رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فرادة شخصية التلميذ The Disciple's Individuality ربما يظُن القارئ بعد كلّ ما أسلفناه عن إنكار الذات والطاعة والحياة النُّسكية التي يعيشها الراهب، أنَّ شخصية المُبتدئ تختفي وتُمحى تمامًا بيد أنَّ هذا الفِكْر ليس له أي أساس من الصحة كما سنرى، إذ لم ينسَ آباء البريَّة قط أنَّ ”الإنسان كيان مُتنوع للغاية له عديد من العادات“ كما يقول القديس إغريغوريوس النزينزي. وإذ كانوا مُربيين، حاول الآباء أن يستخدموا ما يُسمَّى اليوم باسم ”المنهج المُتفرِّد في التعليم individualized“ (49) وفي ”الأقوال - الأبوفثيجماتا“ ينعكس احترامهم الكبير لتنوُّع الدعوة من شخص لآخر، ولاختلاف المناهِج الشخصية، ولذلك لم يسعوا لوضع قوانين ثقيلة عامة على المُبتدئين بجُملتهم. فكان الآباء يُقدِّرون ويحترمون ”المناهِج“ المُختلفة و”تنوُّع العطايا“ إيمانًا منهم بأنَّ الروح الواحد هو هو يعمل ويقسم نصيبًا لكلّ إنسان حسبما شاء، وقد اتفق مُعظم الآباء على وجود الاختلافات الفردية بين الإنسان والآخر وعلى تنوُّع النِفوس، فوافق على ذلك كلِمنضُس (50) ويوحنَّا الدَّرجي وإيسيذروس الفرمي (من القرن الخامِس) الذي يقول: ”لا يُسَرْ الناس جميعهم بنفس الأمور، ولا يشفون جميعهم بنفس الأدوية“ (51). وكانت شخصية طالِب الرهبنة ونموه الروحي يُؤخذان في الاعتبار، عندما يساعده أبوه على اختيار أفضل طريق حياة يُناسبه، والقديس يوحنَّا الدَّرجي يُقدِّم لنا صورة للرؤية الناضجة التأمُلية للرهبنة الأولى ويكتُب في سُلَّمه: ”على الذين عزموا على خدمة المسيح حقيقةً أن يُعمَّدوا قبل كلّ شيء آخر إلى اختيار المكان والطريقة والسُّكنى والمُمارسات النُّسْكية التي تُلائِمهم، وذلك باستطلاعِهِم الشخصي ومعونة الآباء الروحيين، لأنَّ الأديُرة ذات المعيشة المُشتركة لا تُوافق كلّ الناس من جهة الشراهة، وكذلك فإنَّ مواضِع العُزلة والسكون ليست للجميع من جهة الغضب...“ (52). وأيضًا من بين العوامل الأخرى التي كانت تُدرس عند قبول المُبتدئ، كان عامِل السِنْ، ونقرأ في سُلَّم الدَّرجي أنَّ الرُّهبان يجب ألاَّ يعيشوا جميعًا في موضِع واحد، بل في أماكن مُختلفة بحسب سِنَّهم، ونفس هذا الكتاب يُخبرنا أيضًا أنَّ الأنبا أنطونيوس وضع قوانين أصوام مُتنوعة لتلاميذه حسب حالتهم (53)، وباخوميوس أيضًا قسَّم تلاميذه بحسب شخصياتِهِم (54). وبجانب السِنْ والاحتياجات الجسدية، والنمو، والشخصية، إلخ... كان الجنس أيضًا يُوضع في الاعتبار كما يتضح من كِتابات جناديوس إذ يقول في معرض حديثه عن إيڤاجريوس: ”وضع أيضًا عقيدة للحياة المُشتركة مُناسبة لرُهبان الشَرِكَة والمجمع، ووضَعْ للعذراء المُكرَّسة لله، كِتابًا صغيرًا مُناسبًا لدينها وجِنسها“ (55). إنَّ الدراسة المُدقِقة للماضي تُظهِر وتُثبِت أنَّ كثيرًا من ”الأفكار الحديثة“ مُتطابقة ومُتماثلة مع أفكار التُراث الكلاسيكي والمسيحي، ومن الجلي أنه في الرهبنة الأولى كان هناك تمييز واضح بين الآباء والتلاميذ، ويُؤكِد الأدب النُّسْكي على دلالة دور الأب ويُحدِّد صِفاته ومُقوماته وواجباته، والمُصطلحات العديدة التي كانت تُستخدم للإشارة إلى الأب تُوضِح أنَّ دوره كان بالدرجة الأولى تربويًا، وفي الوقت عينه، المُصطلحات الأخرى التي اُطلِقَت على المُبتدئ تدُل على أنَّ حياته يجِب أن تكون تلمذة وتعليم مُستمر، وكان للتلميذ حُريته التامة في أن يختار أباه، لكن كان من الضروري بالمِثْل أن يظل معه ويُطيعه في سائر الأمور، وفي مدرسة البريَّة، كانت شخصياته وفرادة كلّ مُبتدئ تجد كلّ رعاية واهتمام بها. |
|