الفصل السادس
وأخيراً عبد الإنسان الشيطان!!
" إنَّ الإنسان الذي لم يعد يؤمن بالله، مستعد للإيمان بأيّ كائن حتى لو كان هذا الكائن هو الشيطان !! "، هذه عبارة بليغة يؤمن بها كل الحكماء، فعبادة الشيطان التي كانت مجرد أفكار في روايات قد تحوّلت إلى حقيقة، وذلك عندما ضل الإنسان، وابتعد عن الله، ورفض أن يعمل بوصاياه!
أمَّا الشيطان فكما يُخبرنا الكتاب المقدس كان روحاً، من بين الأرواح الملائكية التي خلقها الله حسنة، ولكنَّه قد سقط من رتبته بسبب كبريائه عندما قال في قلبه: " أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ، أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ.. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ " (إش13:14،14).
ومنذ أن انفصل الشيطان عن الله وهو يعمل بكل ما يملك من قدرات.. لمقاومة الإنسان وإبعاده عن الله عسى أن يُسقط البشرية كلها في الهلاك، وقد استطاع بمكره أن يُسقط أنبياءً ورسلاً وقديسين.. فهو لا يقف ساكتاً أمام إنسان يحيا مع الله، بل يُحاربه ويُقاومه ويُسمّى هذا " حسد الشيطان " !
ويُعتبر الخِِداع هو المبدأ الذي تنطوي عليه كل حيل الشيطان، فهو محتال في تزييف الحقائق، فيبذر الزوان في وسط القمح، ويضع المؤمنين المزيفين بين أبناء الملكوت (مت25:13)، وقد استطاع بخِداعه أن يجعل الإنسان يسجد له ويعبده!!
إنَّه حدث مرعب واكب حركة التقدم، والحرية الكاذبة التي أنتجتْ فلسفات إلحادية أضعفت الإيمان، وشككتْ في الحياة الأبدية والثواب والعقاب في الآخرة..
عبادة الشيطان
أمَّا عبادة الشيطان الحالية فقد ظهرت في القرن التاسع عشر على يد ساحر إنجليزي يُدعى " أليستر كراولي "، الذي ينتمي إلى عائلة عادية، وتخرّج من جامعة كمبردج في بريطانيا, وكان مهتماً بالظواهر الروحية والعبادات الغريبة, وله كتاب اسمه " الشيطان الأبيض "، دافع فيه عن الشهوات الجنسية.
وفي أواخر القرن الماضي انضم كراولي إلى نظام " العهد الذهبيّ "، ويعتبر هذا النظام هو أحد الجماعات السرية, وبعد فترة أصبح هو المُعلم الأول لجماعة عَبَدة الشيطان.
وفي عام (1900م)، ترك العهد الذهبيّ وعمل نظام خاص به يُسمّى " النَجم الفضيّ "، وبدأ يسافر إلى أنحاء العالم، واشتهر بتعاطيه ومتاجرته في المخدرات، مما جعل الحكومة الإيطالية تقوم بطرده..
وقد استطاع كراولي أن يؤلّف كتاب اسمه " القانون " دعا فيه إلى تحطيم القواعد الأخلاقية، وحث الناس على الإباحية الجنسية..
بعد أن مات كراولي عام (1947 م) طوّر " أنتون ساندور ليفي"، اليهوديّ الأصل والأمريكيّ الجنسية هذا المذهب.
ويزعم أنتون أنَّ إبليس ملاك تعرّض للظلم من الله، على الرغم من أنَّه رمز القوة.. ويُنكر جميع الأديان، ويطالب بدليل ماديّ على وجود الله، أمَّا الشيطان في نظره فالأدلة عليه كثيرة وآثارها موجودة وقوته خارقة، وهو يمثل التواجد الحيويّ الغير كاذب، والحكمة غير المشوّهة أو الملوثة.
ألّف ليفي العديد من الكتب، وقام بعمل خطير ألا وهو: إنشاء كنيسة باسم الشيطان في سان فرانسيسكو بأمريكا!! وذلك في يوم (30) أبريل من عام (1966م)، وفيها يقومون بتمجيد وعبادة الشيطان!! والاستمتاع بكل ما قد حرّمه الله...!!
استمر أنتون يُمارس أعماله الشريرة والفاسدة، وينشر أفكاره المنحرفة، وينادي بضرورة إطلاق المرء العنان لأهوائه ورغباته وشهواته بدلاً من الامتناع عنها.. إلى أن مات في عام (1997م).
