منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 10 - 05 - 2014, 02:12 PM
الصورة الرمزية Ramez5
 
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Ramez5 غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783


مقدمة

إلهي لماذا خلقتني
سؤال كثير ما يتردد على ألسنة البشر، عندما يجدون أنفسهم بإزاء ألغاز كونية تفوق قدراتهم العقلية، ويعجزون بفكرهم المحدود عن حلها وايجاد تفسير عقلي لها! أو عندما تصيبهم الأمراض وتحل بهم الضيقات أو تعصف بهم التجارب.. ولا يقون على احتمالها..!
ولو عرفنا طبيعة الله لعرفنا سبب خلقتنا، فالله واحد في ثالوث وثالوث في واحد، الآب والابن والروح القدس، وهذا الثالوث يرتبط معاً بأعظم رباط ألا وهو: المحبة، التي تسرى بين الأقانيم بفيض لا ينقطع.
دائرة المحبة الإلهية هذه لم تبقَ مُغلقة على ذاتها، بل أراد الله أن يفتحها، لكي تدخل كائنات أُخرى تحيا معه حياة هادئة جميلة، ولذلك خلق الملائكة والبشر، وأصبح في قلب الله، في قلب محبته يوجد كل واحد منّا!
لكنَّ الإنسان لم يُحافظ على صورته المقدسة التي خُلق عليها، لكي يستقر في قلب الله إلى الأبد! فعصى وقد كان وحدثت المأساة! فخرج من دائرة الحُب ليحيا على أرض الشقاء، فالنور والظلمة لا يلتقيان، وقلب الله المقدس لا تسكنه كائنات غير طاهرة، فماذا فعل الله ليعالج مشكلة سقوط الإنسان؟ ترك عرش مجده ونزل إلى أرض الشقاء، ليخوض بحر الآلام المضطرب بأمواج الشر... حبّاً فينا ورغبة في خلاصنا...
ومع أنَّه الإله لم يطلب منَّا أن نأتي إليه أو نقترب منه، لكن محبته جعلته يتنازل ويقترب منّا ويحيا بيننا ويحتمل آلامنا..! فإن كان الله قد أحبّك منذ الأزل فواضح أنَّ محبته تدوم إلى الأبد، ولهذا قال الله: " َمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ " (إر3:31).
كما أنَّ محبة الله لا تخضع لتغيرات الزمن، لأنَّ الله لم ينقش أسماء أولاده على جدران العالم الزائل، بل نقشها على كفه الأزليّ الأبديّ، ولا يمكن لأحد أو إبليس أن يمحو نقشه " هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ " (إش16:49).

الراهب كاراس المحرقي

رد مع اقتباس
قديم 10 - 05 - 2014, 02:13 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب إلهي لماذا خلقتني


الفصل الأول
مـن أنـا ؟ ولمـاذا خُـلـقت ؟
نعلم جميعاً أنَّ الإنسان قد خُلِق من العدم، لا لكي يموت بل ليحيا إلى الأبد، ويذكر لنا سفر التكوين أنَّ الله خلق الإنسان على صورته ومثاله (تك26:1)، فصار يحمل طابعاً متميزاً.. فالله جَبَله من التراب جسداً مُركّباً، مُعقّداً، مُحيّراً، ونفخ فيه روحاً عاقلة اتّحدت بجسده بطريقة فريدة، فصار يجمع في ذاته ميزات العالم الروحيّ والماديّ كلاهما معاً.
وهكذا جاء الإنسان في نهاية الخلق فريداً في تكوينه، مُركّباً في طبيعته، عاقلاً بفكره، حراً بإرادته، بشريّاً في ولادته.. فأصبح مركز الكون، وتاج الخليقة، عريس الوجود بل أجمل ما في الوجود، وهو الذي أعطى الخليقة معنى وهدفاً، فكل شيء كان لأجله ولخدمته.. وقد كان الفردوس مِِرآة كبيرة تعكس له جمال الله، وآية تشهد لعظمته، وفي هذا المكان المُقدّس سكن آدم، وأكل من ثماره، وشرب من مائه، وتنعّم بكل خيراته..
الإنسان كاهن وملك
ولأنَّ الإنسان يحمل في تكوينه روح عاقلة، فهو لذلك يستطيع أن يُبارك الله ويُسبّحه نيابة عن العالم ككاهن يُقدّم لخالقه ذبائح روحية " كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ " (1بط5:2).
فالتواضع ذبيحة يستطيع الإنسان أن يُقدّمها لله والناس " ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ، الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ " (مز٥١:١٧).
كما أنَّ الشكر ذبيحة يقدّمها الإنسان لله على حُبّه وعنايته بالكون " فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ " (عب١٣:١٥)، وذبيحة الحمد والشكر هي أيضاً ذبائح الملائكة.
والأعمال الصالحة هى أيضاً ذبائح " وَلَكِنْ لاَ تَنْسُوا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ " (عب١٣:٦)، وكما يقول مُعلّمنا داود النبيّ: " اِذْبَحُوا ذَبَائِحَ الْبِرِّ وَتَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ " (مز٤:٥).
وهناك ذبائح التألم من أجل الرب " مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ، قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ " (رو36:8).
ومن قصة الخلق يتضح أنَّ الإنسان خُلق سيداً وملكاً على الخليقة، فهو لذلك يستطيع أن يُعيد تشكيل وتجديد أشياء كثيرة في العالم من خلال اختراعاته.. ففكرة التقدم تُسيطر عليه، وتراوده رغبة التحكّم في الكون، ومحاولة تغييره باستمرار.
والواقع أنَّ الإنسان لا يقدر أن يقف من الكون موقف المتأمّل كأنَّ لا علاقة بينهما، لأنَّ الكون منذ البداية يبدو له بمثابة مجموعة من الألغاز التي تتطلّب الحل، ولهذا اتّخذت العلاقة بين الإنسان والكون منذ اللحظة الأولى، طابع الحوار أو الجدل أو سؤال يبحث عن جواب!
ونحن لا نُنكر أنَّ الإنسان يعرف أنَّه جزء محدود من الطبيعة بوصفه جسماً، ولكننا نراه يحاول أن يستوعب العالم كله بوصفه روحاً أو عقلاً! بحيث يكون في وسعنا أن نقول: إنَّ كل دراما الإنسان تنشأ عن تلك العلاقة المزدوجة، بين هذا الجسم الذي يحتويه العالم، وذلك العقل الذي يحوى العالم نفسه!
الإنسان عالم مُصغّر
كثيراً ما يُقال: إنَّ الإنسان عَالمْ مُصغّرMicrocosm لأنَّ فيه تتّحد الخلائق المنظورة وغير المنظورة، المادية وغير المادية كما يقول القديس يوحنَّا الدمشقيّ، أمَّا القديس نيلوس السينائيّ فيقول: " أنت عالم ضمن عالم، اُنظر إلى داخل نفسك وشاهد هناك سجل الخليقة " !
فالإنسان مخلوق عاقل ذو روح وجسد، متّحدين في وحدة فريدة! فعبر جسده يتحرك ويأكل ويشرب ويُشارك عضوياً العالم الماديّ المنظور، ولا ننسى أنَّ الجسد مخلوق من تراب الأرض، فلا عجب إن كان يحمل عناصر الأرض فيه والتي تتكون من (92) عنصراً، فالحديد والفسفور والكالسيوم... عناصر يشتمل عليها جسم الإنسان، ويحصل عليها من خلال طعامه.
ومن خلال روحه يتأمّل في العالم غير المنظور، ويُسبّح ويُمجّد الله مع الملائكة الأطهار، فالعالم الروحيّ خُلق لتسبيح الله وخدمته، وأيضاً لخدمة الإنسان وراحته، ليصير رفيق الملائكة، وهل نُنكر أنَّ الملائكة تفرح بانتصار الإنسان وتحزن لسقوطه؟! ألم يقل رب المجد يسوع: " هَكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارّاً لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ " (لو7:15).
وعلى قدر ما يسمو الإنسان بروحه فإنَّه يستطيع أن يُروحن جسده، فيجعله خاضعاً لكل ما هو طاهر، أمَّا إذا تملّك الجسد واستسلم لشهواته، فسوف يجذب الروح إلى العالم السفليّ، فيصير أُلعوبة في يد الناس والشيطان.
النفس والروح
ما هى الروح؟ وما هو تعريفنا للنفس؟ كثيراً ما نستخدمهما كمترادفين، على الرغم من أنَّ الإنسان يتكون من: نفس وروح وجسد.
أمَّا الروح فهى تختص بعلاقة الإنسان الروحية بالله، وتُعد النفس مركز الغرائز في الإنسان، فأنا أُحِب بنفسي وأكره أيضاً بنفسي..
