لماذا حلّ الروح القدس على السيد المسيح عند عماده؟
1. لماذا حلّ الروح القدس على السيد المسيح عند عماده؟
الروح القدس هو الذي شكَّل ناسوت السيد المسيح منذ لحظة البشارة بالتجسد الإلهي. ولما كان لاهوت السيد لم يفارق ناسوته، لهذا لم يكن قط في معزل عن الروح القدس، ولا في حاجة إلى تجديد الروح له، لأنه لم يسقط قط في خطية ولا كان للإنسان القديم موضع فيه. إنما طلب السيد أن يعتمد "لكي يكمل كل برّ"، أي يقدم لنا برًا جديدًا نحمله فينا خلال جسده المقدس. حلول الروح القدس عليه في الحقيقة كان لأجل الإنسانية التي تتقدس فيه، فتقبل روحه القدوس.
في هذا يقول القديس غريغوريوس النيسي: [اليوم اعتمد (يسوع) من يوحنا لكي يُطهر الذي تدنس، ولكي يجعل الروح ينحدر من فوق، فيرفع الإنسان إلى السماء، ويقيم الساقط الذي انحدر وصار في عارٍ. لقد أصلح المسيح كل الشرور، فأخذ البشرية الكاملة لكي يخلص البشرية، ولكي يصبح مثالًا لكل واحدٍ منا. لذلك فهو يقدس باكورة وثمار كل عمل يقوم به لكي يترك لعبيده غيرة حسنة بلا شك في اقتفاء أثره [470].]
يذكر لنا لوقا الإنجيلي عن السيد المسيح: "أما الصبيُّ فكان ينمو ويتقوَّى بالروح" (لو 1: 8)، "وأما يسوع فكان يتقدَّم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو 2: 52). لقد كان التجسد حقيقة واقعة، والإخلاء حقًا واقعًا وليس مظهرًا أو خيالًا كما ظنت بعض الهرطقات الغنوسية. لهذا أخلى الابن ذاته عن أمجاده دخل في حياتنا البشرية حاملًا ناسوتًا حقيقيًا يتقبل النمو في الروح والسند الروحي والنعمة، بجانب التقدم في الحكمة والقامة، ليس كمن هو في نقص يحتاج إلى مزيد، وإنما كممثلٍ حقيقيٍ لنا، يتقبل النمو المستمر لحسابنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.بهذا قدم لنا السيد نفسه طريقًا حقيقيًا خلاله نتسلم العطايا الإلهية لخلاصنا ونمونا المستمر.