أسباب عبادة الشيطان
يشهد عصرنا الحالي انغماس شديد في الخطية، ولكنَّ الخطية لا تشبع ولا تُشبع آلاماً تسبقها وآلاماً تلحقها، فالخوف والعزلة والفراغ والفشل والإصابة بالأمراض النفسية والعصبية والجسدية.. هى ثمار يجنيها كل من يحيا في الخطية.
لكنَّ الإنسان الميّال للخطية منذ حداثته، كثيراً ما يرفض أن يأتي بالملامة على نفسه، ويبتعد عن مصدر آلامه وأحزانه.. بل هناك من يُهاجمون الله ويتَّهمونه بعدم العناية بخليقته، وبأنَّه المسئول عن كل المصائب التي تحل بالبشر.. فأوجد الشك في عناية الله المجال للشيطان ليعمل بقوة بعدما وجد أرضاً خصبة له! فمن المعروف أنَّ الشك في الله هو بداية الإلحاد.
ونحن بصدد الحديث عن الخطية، نؤكد أنَّ الخطية والأنا هما وجهان لعملة واحدة ألا وهى: حُب الذات، فحيث الخطية هناك القوقعة الذاتية ودوران الإنسان حول ذاته، ومحاولة إشباعها بكافة الطرق حتى وإن كانت خاطئة، وهذا أدى إلى ضياع مفهوم الحب بين الناس، وارتفاع نسبة الطلاق، وتشرد الأولاد، الذين وجدوا فرصتهم في عبادة الشيطان، والموسيقى الصاخبة التي تُعبّر عن روح التمرّد والثورة الداخلية، واللامبالاة بكل ما هو طاهر وجليل.
وهناك من سقطوا في عبادة الشيطان بعد شعورهم بالضياع بسبب الفشل الدراسيّ، فالانحراف هنا وسيلة للهروب من الواقع كما هو الحال لدى المدمنين.
وتحكي فتاة جامعية أنَّها انخرطت في ممارسة هذه الطقوس، لكي تجرب هذه الحياة التي لم تختبرها من قبل، بعد أن حاولتْ عدة مرات الانتحار والتخلّص من حياتها بالموت..
وقد يدفع الجهل الدينيّ بكثيرين، إلى الاندماج بين جماعات عبادة الشيطان، الذي يُعد في نظر البعض ذو قوة هائلة، وله سلطان يستطيع به أن يُلبي احتياجات البشر! ولو أنَّهم قرأوا قول السيد المسيح: " رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ " (لو18:10)، لَمَا سقطوا في عبادته.
فالشيطان الذي يبدو قوياً، يستطيع كل مؤمن بقوة رب المجد يسوع أن يُقيّده لأنَّه قال لأولاده المؤمنين " هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَاناً لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُّوِ وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ " (لو19:10)، أتتذكرون تذلل الشياطين أمام السيد المسيح " آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ قُدُّوسُ اللَّهِ!" (مر24:1).
والحق إننا كثيراً ما نحاول تبرير ضعفنا وسقوطنا، بالحديث عن قوة الشيطان وسلطانه ووسائل إغرائه.. في حين أنّ الشيطان لا يقدر أن يعمل عملاً ما لم نرغب نحن هذا العمل! إنَّها محاولة تبرير فاشلة، لكي لا يُعطى الإنسان حساب عن أعماله، متناسياً أنَّ من لا يُسئل عن خطاياه لا يُسئل أيضاً عن فضائله!!
إنَّ كل ما يستطيع أن يعمله الشيطان، هو أن يقرع باب قلبك دون ملل، ولكنه لا يقوى من تِلقاء نفسه على فتح الباب، إنَّه يحمل كل الصفات الحقيرة المتدنية، ولكنّه لن يرتكب جريمة هتك حرمة مسكنك، إلاَّ إذا فتحت وأذنت له بالدخول بكامل حريتك!
إذن فالاستسلام للشيطان هو في الحقيقة استسلام الإنسان لشهواته، ومن ثَمَّ لا عذر له لكى يبرر سقوطه! فالإنسان هو سيد أعماله، والمتحكم في كل أقواله وقراراته..
ويقول " مايك وارنك " الذي عمل كرئيس كهنة في عبادة الشيطان: إنّه لم يكن يدرك الدوافع الحقيقية لممارسة السحر وأعمال التنجيم وعبادة الشيطان.. كما لو كان مخدراً لا يعرف لماذا ينجذب إليها!