والنفس والروح كلاهما جوهر حيّ، غير منظور، عاقل، لا شكل له، مصدر حياة الإنسان ونموه وإحساسه.
ونحن عندما نقول: إنَّ النفس أو الروح جوهر غير ماديّ، فإننا لا نعني بصورة مُطلقة، ولكن بالمقارنة مع المادة التي هى ظاهرة وملموسة، أو ليس لها ثلاثة أبعاد: طول وعرض وعمق مثل الأشياء المادية كالجسد - على حد تعبير القديس يوحنا الدمشقيّ - الذي يؤكد أيضاً أنَّ النفس لا تُخلق قبل الجسد بل هما يُخلقان ويوجدان معاً، والنفس هى التي تُحيي الجسد لأنَّها تنقل له الحياة، لأنَّ الجسد لا يملك الحياة في ذاته.
ولو تعمّقنا في دراسة النفس البشرية، لوجدنا أنَّها تتكون من ثلاثة مراكز ألا وهى:
- العقل: وهو المسئول عن التفكير والاستنتاج..
- الإرادة: وبواسطتها يتم اتّخاذ القرارات..
- العاطفة: وتشمل المشاعر والانفعالات..
ويتساءل القديس يوحنّا الذهبيّ الفم: ما هو جوهر النفس؟ كيف هى موجودة في جسمنا؟ هل هى منتشرة في كل عضو من أعضائنا؟
الإجابة: هذا مجهول ومبهم! فإذا قطعت عضو من الجسم بقيت النفس كما هى! فهل هى موجوده في جزء من أجزائه؟ بالطبع لا، لأنَّ هذا يعني موت الأقسام الأُخرى، إذ أنَّ كل ما ليست له نسمة حياة هو ميت، نستطيع أن نقول: إنَّ النفس موجودة في جسمنا، ولكن لا نعرف كيف هى موجودة فيه!!
هذا وقد أثبت لنا العلم الحديث أنَّ القلب ليس هو مركز النفس، فبعد ظهور جراحة القلب المفتوح، وإمكانية عزل القلب وظيفياً عن بقية أجزاء الجسد، اتّضح لنا أنَّ المريض يبقى حيّاً، وبعد نجاح عمليات نقل القلب، تَبيّن أنَّ تبديل القلب لا يؤثر على علاقة النفس بالجسد، كما أنَّه لا ينقل للمريض نفساً ثانية..

الصورة والمثال
عندما خلق الله الإنسان قال: " نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا " (تك26:1)، فهل يوجد فرق بين الصورة ( tselem عبريّ = eikon يونانيّ )، والمثال ( demuwth عبريّ = omoiosisيونانيّ ) ؟ يرى البابا أثناسيوس الرسوليّ والقديس كيرلس الكبير أنَّهما مترادفتان.
وإذا بحثنا في كتب الآباء من أجل الوصول إلى تعريف واضح للصورة الإلهية في الإنسان، لوجدنا أنفسنا أمام تعاريف عديدة غير متناقضة، فأحياناً نرى صورة الله هى الجلال الرئيسيّ في سلطان الإنسان على العالم، أو هى في الفكر، والعقل، وطبيعته الروحية، وبساطتها، وخلودها، والحرية الممنوحة له..
العقل والقلب
سُمِّيَ العقل عقلاً لأنَّه يَعقِلُ صاحبَهُ من التورّط في المفاسد والمهالك، وقد قيل: العقل هو التمييز الذي يُميّز الإنسان من سائر الحيوانات، ويُقال: لفلان قلب عقول أي فَهِم، وعَقَلَ الشيءَ تعني: فَهِمَه.
ويُعد العقل هو أساس وعي الإنسان وحريته، وغالباً ما يُستعمل مصطلح " العقل Mind " لوصف الوظائف العليا للمخ البشريّ، خاصة تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعيا مثل: التفكير، الجدل، الذكاء..
أمَّا القلب " Heart " في الإنجليزية، أو " لُب " في اللغتين العربية والعبرية فيعني: داخل الإنسان.
وعلى الرغم من أنَّ المخ هو المسئول عن النواحي الانفعالية والأخلاقية والدينية في الإنسان، إلاَّ أنَّها تُنسب إلى القلب أيضاً، وذلك لأنَّ المخ عندما ينفعل يُرسل إشارات إلى القلب فتزداد ضرباته، فالقلب ليس سوى أداة يستخدمها المخ.
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 05 - 2014, 02:15 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب إلهي لماذا خلقتني

الفصل الثاني
الخطية وسقوط الإنسان
خلق الله الإنسان ووضعه في أجمل مكان قد أُعد خصيصاً له، وكل موضع فيه يشهد بحُب الله ورعايته، ولو تأمّلنا في قصة الخلق، لوجدنا أنَّها كُتبت بأعظـم لغة ألا وهى: الحُب، فالله محبة وكل ما يخرج منه أو يصدر عنه هو حُب ويدعو إلى حياة الحُب، وقد خلق الإنسان لكي يصير شريكه في المحبّة الإلهية، والمحبّة لا تنمو إلاَّ في جو من الحرية، فلا إكراه في المحبّة وإلاَّ صارت عبودية!
وعاش آدم وحواء في الفردوس مدة لا نعلمـها، كانا خلالها في بداية طريق الكمال، فالله قد خلق الإنسان من (الألف)، وذلك لكي يصل بملء حريته وكامل إرادته إلى (الياء) على حد تعبير " باسكال " الفيلسوف الفرنسيّ.
ولكن تحقيق الكمال لا يتحقق إلاَّ بالنمو في الروحيات فالله روح " وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا " (يو26:4)، فكان يجب على آدم أن يقترب من خالقه، وينمو في محبته، ويزيد من قامته الروحية حتى يبلغ الاتحاد بالله، لا لكي يصير إلهاً بل ليصل إلى الكمال البشريّ الذي يريده الله " َكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِل " (مت48:5).
إغراء الشيطان
ولكن الشيطان بعد أن سقط لم يحتمل مجد الإنسان، ولذلك تدخّل في حياته، كما يتدخّل في حياتنا على الدوام، لقد أوحى إلى حواء بأن تأكل من ثمر الشجرة المُحرَّمة، التي نهاه عن أن يأكل منها، فالله يريد الحياة للإنسان، ووصية ألاّ يأكل من شجرة معرفة الخير والشر هي لكي لا يموت فيفقد الحياة، لذلك يدعوه أن يُحبّه ويتبع صوته " إِذْ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْمَعُ لِصَوْتِهِ وَتَلتَصِقُ بِهِ لأَنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ وَالذِي يُطِيلُ أَيَّامَكَ " (تث20:30).
ويزيد الشيطان من شدة الإغراء، عندما أوهم حواء بأنَّ الأكل من الشجرة يجعلها هى وزوجها مثل الله " يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ " (تك5:3)، وتُخدع حواء! وبكامل حريتها تدخل تلك الدائرة السحرية، وتستجيب لإغراء الشيطان، فأكلت من الشجرة وأعطت زوجها، وقد كان وحدثت المأساة!
لقد أراد أبوانا أن يتألّها بمعزل عن خالقهما! ولو ثبتا على حُبّهما لله وعملا بوصاياه لَمَا أثمرت تجربة الشيطان، لكنَّهما سقطا في التجربة عندما ضحَّيا بالمحبة الإلهية بدافع من مطامعهما الشخصية!!
وهكذا سقطا في الكبرياء مثلما سقط الشيطان من قبلهما عندما قال في قلبه: " أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ" (إش13:14،14) فآدم وحواء لم يعصيا لمجرد تحصيل لذة محسوسة، لأنَّهما كانا مُبرَّأين من الشهوة والدليل:
إنَّهما كانا عريانين وهما لا يخجلان (تك5:2)، كما أنَّهما قد خُلقا على صورة الله ومثاله (تك26:1) وصورة الله تعني: الطهارة، البراءة... لكنهما أرادا قبل كل شيء أن يكونا " كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ " (تك5:3).
لماذا لم يمنع الله سقوط آدم؟
لا نُنكر أنَّ الله كان يمكن أن يوقف هذه المهزلة بصورة أو بأُخرى، ولكنَّ الله محبّة وقد خلق الإنسان ليحيا في دائرة المحبّة، والمحبّة والحرية لا تنفصلان، فحيثما توجد محبّة توجد أيضاً حريّة، أمَّا الإكراه فيلغي المحبّة! ولهذا فإنَّ السيد لا يعرف حُب وإخلاص عبده إلاَّ إذا أعطاه حريته! لقد ترك الله حرية الاختيار للإنسان، لأنَّه بمعزل عن هذه الحرية يفقد الإنسان كرامته ومسئوليته.. ولا تُصبح للروحيّات والفضيلة والمحبّة قيمة، لأنَّه بهذا الأُسلوب يكون مسيّراً وليس مخيّراً!
