه ليس ضد الزواج لكنه يُؤكِد على عِظَم البتولية، فالقديس بولس الرَّسول يقول ”أمَّا الضَّعيف فيأكُلُ بُقُولًا“ (رو 14: 2) وأيضًا ” مَنْ زَوَّجَ فحسنًا يفعلُ ومَنْ لا يُزَوِّجُ يفعلُ أحسن“ (1كو 7: 38)... فالإنسان لا يُخطِئ إذا تزوَّج، ومَنْ لا يتزوج فمن أجل الأبدية، ”فالزواج عِلاج للضعف، بينما البتولية فمن أجل مجد العِفة، الزواج لا يُمتدح أمَّا البتولية فتُطوَب“. والمُتزوجات يختلفنَ عن العذارى، فكلّما افتخرت المُتزوجة بكثرِة النسل كلّما زادت هِمومها ومتاعِبها، وهي تحبل بالآلام والأوجاع... فبنات هذا الدَّهر يُحبل بِهُنْ ويحبلنَ، بينما ابنة الملكوت تمتنِع عن اللذة الزيجية، لذِة العُرْس الأرضي، لذِة الجسد، لتكون مُقدسة جسدًا وروحًا. ثم يُشير إلى بعض الأفعال المرفوضة التي تلجأ إليها بعض الزوجات حينما يدهِنَّ وُجوهِهِنْ بالمساحيق والألوان المُختلِفة، وهُنَّ بذلك يُلوِثنَ عِفتِهِنْ، فمن الجنون أن يستبدِلنَ الشكل الطبيعي ويبحثنَ عن أصباغ ودهانات... وكذلك شغف بعض الزوجات بالحُلي وبالمُجوهرات والثِياب المُوشَّاة بالزُخرُف... فهذا كلّه لا يُغيِّر فيهُنَّ شيئًا. بعد ذلك ينتقِل للحديث عن العذارى المُطوبات اللائي تتزينَّ بالزينة الحقيقية الباطنية... فباتضاعِهِنْ المُقدس تُشرِق وُجوهِهِنْ، وجمالِهِنْ الحقيقي هو في العِفة البهية التي لا تُعثِر الآخرين، وهو جمال داخلي، لأنَّ الله يُحِب النِفوس الجميلة بالفضيلة، وهُنْ لا يعلمنَ شيئًا عن متاعِب وأوجاع الوِلادة، لكن أعظم هي ذُرِية النَّفْس التي تستغني بفضائِلها ولا تنزعِج أو ترتبِك بفُقدان أحد، فقد ماتت عن الجميع من قبل... وإن فقدت أهلها لكن صار لها مُحِبُّون كثيرون. ومن الحديث عن العذارى ينتقِل للحديث عن مِثال العذارى وأُمَّهُم أي الكنيسة المُقدسة التي وإن كانت عذراء لا تعرِف زواجًا إلاَّ أنها خِصبة ولوُد، ”فهي في عِفِتها عذراء وفي ذُرِيتها أُم“، ومع أنَّ الكنيسة عذراء إلاَّ أنها تحمِلنا أبناء لها لا من أب بشري بل من الروح القدس، لا تحمِلنا بالآلام بل بفرح وتهليل الملائكة وهي العذراء التي تُطعِمنا لا بلبن جِسداني بل بلبن الآباء الرُّسُل، كالذي غذَّى به القديس بولس غير القادرين من شعب الكنيسة ” كَجَسَدِيِّين كأطفالٍ في المسيح. سقيتُكُمْ لبنًا لا طعامًا لأنَّكُمْ لم تكُونوا بعدُ تستطيعون“ (1كو 3: 1-2)، ويتساءَل أمبروز ”أي عروس لها ما للكنيسة المُقدسة من أبناء؟ تلكَ التي في أسرارها عذراء لكنها أُم للجميع، التي يشهد الكِتاب المُقدس لِخصوبتها قائِلًا: ’ ترنَّمي أيتها العاقِرُ التي لم تلِد أشيدي بالتَّرنُّم أيتها التي لم تَمْخَضْ لأنَّ بني المُستوحِشة أكثر من بني ذات البعل ‘ (إش 54: 1 ؛ غل 4: 27)“. ثم يحِث القديس الآباء على تدريب أولادهم وبناتهم على الفضائِل والجِهاد لأنَّ ”العذراء هي تقدِمة أُمَّها“، ويسألهم القديس أن يترُكوهم ينمون في طريق الكمال ولا يمنعوهم، ويُحدِّث هؤلاء الذينَ يمنعون بناتهم عن السير في درب البتولية لأنهم يُريدون أن يكون لهم أحفاد، ويقول لهم أنَّ الأحفاد شيء غير مُؤكد أو مضمون بينما الفضيلة مضمونة وأثمن بما لا يُقارن. ويُعلِن أسقف ميلان أنه ليس ضد الزواج بل هو يشجعه ويلوم مَنْ يُعارِضونه ويدينوه، لأنَّ الذينَ يدينون الزواج يدينون أيضًا النسل وميلاد الأطفال ويدينون استمرارية الجِنْس البشري جيلًا بعد جيل. فهو لا يُقاوِم الزواج بل يجمع معًا كلّ مزايا البتولية وعَظَمَتْها وقداستها، فهي هِبَة عظيمة تُعطَى لأقلية من الناس، بل هو يُقارِن بين أمور كلّها صالِحة، يُقارِن الصَّالِح بالصَّالِح ليظهر أكثرهُما سُمُوًا، وهو لا يُعطي رأيًا من عنده بل يُكرِّر ما قاله الروح القدس بالنبي القائِل ”أمَّا العاقِر الطَّاهِرة التي لم تعرِف المضجع الفاحِش فطُوبى لها “ (حكمة 3: 13). ويُعلِن القديس أنَّ المُتزوجين والمُتزوجات ينبغي بالضرورة أن يعترِفوا أنهم أقل رُتبة من العذارى اللاتي استحققنَ سماع ذلك الصوت ”أنتَ أبرع جمالًا من بني البشر وقد انسكبت النِّعمة على شفتيك“ ( مز 45: 2)، لأنَّ مَنْ هو ذلك العريس؟ إنه ذلك الواحِد الذي قِنيته تفوق الوصف وغِناه يفوق افتخارنا، الذي عرشه إلى أبد الآبدين، وكرامته تُشارِكه فيها بنات الملِك ”بنات مُلُوكٍ بين حَظَيَّاتِك. جُعِلتِ المَلِكة عن يمينك بذهب أُوفير. اسمعي يا بِنْت وانظُري وأميلي أُذُنَكِ وانسي شعبك وبيت أبيكِ فيشتهي الملِك حُسنَكِ لأنه هو سيِّدُكِ فاسجُدي له“ (مز 45: 9-11).