وعندما تخلّص منها أدرك الأسباب: إنَّها ليس مجرد شهوة للتمتع بقوة الشيطان واستخدام المخدرات بغير حدود، وممارسة الجنس بلا ضوابط، بل محاولة لإشباع الجانب الروحيّ! لقد كان مايك يؤمن أنَّ الإنسان يُشبه مثلثاً، يجب إشباع أركانه الثلاثة ألا وهى: الجسدية والعقلية والروحية، فمن يُشبع احتياجاته الجسدية والعقلية فقط لا يبلغ إلى الكمال.
ولكننا نتساءل: هل الشيطان كروح شرير يمكن أن يُشبع الإنسان؟! نعترف بأنَّ إشباع الجسد والعقل بطريقة خاطئة، يؤدي إلى إشباع الروح بنفس الطريقة الخاطئة، وكل الذين بحثوا عن الشبع الروحيّ في السحر أو المخدرات أو الجنس أو القتل.. لم يجنوا سوى المرض والسجن والتشرد.. ومنهم من انتهت حياتهم بالقتل أو الانتحار..
المعتقدات والطقوس
لهذه الجماعة طقوس شاذة وممارسات غريبة، يؤدّونها في عباداتهم وهي قسمين: طقوس الدخول إلى الجماعة, وطقوس المُمارسة أو ما يُطلق عليها القداس الأسود.
ويُعد أسوأ ما في طقوس عَبَدة الشيطان، ليس فقط احتقارهم للدين، والقيم الروحية، والمبادئ الأخلاقية السامية, وممارستهم الفواحش بكافة أنواعها.. بل قتل الأطفال الأبرياء، بهدف استخدام دمائهم البريئة وأعضاء أجسامهم في طقوسهم الشيطانية, ونبش القبور للحصول على العظام والجماجم البشرية.
ويُمارس عَبَدة الشيطان السرقة خصوصاً سرقة الدماء، ويؤكد هذا الفعل الشنيع ما قد حدث في عام (1996م)، حيث اعتقلت السلطات الأمريكية مجموعة من أعضاء الطائفة، بعد أن تورّطوا في سرقة كميات من دماء البشر من مستشفيات نيويورك، وذلك لشربها خلال احتفالاتهم التي لا تصدر إلاَّ من أُناس أصابهم الجنون!!
والمعروف عنهم أنَّهم يُضحّون بأبنائهم عن طريق الذبح، ويأكلون لحمهم ويشربون دماءهم.
أمَّا شكلهم الخارجي فهو مقزز ومخيف، فالملابس سوداء وقصاصات الشعر تأخذ نمط غريب، وعيونهم تُحاط بألوان سوداء تجعلها مخيفة..!!
وباختصار: لا شيء اسمه خطية أو شر.. فكل ما يُحقق شهوات النفس ورغباتها هو مطلوب عند عَبَدة الشيطان، حتى يحصل لهم الترقي في درجاتهم المزعومة داخل الجماعة, ولا أثر للموت بأي طريقة كانت - كما يزعمون - حتى ولو كانت حرقاً أو انتحاراً.. لأنَّ الموت في نظرهم ما هو إلاَّ وسيلة للانتقال من درجة إلى أُخرى أفضل، ومن ثمَّ التقرّب من الشيطان وإسعاده، فهو كما يدّعون ملك مطرود من الجنة ظلماً!!
وتُعد الموسيقى عند عَبَدة الشيطان شيئاً أساسياً في طقوسهم، وهي وسيلة لتعطيل الحواس البشرية، ونوع من أنواع التخدير العقليّ، وتتسم بالصخب الذي يصم الآذان, ويوّتر الأعصاب, ويميل بالإنسان إلى الجنون والتخبّط والخوف والقلق.. وقد أطلقوا على هذه الموسيقى ألقاباً وأسماء لا تخلو من النفور والتقزز والخوف والرعب, مثل: السبت الأسود، والأسود القاسيّ العنيف.. وغير ذلك من ألقاب.
وقد أكد المُحلّلون الذين راقبوا الموسيقى المستخدمة لديّ عَبَدة الشيطان، أنَّ هناك أنماطاً كثيرة للموسيقى وهي " البلاك ميتل " و " هدافي ميتل " و " ديث ميتل "، وكل نمط له مميزات ورقصات خاصة، يهزون فيها رؤوسهم بطريقة هيسترية، أمَّا الأغاني فهي تسب الإله وتمجد الشيطان ومعتقداتهم وطقوسهم..!!