وإن كان الله يستطيع أن يعمل كل شيء إلاَّ أنَّ شيئاً واحداً يرفضه، ولا يقبل أن يعمله ألا وهو: إجبارنا على محبته، ولهذا لم يتدخل الله ليمنع الإنسان من السقوط، رغم عِِلمه السابق بسقوطه! لقد دبّر وسيلة لخلاصه، وارتضى أن يتجسّد ابنه الحبيب ويموت ليُخلّص الإنسان! ولكنه رفض أن يمنعه من السقوط! لأنَّ المنع مناقض لمفهوم الحرية، وطعن في احترام الله للإنسان، ولهذا عندما عصت الملائكة تركها هى الأُخرى تسقط.
وحتى الآن رغم أنَّ الله يُعلن عن حقيقة وجوده بأساليب كثيرة وطرق شتى، ورغم أنَّه يريد أن يختاره الإنسان إلهاً ويحيا معه بكل مشاعره، إلاّ أنَّه سمح له بأن يرفضه ويُنكر وجوده!! وها نحن نتساءل: ماذا فعل الله مع الملحدين وعَبَدة الأصنام والشيطان؟!
نستطيع أن نقول: إنَّ معرفة الله بخطية آدم وخطايانا لا تلعب دوراً في الحد من حرية الإنسان، إن سمح الله بالتجربة فيجعل معها المخرج " اللهَ أَمِينٌ الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضاً الْمَنْفَذَ لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا " (1كو13:10)، وهو يترك الأمر في النهاية لحرية الإنسان.
والحق إنَّ كل من يريد أن يسلب الإنسان حريته، يريد أيضاً وقف تقدّمه ونموه وإبداعه... ونحن لا نُنكر أنَّ الحريّة هى التي تجعل الطالب المتمرّد يرسم الخطوط الملتوية على الورق، ولكنَّها في نفس الوقت تُساعد الطالب المجتهد، أن يكتب خطوطاً مستقيمة على الخطوط الملتوية، وهو بهذا يُعالج الخطأ بالصواب.
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 05 - 2014, 02:15 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب إلهي لماذا خلقتني

الفصل الثالث
بعـيــداً عــن الـلـــه !
وهكذا ابتعد الإنسان بسقوطه عن الله، ودخل في دائرة العيب، لقد انهار البار روحيّاً وجسديّاً وأخلاقيّاً... وأصبح خاضعاً للحزن والألم والمرض... صار فرح المرأة بالولادة ممزوجاً بألم المخاض! في لحظة يترنح بين الخير والشر، النور والظلمة، الحق والباطل.. وأصبحت طبيعته تتنازعها الأهواء وتتقاذفها الشهوات.. وكما يقول القديس باسيليوس الكبير:
" إنَّ السعادة في هذا العالم دائماً ممزوجة بالألم، الزواج مع الترمل، الولادة مع الموت، الشرف مع العار، الصحة مع المرض... "
وإن كنَّا في حاجة إلى الإرادة، إلاَّ أنَّ الإرادة التي كانت سلاحاً قلّدنا الله إياه، لكي نشق الطريق نحوه بكل محبة وحرية، صارت سلاحاً نطعن به أنفسنا، نغمده في صدورنا، وندمي به قلوبنا وقلوب غيرنا، فالإرادة مَرَضتْ وأصبحنا نرى لها أشكالاً كثيرة منها: الضعيفة، الذليلة، الفاترة..
كما صار الإنسان بعد السقوط خاضعاً للاختلال الداخليّ، منقسماً على ذاته بل عدواً لذاته!! الخليقـة انفصمت وانقسم كل شيء في داخلها، والإنسان نفسه صار يحمل الثنائية في أعماقه، وبعدم رجوعه إلى الله أصبح أنانيّاً، وإن كان قادراً على الاختيار الحر، إلاَّ أنَّه عملياً: " لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ " (رو15:7).
ألم يفقد الإنسان شفافيّته وعلاقة المحبّة والأُلفة والصداقة بالله والناس..؟! وقد حلّ الغموض والخوف وحُب الذات والانطواء على النفس، الذي يدفع بالإنسان إلى البحث عن صورته في صورة الآخر، بدلاً من أن يعكس له وجه الآخر صورة الله! وهكذا عاش الإنسان في غربة نفسية مريرة، وأخيراً وصلت الغربة بالإنسان إلي حد قتل أخاه كما فعل قايين بأخيه هابيل!!
قبل الخطية لم يكن العُري مدعاة للخجل، لأنَّ البراءة كانت كساءً والحُب رداءً، أمّا بعد السقوط فأصبح العُري مشكلة إذ يُربك العلاقات الإنسانية، ويدفع البشر إلى بناء حواجز دفاعيّة وانتحال أقنعة لستر ضعفاتهم، ولم يقتصر العُري على البعد الجنسيّ، بل امتد ليشمل كل الإنسان، وكنتيجة للشعور بالذنب والنقص والأنانية.. صار الإنسان يحيا في قلق، والغريب أنَّه لم يعد يخشى الآخرين فقط، بل صار يخشى ذاته ويرفضها ويكرهها..! وهذا إن دلّ فإنَّما يدل على التشوّه الذي قد أصاب البشر!
وهكذا تشوّهت الميول والطبائع، وتعددت الرغبات والاتّجاهات، وانتشر الكذب والتبرير كما حدث مع آدم عندما اتّهم امرأته حواء، وقد مس اتهامه الله ذاته عندما قال: " الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ "، وحواء اتّهمت الحيّة " الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ " (تك12:3،13)، فحين لا يعترف الإنسان بخطيته سوف يُلقي تبعتها بالضرورة على الآخر، والباحث باستمرار عن القذى في عين أخيه، هو المتعامي عن الخشبة التي في عينيه (مت3:7-5 ).
وتمتد عواقب الخطية لتشمل وظائف الرجل والمرأة، فالمرأة تتألم في حبلها وولادتها " تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً "، وعلاقتها بالرجل أصبحت علاقة انقياد وسيطرة " وَإِلَى رَجُلِكِ اشتياقك يَكُونُ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ " (تك16:3).
ومن علماء النفس من يرون أنَّ سبب ضياع مرضاهم، هو رفضهم ما قدمته المسيحية من تعاليم سامية، ويؤكدون أنَّه لا يستطيع أحد منهم أن يشفى، إلاَّ إذا استعاد روحيّاته التي فقدها بسبب بعده عن الله!
فإن أردتَ الشفاء، الراحة، السلام، الفرح... إن أردتَ السعادة فعليك أن تبحث عن مصدرها، لا بالعقل فقط بل بالروح والحق، أقول هذا لأنَّ كثيرين يعترفون بوجود الله، ولكنَّ الأكثرية يتَّخذون من الله موقف اللامبالاة! ويرفضون الشعائر الدينية! حتى أصبح الدين عند كثير من الشباب الغربيّ، يأتي في المرتبة الأخيرة بعد الديمقراطية، والمساواة، وحقوق الإنسان، والسلام، والمحافظة على البيئة، والرفق بالحيوان، والحرية الشخصية..
هذا وقد أثبتت تقارير للأمم المتحدة، أنَّ نسبة الذين لا ينتمون إلى الدين في الغرب في تزايد مستمر، ومن الملاحظ أنَّ هذه الظاهرة يُعادلها ازدياد في الجرائم بشتّى أنواعها.. ولكن هذا ليس بغريب فحيث لا مرجعية للسلوك البشريّ، هناك التدهور في كل المجالات، وهذا ما نشهده اليوم بكل وضوح، فحالات الطلاق في تزايد، ومعدلات الإجهاض ارتفعت، والعلاقات الجنسية قبل الزواج انتشرت، وأصبح للشذوذ الجنسيّ دُعاته، وانهار الزواج، وتفككت الأُسر، وتشتت الأولاد، وتنامى العنف وتعاطي المخدرات، ونشأ الإرهاب، وعمّت الفوضى، واتَّخذ الناس الذهب إلهاً والبورصة معبداً... والعجيب أنَّ الإنسان وسط هذه النيران المشتعلة يبحث عن السعادة! فهل يمكن أن نُقيم نظرية متكاملة عن السعادة خاليّة من النبض الإلهيّ؟!
أمثال هؤلاء أشبه بأُناس يطيرون في الهواء، وهم يحملون مظلة ولكنّهم لا يفتحونها! تُرى ماذا ستكون نهايتهم؟! أعتقد أنَّ الإنسان في هذه الأيام يفتقر إلى الاستقرار، ويشتاق إلى الفرح.. وإن كان يدّعى السعادة فهو يتوهّم! ويُعلن أنَّه لا يشعر ولا يُفكر ولا يُحب.. ورغم أنَّ الحكمة تقتضي أن ننظر إلى السابقين ونستفيد من أخطائهم، إلاَّ أنَّ عجلة التقدم لازالت تُسرع الخُطى، وأصبح الإنسان مثل تُرس صغير في آلة الحياة الكُبرى، فقد أصبح سلوكه آليّاً! والنتيجة تردده بكثرة على المستشفيات النفسيّة.
