رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
موقف الكنيسة من المدارس والتربية الوثنية الكلاسيكية
The Church's Stand with Regard to Classical Schools and Education يتضِح مِمّا سبق أنَّ آباء الكنيسة الأولى أدركوا لدرجةٍ ما فائدة ونفع الفلسفة والثقافة الكلاسيكية، وأيضًا الحاجة للمعرفة العالمية غير المسيحية وهذا النوع من المعرفة كان يُقدَّم في المدارس غير المسيحية، والتي كانت بالتأكيد ذات سِمة وطابِع وثني في منهجها وموادها، ومن المُدهِش أنَّ الكنيسة في عصرٍ ما بعد الرُّسُل – مع بعض استثناءات – لم تبذُل أي جهد جاد لتأسيس مدارسها الخاصَّة لتعليم أبنائها الأدب والمواد الأخرى العالمية، بالرغم من أنه كان أمامها مثال اليهود الذين أنشأوا مدارس خاصَّة بهم (12). وعدم وجود مدارس مسيحية في ذلك الوقت تسبَّب في حدوث حيرة: 1) هل يجب أن يلتحِق الأطفال المسيحيين بالمدارس الوثنية، بالرغم من الخطر القائم باحتمال أن يتأثَّروا بالمدرسة ويتزعزع إيمانهم؟ 2) هل تسمح الكنيسة للمسيحيين أن يقوموا بالتدريس في مدارس وثنية؟ وردًا على السؤال الأوَّل، جاءت إجابة مُعظم آباء الأطفال بالإيجاب، فكانوا يُرسِلون أبنائهم إلى المدارس الوثنية، لكن بعد أن يوعُّونهم ويُنبهونهم إلى السُّم المُقدَّم هناك، وحتّى ترتليان المُتشدِّد وافق على ذلك. وبالإضافة إلى المدارس الرهبانية -وأحيانًا قبلها- كانت توجد مدارس في عدَّة إيبارشيات، فيُخبرنا ثيؤدورت أسقف قورش عن المدرسة التي أسَّسها القِس بروتوجينس Protogenis (القرن الرَّابِع) حيث كان يُدرس فيها الكتابة والاختزال بجانب التعليم المسيحي، وكان بروتوجينس يستخدم المزامير وتعاليم الرُّسُل كمادة للقراءة، وليس النصوص الأُسطورية الميثولوچية. (13) كذلك لدينا تسجيلات عن شخص آخر يُدعى أيضًا بروتوجينس، وهو كاهن من أديسا (نحو عام 150 م) وكان يُعلِّم أطفال كنيسته أوليات المواد المسيحية والكتابة والقراءة والترتيل. (14) ومثل هذه المدارس كانت قليلة العدد وفي الغالب نتيجة لمجهودات بعض الكهنة النُشطاء، وفيما بعد أمر مجمع قرطاچ المكاني (419 م) الكهنة بإنشاء المدارس وتعليم الأطفال القراءة (15)، ونفس هذا التشريع كرَّرته مجامِع مكانية أخرى. لكن كما ذكرنا قبلًا، لم تكُن مدارس الأديُرة والكنائس كثيرة، ولذا كان استخدام مدارس العالم ”شرًا ضروريًا“ وكان هناك دومًا من يعترِض عليه، ومع ذلك حتّى باسيليوس ابن الأسقف درس في مدرسة عادية، وقبله أرسل ألكسندروس بطريرك الأسكندرية تلميذه أثناسيوس إلى مدرسة غير مسيحية. كان هذا هو حل المُشكلة الأولى المذكورة عاليه. أمَّا المُشكلة الثانية، بخصوص المُدرسين المسيحيين، فكانت مُعضِلة صعبة فعلًا، ولم يكُن هناك إجابة واحدة لهذا السؤال يتفق عليها الجميع. في البداية كان التدريس موضوعًا ضمن قائمة الأعمال التي يجب على الموعوظ أن يترُكها قبل أن يستحِق نوال نعمة المعمودية، ويشرح ترتليان أسباب ذلك، بينما نرى هيبوليتس الروماني أكثر مرونة في الحالات التي لا يكون فيها للموعوظ عمل أو تجارة أخرى يعمل بها. (16) وفي الغالب، يُعبِّر هيبوليتس عن الفِكْر العام للكنيسة في هذا الصدد والذي كان مرنًا تمامًا، ومن المعروف أنَّ أوريجانوس كان استاذًا للنحو، وأناطوليوس Anatolius (من القرن الثَّالِث) والذي صار أسقفًا للادوكية Laedocia، كان يشغل كرسي الفلسفة الأرسطوطالية في الأسكندرية، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. والكاهن مالكيون Malchion أيضًا كان مُدير مدرسة في أنطاكية، وفي زمان يوليان الجاحِد (362 م) كان المسيحيون يشغلون كراسي الفلسفة في أثينا وروما، وهذا يُوضِح كيف كانت الكنيسة تقبل أن يعمل المسيحيون بالتدريس. وأخيرًا مِمّا هو جدير بالذِكر أنَّ كنيسة سوريا وكنائِس ”الأُمم البربرية“ أي غير اليونانية، قامت بمهمة تطوير أدبهم القومي ونظامهم التعليمي والتربوي وبصفة عامة حضارتهم وثقافتهم القومية، فالأسقف رابولا Rabboula (تنيَّح 435 م) أسَّس مدرسة سُريانية في أديسا Edessa (17) والتي لم تكُن مدرسة للموعوظين، وفرمنتيوس Frumentius (القرن 4 – 5) ارتقى بالأثيوبية إلى مُستوى اللُغة المكتوبة، وميسروب Mesrob – بحسب التقليد – صنع هذا الأمر عينه مع اللُغة الأرمنية والغريغورية، وإلفيلاس Ulfilas مع اللُغة الچرمانية. لقد احتاجت الكنيسة – كمُؤسسة تربوية – أن يكون أعضاؤُها مُتعلمين لدرجةٍ ما حتّى تستطيع أن تقوم بعملها ومُهمتها، ومتى كان الأعضاء غير مُتعلمين، كانت الكنيسة تقوم بتعليمهم، وهكذا قدَّمت المسيحية الثقافة الكلاسيكية إلى المواطن العادي البسيط. |
|