دعنا بهدوء نتساءل: ما قيمة حياة خالية من الله؟! هل يكفي النجاح أو الثروة أو الشهرة.. أعتقد أنَّ الحياة بدون الله فارغة وتعيسة وخالية من كل معنى، فنحن خرجنا من الله وستظل أرواحنا هائمة إلى أن تلتقي بالله كما قال القديس أُغسطينوس، فإن لم يتطلّع الإنسان إلى الله، فإنَّه لن يصبح في حالة ركود وحسبْ، بل تتحوّل طاقاته المكبوتة إلى أمراض وأنشطة هدّامة.. وما هذا إلاَّ إعلان واضح أنَّ كل من يبتعد عن الله، هو أشبه بإنسان يسبح ضد التيار أو يسير في النفق المظلم!
إذن ضع الشمس على عرشها تنتظم حركة الكواكب، ضع الله على عرش قلبك تنتظم كل حياتك، ويكون لك شمس وقمر ونجوم..
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 05 - 2014, 02:16 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب إلهي لماذا خلقتني


الفصل الرابع
السقوط ومشكلة الألـم
لماذا يولد بعض الأطفال مشوَّهين..؟! وكيف نفسر آلام من يعاني نتائج شرور لم يقترفها؟! مثل أم فقدت ابنها في حادث سيارة يقودها مدمن! أو مريض يعاني كل أيام حياته! أو مؤمن يُهان ويُضرب ويُجرح..! وهناك أسر تحوّلت بيوتها إلى مستشفى كبير للأمراض النفسية والعصبية!! ألسنا نقول: إنَّ الله محبة ورحيم وعادل.. فلماذا لا يتدخل ليمنع المآسي، ويُجفف دموع البشر، ويعاقب الأشرار على شرورهم؟!
على هذه الأسئلة وغيرها يكاد أن يكون الجواب مستحيلاً، إذا فكّرنا أنَّ العالم بصورته الحالية هو من صنع الله وحده ولا علاقة للإنسان به، وأنَّ كل ما يحدث فيه هو من مشيئة الله وبحسب إرادته!
أمَّا القول بأنَّ الله قادر على إزالة الشر ولكنَّه لا يريد فهذا ضد رحمته! وأمَّا أنَّه يريد إزالته ولكنَّه غير قادر فهذا يعني محدوديته! وهكذا تتعقّد المشكلة.
العقل ومشكلة الألم
إنَّ أيّ إنسان لا يستطيع أن يُنكر كل ما في العالم من خير، فالنظام في الطبيعة، والفضيلة في الإنسان، والأُمومة في المرأة، والتضحية في سبيل الوطن، والسعى إلى العدل والخير.. كل هذا يبعث ثقتنا في الله ويُقوّى إيماننا به، لأنَّ القيم الإيجابية لا تأتي من قوى عمياء، بل هى تقتضي ذكاءً عادلاً وخيّراً...
ولكننا لا نرى في هذا العالم انتصار العدل على الظلم بصورة مُطلقة، فكثيراً ما يسود الشر ويتقهقر الخير، فنرى مقاومة الخُطاة للفضيلة، والأشرار يَقتلون بغير عقاب، والأبرياء يُضطهدون بلا سبب..!! وهذا لا يجعلني أنسب ما يحدث إلى الله، لأنَّ العقل يُقرر أنَّ أصل الخير لا يمكن أن يكون هو أصل الشر.
وهل نُنكر أنَّ الشمس ليست هى سبب الظلمة؟! فالشمس مصدر النور، ولكن إذا غاب النور خيَّمت الظلمة على الأرض، ولا ينشأ المرض من قوى حيّة سليمة، ولا يعود سبب جهل التلميذ إلى الأستاذ القدير، كما لا يعود أصل البرد إلى النار.. ففي هذه الأمثلة يتدخّل عنصر خارجيّ: الشخص الذي يبتعد عن النور، العامل المرضيّ، التلميذ الذي لا يُصغي إلى المعلم، الشخص الذي لا يوقد النار أو لا يدنو منها.
نستطيع أن نُشبّه الألم بقطعة نقود مكسورة، ولا يوجد سوى نصفها فقط، فيرى البعض في ذلك دليلاً على أنَّ نصفها الثاني موجود، ويرى البعض الآخر في هذا دليلاً على أنَّ مؤسسة صك النقود لا وجود لها!!
والحق إنَّ كل من يتّهم الله بما يحدث في العالم من تشوهات.. يتناسى أنَّ البشر هم الذين خرّبوا العالم الذي خلقه الله حسناً من أجلهم! ولو أنَّ الناس مجرد أشخاص آليين تُحرّكهم مجموعة من الغرائز، لكان كل ما يحدث في العالم يُنسب إلى الله، ولكنَّ الإنسان خُلق على صورة الله، فهو إُذاً كائن حر ويملك إرادة حرّة، يستطيع أن يُغيّر بها نفسه والعالم من حوله.
إذاً، كل المصائب التي تحدث في الكون أو التي تُصيب البشر، تعود إلى الإنسان وليس الله، وها نحن نتساءل: من أين تأتي أمراض القلب والسكر..؟ من أين تأتي جرائم القتل وخطايا الشهوة والزنى..؟ لماذا لا نُسلّم بأنَّ الأخطاء البشرية، هى التي قلبت النظام الذي وضعه الله، ألم يقل سليمان الحكيم: " اللَّهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيماً أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً !" (جا29:7).
إنَّ الكمبيوتر الذي لا يعمل لا يكون دليلاً على عدم كفاءة الشركة المنتجة، فقد يكون أُسيء استعماله! ولهذا تُعطي الشركة كُتيب ضروريّ عن التعليمات الهامة والضرورية لحفظ الجهاز وكيفية استعماله.. وقد أعطانا الله وصايا مقدسة، لو عملنا بها ما فسدت صورتنا أو تشوّهت حياتنا.
هناك خطر يُربك العقول عندما نتحدّث عن مشكلة الشر بمعزل عن الإرادة، فالإنسان الحر يستطيع أن يقبل ويرفض ويناقش الله، والله الذي وهَبَه الحرية عليه أن يتقبّل منه الرفض والعصيان.
ولا يعني هذا أنَّ الله يرغب الشر! حاشا! إنَّما الله يحترم حرية الإنسان، حتى إن كان خاطئاً لا يعمل بوصاياه، أو مُلحداً يُنكر حقيقة وجوده، بمعنى أنَّه وهو يعترف بالحرية التي وهبها للإنسان، عليه أن يتركه يفعل ما يشاء، ويتحمّل وحده نتائج أعماله، لأنَّ " الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً " (غل7:6).
والعجيب في الإنسان أنَّه كثيراً ما يتحدّث عن حريته، وذلك قبل السير في أي طريق فيقول: " أنا حر "، ولكنَّه عندما يسقط وتتعثر خُطواته، يلقي بالمسئولية على الله! لماذا?! لأنَّه سمح بأن يسقط في المستنقع المُلوّث!!
عناية الله
ويتساءل البعض عن عناية الله للإنسان إزاء الألم فنجيب: بأنَّ ما في أعماقك من قدرات وسائل وهبها لك الله، تستطيع بها أن تُقاوم أشياء كثيرة مما تحدث في الكون، فالإنسان بقدراته حل مشاكل كثيرة مثل: الأوبئة، المجاعات، الكوارث.. لأنَّه مُميّز عن الحيوان في تلك النزعة التي تدفعه إلى البحث عن الأفضل، إلى الكمال، وهذه النزعة هى سر تطوّره.
كما أنَّ الله قد أعطى الإنسان الفكر، لكي يغير أُسلوبه ومنهجه في الحياة، ويُفكّر بموضوعية في كل ما يُصادفه من مواقف، وهل نُنكر أنَّ الله يُرسل لك يومياً رسائل شخصية، وأنت الذي تغيّر موجة الجهاز لكي لا تسمع؟! أليست الوصايا الإلهيّة رسائل من الله إن أطعتها عشت في راحة وسلام.. وإن خالفتها عشت في ألم وشقاء..؟ وماذا نقول عن دور الروح عندما نسمو بها؟ أعتقد أنَّ كثيرين ما أن تابوا وعبدوا الله بالروح والحق، فسرعان ما تغيّر سلوكهم وسادت الأُلفة بينهم وبين غيرهم.
إلاَّ أنَّ هناك تدخّلات كثيرة من قِِبل الله عن طريق الطبيعة نفسها، وهى ما نطلق عليها " معجزة "، وذلك لكي يُعلن مجده، ويعرف الإنسان حدوده، فيتقوى روحيّاً ويثبت في الإيمان والرجاء والمحبّة..
والحق إننا غالباً ما نرفض الألم ونُقابله بكلمة " لا "، وننسى أنَّ الألم وسيلة للنمو والارتقاء.. فالألم يحث الإنسان على الجهاد، ويدفعه إلى التقرّب من الله، ويُعلّمه التواضع.. ولولا الألم ما دخلنا مدرسة الصلاة.. ولهذا ينظر كثيرون إلى الألم على أنَّه وسيلة لارتقاء الجنس البشريّ، وهل نُنكر أنَّ ألم المعدة من طعام ما، هو تحذير للإنسان ليبتعد عن هذه الأطعمة؟ إنُّها آلام نافعة وما أكثر فوائدها.
حتى وإن كانت هناك آلام لا ذنب لنا بها، مثل الكراهية التي نتحمّلها لأننا أولاد الله، فهى أيضاً تُفيد الإنسان لو استخدمها كوسيلة تهذيب وعصا تأديب، والحكيم هو من لا يحكم على المحصول إلاَّ بعد الحصاد.
الله والألم
لماذا الألم؟! لقد طرحت أم هذا السؤال باكية!! ونحن لا نُنكر أنَّ التفكير في مشكلة الألم يُغرق البشر في الحيرة! ولكن أليس سر التجسّد الإلهيّ يغمرنا بالرجاء، لماذا؟ لأنَّه يُعلّمنا أنَّ الله قد نزل من السماء، لكي يساعد البشر ويرفع من شأنهم... جاء ليرفعهم إليه حتى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، ونحن نعرف كم احتمل المسيح من آلام حُبّاً بنا ورغبة في خلاصنا؟!
إنَّ مجرد نظرة صامتة لجسد قدوس لم يفعل خطية وهو مُعلّق على الصليب! لهى كافية أن تحل كل معضلات الألم، لأنَّ الصليب هو أعظم إعلان للمحبّة الإلهيّة، وينفي عن الله تهمة مسئوليته عن الألم.
قديماً كانت الشعوب تنظر إلى الألم على أنَّه عقاب إلهيّ! إلى أن جاء السيد المسيح وغيّر تلك المفاهيم الخاطئة، عندما وُلد في مذود حقير وتكبّد مشقة الجوع والعطش والتعب.. إلى أن مات مصلوباً، وأصبح الذين يعترضون على الله لأنَّه لم يُخلّص الأبرياء.. يعجبون به لأنَّه قد بذل ابنه الحبيب لأجل خلاص البشر! وبهذه التضحية قد كوّن علاقة روحية مع أولاده المؤمنين، تُثمر اتحاداً أبدياً يربطه بهم! ألسنا من خلال التناول نثبت في الله وهو يثبت فينا (يو56:6).
إنَّ يسوع المصلوب يمثل مأساة الإنسان البريء، الذي تنصب عليه الأحقاد والكراهية والعنف.. دون أي سبب " أبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ " (يو15:25)، فالصليب يكشف عن قسوة الإنسان، ويُظهر الظلم البشريّ بكلّ أبعاده، وفي دمّ يسوع البار الذي لم يفعل خطية تتجمّع كل دماء الأبرياء " مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا " (مت35:23).
ولكنّ المسيح احتمل الألم كعطاء للذات، ولم يرفض الحياة أو يتذمّر على الله، بل قدّم حياته بكل حرية لأبيه من أجل خلاص العالم: " لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً " (يوحنا18:10).
لذلك ففي آلام المسيح وموته ينفكّ الارتباط بين الألم وفهمه كعقاب، لأنَّ الذي قد تألّم ومات على عود الصليب هو إنسان بريء، وهذا هو قمة الحب: " أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ " (يو13:15).
كما أنَّ البذل يؤكد لنا أنَّ الكلمة الأخيرة لله، ليست هى الخطية بل الخلاص، ولهذا نجد كل كلمة يقولها الله في الإنجيل عن الخطية يقابلها كلمات عن الخلاص، لأنَّ الإنسان مهما ابتعد عن الله, إلاَّ أنَّه يمكن أن يعود إليه في أيّة لحظة، وحتى لو كان ميتاً في الخطايا يمكنه أن يخلُص، إذا قدَّم توبة صادقة من قلبه حتى ولو في آخر نسمات حياته، وهذه هى الأخبار السارة، التي تؤدي إلى الفرح العظيم في إنجيل يسوع المسيح.
ضرورة الجهاد ضد الألم
نعترف بأنَّ الله المحبّة لا يتلذذ بمشهد الألم، بل هو يريد سعادة الإنسان وخلاصه: " الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ " (1تي4:2)، وعلى المسيحيّ أن يعمل على تخفيف آلام البشر إن كان يريد أن ْيكون تلميذاً للمسيح، الذي انكب في حياته على تخفيف آلام الناس.
ولكنَّ الألم هو عنصر من عناصر الطبيعة لا مناص منه، يمكن لنا أن نتحمَّله بمحبَّة أو بحقد، وهذان موقفان متناقضان من الألم يظهران في حياة المؤمن وغير المؤمن، وكل إنسان حر لاتّخاذ أحد هذين الموقفين.
أمَّا أن يُفكر الإنسان في السعادة المُطلقة على هذه الأرض التي لُعنت وتلوثت بدماء القتلى والزناة والمجرمين.. وانتفاء الألم من حياة الإنسان الأرضيّة فهو حلم مستحيل التحقيق، فالإنسان كما قال القديس أُغسطينوس: " يولد وعلى رأسه تاج الألم لأنَّه مولود من آدم الذي يستحق العقاب ".
ولهذا فإنَّ الألم سوف يبقى يمزّق قلب الإنسان وجسده مهما بلغ التقدّم الحضاريّ! والوصايا الإلهية لا تمحو الألم من الوجود، بل هى تهدف إلى التقليل منه، لِما فيها من تعزيات إلهية تقوّي الروح وتسمو بها، فتجعل الإنسان يحتمل بشكر كل ما يأتي عليه من تجارب وما يُصيبه من آلام..
إذاً، عندما نتكلم عن منافع الألم ودوره، لا ندعو إلى الاستسلام والخنوع والقبول بالظلم والشر، بل ندعو إلى الاحتمال بشكر ومساعدة بعضنا البعض، فقد أوصانا المسيح بمحبّة البشر " مَا مِنْ حُبٍّ أَعْظَم مِنْ حُبِّ مَنْ يَبْذُلَ نَفْسَه في سَبِيل أَحِبّائِه " (يو13:15).
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 05 - 2014, 02:17 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب إلهي لماذا خلقتني

الفصل الخامس
أصنام العالم الثلاثة
في العالم أصنام كثيرة، صنعها الإنسان الميّال للشر لكي يسجد أمامها، وينحني في تذلل واستصغار تحت سلطانها! ويُعد المال والجنس والمخدرات... أشر الأصنام وأشدها قسوة واستبداداً لكل من يخضع لها!
المـال
لا نُنكر أنَّ المال هـو الذي يُحقق للإنسان رغباته واحتياجاته ولولاه لمات جوعاً، إلاّ أنَّه وسيلة وليس غاية، أمَّا إذا تحوّل المال إلى هدف، يجعل الإنسان يتهافت عليه متجاهلاً وجود الآخرين وحاجاتهم.. فبكل تأكيد لن يُحقق الإنسان السعادة التي ينشدها، فما أكثر أمراض التخمة التي تنشأ بسبب حياة الرفاهية والبذخ وإدمان المخدرات والمسكرات وانتشار البطالة.. بين الأثرياء.
ربَّما تنتقدوني لو قلت لكم: إنَّ المال مصدر الثراء إذا زاد عن حده، يكون هو السبب المباشر لموت الإنسان، وفي أحيان كثيرة يكون سبب فقره وتعاسته! فكم من أُغنياء عاشوا في فقر مدقع بسبب بخلهم، لأنَّهم أرادوا أن تكون المئات ألوف والألوف ملايين!! وفي هذا يقول سليمان الحكيم: " يُوجَدُ مَنْ يُفَرِّقُ فَيَزْدَادُ أَيْضاً وَمَنْ يُمْسِكُ أَكْثَرَ مِنَ اللاَّئِقِ وَإِنَّمَا إِلَى الْفَقْر ِ" (أم24:11).
ليس المال أيها الأحباء إلاَّ ينبوعاً من الينابيع الجافة الكثيرة، التي اخترعها الإنسان منذ أن سقط للهو والمسرات وفرض النفوذ.. وكل من يركض وراءه كمن يركض وراء وهم كاذب أو سراب خادع، سيجري ويتعب ثم يعود وهو يحمـل مرارة الاختبار القائل: باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح، أمَّا خداعه فيستند على عبارة تأمين الحياة، وها نحن نتساءل:
هل يستطيع المال أن يشتري الصحة أو يهبنا الجمال؟ هل يقدر أن يشتري الحُب أو يمنع عنّا الحزن أو الموت؟! والفضيلة التي يصفها الفيلسوف " سقراط " بأنَّها المُعين الذي يتدفق منه المال، هل يجرؤ أحد ويقول أنَّها تُشترى بالمال؟!
نستطيع أن نقول: إنَّ التأمين المؤسس عـلى الماديات، هو تأمين محكوم عليه بالفشل والسقوط، لأنَّه مبنيّ على الرمال وهو لهذا لا يدوم!
أنْ يسعى الإنسان لكي يكون لديه بيتاً هادئاً مستقراً، وأن يكون قادراً على الوفاء بالتزاماته نحو الأُسرة والمجتمع، ويُربّي أولاده تربيه حسنة... فهذا واجب مسيحيّ، ولكن أن يُقيّم كل الأشياء بالمال، وتصبح محبته للمال هى القوة الدافعة للحياة فهذا شر!! وكل الذين عاشوا بهذا الفكر فشلوا وعجزوا عن تحقيق السعادة في حياتهم، فالمال وإن كانت العين تراه واليد تلمسه، إلاَّ أنَّه عاجز عن أن يهب الإنسان سعادته، لأنَّه لا يستطيع أن يلمس القلب من الداخل حيث مركز السلام الحقيقيّ.. فحياتنا إذاً ليست في امتلاء خزائنناً بالأموال، بل بامتلاء قلوبنا بسلام الله الذي يفوق كل عقل، وهذا السلام الروحانيّ لا يُشترى بالمال!!
ونحن لا نُنكر أنَّ المال ليس شراً، وهو في حد ذاته ليس جيداً أو رديئاًً، ولكن فيه خطورة إذا أحبّه الإنسان، ألم يقل بولس الرسول: " مَحَبَّةَ الْمَالِ أصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ وَطَعَنُوا أنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ " (1تي10:6).
وهل نُنكر أنَّ المال مسئولية؟ لماذا؟ لأنَّه يُعطي الإنسان مكانة وقوة، والقوة سلاح ذو حدين، لأنَّها قد تكون قوة في الشر أو الخير! فبواسطة المال يستطيع إنسان أن يخدم بأنانية رغباته الجامحة أو يعيش في الخطية، وبالمال يستطيع أن يستجيب بكرم لصراخ جاره المحتاج، وينتشل نفوساً سقطتْ في آبار الخطية.
ربَّما يظن البعض أننا ضد المال أو نهاجم الأغنياء، لكننا في الحقيقة لا نُهاجم إلاَّ الاستخدام الخاطيء للمال، ونقف ضد سلطان وغرور وكبرياء الأغنياء، فالكتاب المقدس ذكر أغنياء كثيرين مثل: إبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب.. ومع ذِِكر غناهم ذكر أيضاً فضائلهم ومحبتهم لله، يكفي ما ذكره الوحي عن أيوب الصديق أنَّه كان " أباً للفقراء " (أي16:29)، والذين كفَّنوا المسيح ألم يكونوا أغنياء؟!
الجنس
لا شك أنَّ الله قد خلق الإنسان وزوده بعدة غرائز، ويُعد الجنس من أهم هذه الغرائز، فمن المعروف أنَّ البشرية لا تنمو إلاَّ بغريزتين: الأكل والجنس!
ولكن الإنسان الميّال للشر منذ حداثته، أخذ يُصنّف ويُشكّل طعامه.. لكي يُشبع لذة التذوق! كما انحرف عن مفهوم الجنس الصحيح حتى أصبح حديثه، قراءاته، مشاهداته التليفزيونية.. عن الجنس.
والحق إنَّ الجنس الطاهر الذي هو ثمرة زواج مقدس، يقود الإنسان إلى الاستقرار النفسيّ، فليس أعظم من أن يشترك إنسان مع الله في الخلق! ولكن أن يترك إنسان الهدف الساميّ للجنس، ويسعي جاهداً في سبيل تنويع خبراته، والبحث عن تجارب جديدة خارج إطار الزواج، بحثاً عن السعادة فهذا وهم!
فمن العبث أن يظن البعض أنَّ الخطية يمكن أن تقود الإنسان إلى سعادة حقيقية، لأنَّ الخطية تعني: التشتت والتفكك والفوضى والتمزق والاضطراب والخوف والقلق.. إنَّها حياة إنسان يعيش صريعاً لحالة مستمرة من المد والجزر، لأنَّه يبحث دائماً عن مطالب متناقصة، وغايات متعارضة، دون أن يتمكن يوماً من الوصول إلى أيّ تكامل نفسيّ.
وحينما تصبح حياة الإنسان خاضعة لنَهَم الملذات، فإنَّه لن يشبع على الإطلاق، بل بمجرد أن ينتهي من تحقيق لذته، حتى يبدأ من جديد في البحث عن لذة أُخرى أو نفس اللذة، ولهذا فإنَّ الشـبع الوهميّ الذي تلوح به اللذة الجنسية سرعان ما ينتهي إلى فراغ أليم!
لقد مجدت شعوب كثيرة الجنس، وأباحت وحلّلتْ ما قد حرَّمه الله، حتى أصبح هناك متخصصين في عالم الجنس، ومدافعين عن العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج، وقد تعدى الأمر إلى السماح للشواذ بممارسة الشذوذ بكامل حريتهم، حتى إنَّ بعض السيّدات يطالبن بحقهن في الإنجاب!!
ولكننا نؤكد أنَّ كل فلسفة تُمجّد اللذة الجنسية بهذه الصورة الإباحية، لابد أن تنتهي إلى القضاء على كل إحساس بالقيم لديّ الفرد، إذ أنَّه بمجرد أن يستحيل الإنسان إلى عبد للملذات، فإنَّه لن يلبس أن يُضحي بالمُثل والقيم العُليا من أجل الأشياء الدُنيا، ومن ثَمَّ فإنَّه لابد من أن يصبح في خاتمة المطاف مجرد حيوان أنانيّ! لا يعرف من الحياة سوى لذاته!
ولا تتعجب إن سمعتَ شعوباً قد انهارتْ وتلاشتْ حضاراتها، بسبب الفساد الذي انتشر بين أفرادها، وقد أصاب صحتهم وعقولهم.. وأدى بهم إلى الفتور والكسل والملل...
وإن أردتَ أن تعرف نتائج الخطية، وإلى أيّ مدى تتسبب في عذاب وهلاك البشر.. فاقرأ الإحصائيات التي يتم إعدادها في أمريكا سنوياً، لكي تبكي على ما وصل إليه البشر من دمار بسبب الأخلاقيات المنحرفة! وإليك إحصائية قد صدرت في أمريكا منذ عدة سنوات:
- أصاب فيروس الإيدز أكثر من مليون أمريكي، بسبب الممارسات الجنسية الغير شرعية..
- كل عام يُصاب أكثر من مليون بمرض التهاب الحوض، ومثلهم بالسَيَلان، والزهريّ..
- يعد أكثر الأمراض الجنسية بين النساء، هو مرض هيومان بابيلوماHpy ، الذي يسبب سرطان عنق الرحم، فحوالي (6000) امرأة تموت بهذا المرض سنوياً، وحوالي (24) مليون امرأة أمريكية مصابة حالياً به.
- كل عام يتم إجهاض مليون ونصف مليون جنين، وحوالي (20 %)، من الفتيات يكُنّ حوامل يوم زفافهن.
- تُعد نسبة الطلاق في أمريكا هي أعلى نسبة في العالم المتحضر.
- (42) مليون أمريكي مصابون بمرض لا شفاء منه، ينتقل عن طريق الممارسات الجنسية غير الشرعية، بعضهم سيموت به، وبعضهم سيعاني منه حتى نهاية حياتهم.
ألا يحق لنا أن نقول: إنَّ الشعب الأمريكي المتحضر مريض! فهل كان أحد يتوقع أنَّ الحرية الجنسية، التي يحميها القانون، تجلب كل هذا الدمار على المستوى الاجتماعيّ والروحيّ والجسمانيّ ؟!!
المخدّرات
منذ عدة سنوات قد مضت قال كارل ماركس: " الدين أفيون الشعوب! "، أمَّا اليوم فقد أصبح الأفيون هو دين شعوب وشعوب!! فهناك أبحاث تؤكد أنَّ تعاطي المخدرات، قد فاق القرون الماضية بمراحل..
والحق إنَّ تعاطي المخدرات هى محاولة فاشلة، يحاول المدمن من خلالها أن يفصل ذاته عن الواقع الذي يعيشه لأنَّه يرفضه وغير قادر على التكيف معه! فالمدمن هو في الحقيقة يرفض عالمه ويبحث عن عالم آخر! وهو لا يدري أنَّ مثل هذه المسكنات لا تفلح في تخفيف حِدة الألم الذي يؤرقه، ففي كل إدمان يبقى عنصر هدّام، يهدم النفس والجسد كليهما معاً، أمَّا المدمن فينزوي هارباً من الحياة..
ومما يضاعف آلام تلك المأساة، أنَّ من يُدمن يعيش وكأنَّه قد عبر جسراً من عالم الواقع إلى عالم الخيال وأحرق الجسر من ورائه، فعندما يعبر المدمن عالم اللا واقع يتعذّر عليه التمييز بين الوهم والحقيقة، الخطأ والصواب..! إنَّها حياة مزيفة في عالم لا يؤمن ولم ينجح بعد في حل مشاكله، وهى لا تكشف عن فراغ داخل الإنسان فقط، بل وعن حقيقة هامة يجب أن نعرفها ألا وهى: إنَّ الإنسان عندما يبتعد عن الله ويستقل بذاته، يصل إلى هذا الشكل المنحط الذي يعد أسوأ مظاهر السلوك البشريّ! والذين يعيشون بهذا الأُسلوب ينسون أو يتناسون أنَّ الله قد خلق الإنسان وبرمجه بحيث إنَّه لا يستطيع أن يعيش حياة هادئة بدونه!!
ولهذا فإنَّ محاولة استئصال هذا المرض الخطير بالعمل وتحقيق الذات والرياضة.. فقط، هى أشبه محاولة تخفيض حرارة جسم المُصاب بالحمّى عن طريق تبريد ميزان الحرارة! فالإنسان يحتاج إلى العلاقة القائمة على المحبة المتبادلة مع الله، بقدر احتياجه إلى الطعام والماء والهواء، بل أكثر، وكل من يتوهّم أنَّ بُعده عن الله يُعد نوعاً من الاستقلالية والتحرر.. هو إنسان يقود نفسه إلى الجنون، ويُدمّر ذاته بذاته!
ومما يؤكد هذا ما نراه بوضوح في عصرنا الحاليّ، فقد حاول الإنسان أن يستقل بأفكاره ويُحقق معتقداته فظهرت النازية والماركسية.. ولكن ما هى النتيجة؟ ضعف النازية، وضمور الماركسية، وإفلاس القيم العلمانية، واتسعاع رقعة الفراغ الروحيّ الذي يعاني منه العالم الغربيّ، والخطر الانتحاريّ الذي يتعرّض له العالم بسبب الإشعاعات النووية، وانتشار المُخدّرات بصورة وبائية.. نعترف بأنَّ التدهور الأخلاقيّ، يجعل الحياة مائعة لا طعم لها، بل مريرة ويوّلد أزمات للبشر ويشهد على ذلك انتشار نزعة الدمار والموت عند الشباب، تلك النزعة التي تتمثل في اللجوء إلى المخدرات، ولم تعد الطبيعة الخضراء وحدها التي تعترض على انتهاكات البشر، بل إنَّ الطبيعة الباطنية والروحية تثور أيضاً ضد المبيدات اللأخلاقية، وغازات العادم التي يستنشقها! وهل من يزرع الشوك يمكن لأرضه أن تُنبت ياسميناً؟!
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 05 - 2014, 02:17 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب إلهي لماذا خلقتني

الفصل السادس
وأخيراً عبد الإنسان الشيطان!!
" إنَّ الإنسان الذي لم يعد يؤمن بالله، مستعد للإيمان بأيّ كائن حتى لو كان هذا الكائن هو الشيطان !! "، هذه عبارة بليغة يؤمن بها كل الحكماء، فعبادة الشيطان التي كانت مجرد أفكار في روايات قد تحوّلت إلى حقيقة، وذلك عندما ضل الإنسان، وابتعد عن الله، ورفض أن يعمل بوصاياه!
أمَّا الشيطان فكما يُخبرنا الكتاب المقدس كان روحاً، من بين الأرواح الملائكية التي خلقها الله حسنة، ولكنَّه قد سقط من رتبته بسبب كبريائه عندما قال في قلبه: " أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ، أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ.. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ " (إش13:14،14).
ومنذ أن انفصل الشيطان عن الله وهو يعمل بكل ما يملك من قدرات.. لمقاومة الإنسان وإبعاده عن الله عسى أن يُسقط البشرية كلها في الهلاك، وقد استطاع بمكره أن يُسقط أنبياءً ورسلاً وقديسين.. فهو لا يقف ساكتاً أمام إنسان يحيا مع الله، بل يُحاربه ويُقاومه ويُسمّى هذا " حسد الشيطان " !
ويُعتبر الخِِداع هو المبدأ الذي تنطوي عليه كل حيل الشيطان، فهو محتال في تزييف الحقائق، فيبذر الزوان في وسط القمح، ويضع المؤمنين المزيفين بين أبناء الملكوت (مت25:13)، وقد استطاع بخِداعه أن يجعل الإنسان يسجد له ويعبده!!
إنَّه حدث مرعب واكب حركة التقدم، والحرية الكاذبة التي أنتجتْ فلسفات إلحادية أضعفت الإيمان، وشككتْ في الحياة الأبدية والثواب والعقاب في الآخرة..
عبادة الشيطان
أمَّا عبادة الشيطان الحالية فقد ظهرت في القرن التاسع عشر على يد ساحر إنجليزي يُدعى " أليستر كراولي "، الذي ينتمي إلى عائلة عادية، وتخرّج من جامعة كمبردج في بريطانيا, وكان مهتماً بالظواهر الروحية والعبادات الغريبة, وله كتاب اسمه " الشيطان الأبيض "، دافع فيه عن الشهوات الجنسية.
وفي أواخر القرن الماضي انضم كراولي إلى نظام " العهد الذهبيّ "، ويعتبر هذا النظام هو أحد الجماعات السرية, وبعد فترة أصبح هو المُعلم الأول لجماعة عَبَدة الشيطان.
وفي عام (1900م)، ترك العهد الذهبيّ وعمل نظام خاص به يُسمّى " النَجم الفضيّ "، وبدأ يسافر إلى أنحاء العالم، واشتهر بتعاطيه ومتاجرته في المخدرات، مما جعل الحكومة الإيطالية تقوم بطرده..
وقد استطاع كراولي أن يؤلّف كتاب اسمه " القانون " دعا فيه إلى تحطيم القواعد الأخلاقية، وحث الناس على الإباحية الجنسية..
بعد أن مات كراولي عام (1947 م) طوّر " أنتون ساندور ليفي"، اليهوديّ الأصل والأمريكيّ الجنسية هذا المذهب.
ويزعم أنتون أنَّ إبليس ملاك تعرّض للظلم من الله، على الرغم من أنَّه رمز القوة.. ويُنكر جميع الأديان، ويطالب بدليل ماديّ على وجود الله، أمَّا الشيطان في نظره فالأدلة عليه كثيرة وآثارها موجودة وقوته خارقة، وهو يمثل التواجد الحيويّ الغير كاذب، والحكمة غير المشوّهة أو الملوثة.
ألّف ليفي العديد من الكتب، وقام بعمل خطير ألا وهو: إنشاء كنيسة باسم الشيطان في سان فرانسيسكو بأمريكا!! وذلك في يوم (30) أبريل من عام (1966م)، وفيها يقومون بتمجيد وعبادة الشيطان!! والاستمتاع بكل ما قد حرّمه الله...!!
استمر أنتون يُمارس أعماله الشريرة والفاسدة، وينشر أفكاره المنحرفة، وينادي بضرورة إطلاق المرء العنان لأهوائه ورغباته وشهواته بدلاً من الامتناع عنها.. إلى أن مات في عام (1997م).
أسباب عبادة الشيطان
يشهد عصرنا الحالي انغماس شديد في الخطية، ولكنَّ الخطية لا تشبع ولا تُشبع آلاماً تسبقها وآلاماً تلحقها، فالخوف والعزلة والفراغ والفشل والإصابة بالأمراض النفسية والعصبية والجسدية.. هى ثمار يجنيها كل من يحيا في الخطية.
لكنَّ الإنسان الميّال للخطية منذ حداثته، كثيراً ما يرفض أن يأتي بالملامة على نفسه، ويبتعد عن مصدر آلامه وأحزانه.. بل هناك من يُهاجمون الله ويتَّهمونه بعدم العناية بخليقته، وبأنَّه المسئول عن كل المصائب التي تحل بالبشر.. فأوجد الشك في عناية الله المجال للشيطان ليعمل بقوة بعدما وجد أرضاً خصبة له! فمن المعروف أنَّ الشك في الله هو بداية الإلحاد.
ونحن بصدد الحديث عن الخطية، نؤكد أنَّ الخطية والأنا هما وجهان لعملة واحدة ألا وهى: حُب الذات، فحيث الخطية هناك القوقعة الذاتية ودوران الإنسان حول ذاته، ومحاولة إشباعها بكافة الطرق حتى وإن كانت خاطئة، وهذا أدى إلى ضياع مفهوم الحب بين الناس، وارتفاع نسبة الطلاق، وتشرد الأولاد، الذين وجدوا فرصتهم في عبادة الشيطان، والموسيقى الصاخبة التي تُعبّر عن روح التمرّد والثورة الداخلية، واللامبالاة بكل ما هو طاهر وجليل.
وهناك من سقطوا في عبادة الشيطان بعد شعورهم بالضياع بسبب الفشل الدراسيّ، فالانحراف هنا وسيلة للهروب من الواقع كما هو الحال لدى المدمنين.
وتحكي فتاة جامعية أنَّها انخرطت في ممارسة هذه الطقوس، لكي تجرب هذه الحياة التي لم تختبرها من قبل، بعد أن حاولتْ عدة مرات الانتحار والتخلّص من حياتها بالموت..
وقد يدفع الجهل الدينيّ بكثيرين، إلى الاندماج بين جماعات عبادة الشيطان، الذي يُعد في نظر البعض ذو قوة هائلة، وله سلطان يستطيع به أن يُلبي احتياجات البشر! ولو أنَّهم قرأوا قول السيد المسيح: " رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ " (لو18:10)، لَمَا سقطوا في عبادته.
فالشيطان الذي يبدو قوياً، يستطيع كل مؤمن بقوة رب المجد يسوع أن يُقيّده لأنَّه قال لأولاده المؤمنين " هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَاناً لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُّوِ وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ " (لو19:10)، أتتذكرون تذلل الشياطين أمام السيد المسيح " آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ قُدُّوسُ اللَّهِ!" (مر24:1).
والحق إننا كثيراً ما نحاول تبرير ضعفنا وسقوطنا، بالحديث عن قوة الشيطان وسلطانه ووسائل إغرائه.. في حين أنّ الشيطان لا يقدر أن يعمل عملاً ما لم نرغب نحن هذا العمل! إنَّها محاولة تبرير فاشلة، لكي لا يُعطى الإنسان حساب عن أعماله، متناسياً أنَّ من لا يُسئل عن خطاياه لا يُسئل أيضاً عن فضائله!!
إنَّ كل ما يستطيع أن يعمله الشيطان، هو أن يقرع باب قلبك دون ملل، ولكنه لا يقوى من تِلقاء نفسه على فتح الباب، إنَّه يحمل كل الصفات الحقيرة المتدنية، ولكنّه لن يرتكب جريمة هتك حرمة مسكنك، إلاَّ إذا فتحت وأذنت له بالدخول بكامل حريتك!
إذن فالاستسلام للشيطان هو في الحقيقة استسلام الإنسان لشهواته، ومن ثَمَّ لا عذر له لكى يبرر سقوطه! فالإنسان هو سيد أعماله، والمتحكم في كل أقواله وقراراته..
ويقول " مايك وارنك " الذي عمل كرئيس كهنة في عبادة الشيطان: إنّه لم يكن يدرك الدوافع الحقيقية لممارسة السحر وأعمال التنجيم وعبادة الشيطان.. كما لو كان مخدراً لا يعرف لماذا ينجذب إليها!
وعندما تخلّص منها أدرك الأسباب: إنَّها ليس مجرد شهوة للتمتع بقوة الشيطان واستخدام المخدرات بغير حدود، وممارسة الجنس بلا ضوابط، بل محاولة لإشباع الجانب الروحيّ! لقد كان مايك يؤمن أنَّ الإنسان يُشبه مثلثاً، يجب إشباع أركانه الثلاثة ألا وهى: الجسدية والعقلية والروحية، فمن يُشبع احتياجاته الجسدية والعقلية فقط لا يبلغ إلى الكمال.
ولكننا نتساءل: هل الشيطان كروح شرير يمكن أن يُشبع الإنسان؟! نعترف بأنَّ إشباع الجسد والعقل بطريقة خاطئة، يؤدي إلى إشباع الروح بنفس الطريقة الخاطئة، وكل الذين بحثوا عن الشبع الروحيّ في السحر أو المخدرات أو الجنس أو القتل.. لم يجنوا سوى المرض والسجن والتشرد.. ومنهم من انتهت حياتهم بالقتل أو الانتحار..
المعتقدات والطقوس
لهذه الجماعة طقوس شاذة وممارسات غريبة، يؤدّونها في عباداتهم وهي قسمين: طقوس الدخول إلى الجماعة, وطقوس المُمارسة أو ما يُطلق عليها القداس الأسود.
ويُعد أسوأ ما في طقوس عَبَدة الشيطان، ليس فقط احتقارهم للدين، والقيم الروحية، والمبادئ الأخلاقية السامية, وممارستهم الفواحش بكافة أنواعها.. بل قتل الأطفال الأبرياء، بهدف استخدام دمائهم البريئة وأعضاء أجسامهم في طقوسهم الشيطانية, ونبش القبور للحصول على العظام والجماجم البشرية.
ويُمارس عَبَدة الشيطان السرقة خصوصاً سرقة الدماء، ويؤكد هذا الفعل الشنيع ما قد حدث في عام (1996م)، حيث اعتقلت السلطات الأمريكية مجموعة من أعضاء الطائفة، بعد أن تورّطوا في سرقة كميات من دماء البشر من مستشفيات نيويورك، وذلك لشربها خلال احتفالاتهم التي لا تصدر إلاَّ من أُناس أصابهم الجنون!!
والمعروف عنهم أنَّهم يُضحّون بأبنائهم عن طريق الذبح، ويأكلون لحمهم ويشربون دماءهم.
أمَّا شكلهم الخارجي فهو مقزز ومخيف، فالملابس سوداء وقصاصات الشعر تأخذ نمط غريب، وعيونهم تُحاط بألوان سوداء تجعلها مخيفة..!!
وباختصار: لا شيء اسمه خطية أو شر.. فكل ما يُحقق شهوات النفس ورغباتها هو مطلوب عند عَبَدة الشيطان، حتى يحصل لهم الترقي في درجاتهم المزعومة داخل الجماعة, ولا أثر للموت بأي طريقة كانت - كما يزعمون - حتى ولو كانت حرقاً أو انتحاراً.. لأنَّ الموت في نظرهم ما هو إلاَّ وسيلة للانتقال من درجة إلى أُخرى أفضل، ومن ثمَّ التقرّب من الشيطان وإسعاده، فهو كما يدّعون ملك مطرود من الجنة ظلماً!!
وتُعد الموسيقى عند عَبَدة الشيطان شيئاً أساسياً في طقوسهم، وهي وسيلة لتعطيل الحواس البشرية، ونوع من أنواع التخدير العقليّ، وتتسم بالصخب الذي يصم الآذان, ويوّتر الأعصاب, ويميل بالإنسان إلى الجنون والتخبّط والخوف والقلق.. وقد أطلقوا على هذه الموسيقى ألقاباً وأسماء لا تخلو من النفور والتقزز والخوف والرعب, مثل: السبت الأسود، والأسود القاسيّ العنيف.. وغير ذلك من ألقاب.
وقد أكد المُحلّلون الذين راقبوا الموسيقى المستخدمة لديّ عَبَدة الشيطان، أنَّ هناك أنماطاً كثيرة للموسيقى وهي " البلاك ميتل " و " هدافي ميتل " و " ديث ميتل "، وكل نمط له مميزات ورقصات خاصة، يهزون فيها رؤوسهم بطريقة هيسترية، أمَّا الأغاني فهي تسب الإله وتمجد الشيطان ومعتقداتهم وطقوسهم..!!
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 05 - 2014, 02:18 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب إلهي لماذا خلقتني

الفصل السابع
التجسّد الإلهيّ ورفعة الإنسان
سقط الإنسان وأصبح بالخطية مفصولاً عن خالقه، غريباً عنه، بل غريباً عن نفسه وعن الآخرين، يحيا في الظلام بدل النور، والخطية بدل القداسة.. وهكذا أصبح بين الإنسان والله فاصلاً كبيراً.
ثلاثة حواجز على الأقل، يجب على الإنسان أن يتجاوزها لكى يصل إلى الله ألا وهى: الطبيعة البشرية، والخطية، والموت.
فطبيعتي البشرية التي امتلأت بالشهوات، وأصبحت تميل إلى حب الذات واللذات.. صارت تجذبني إلى نفسي وليس إلى الله.
والخطية أصبحت كحاجز يفصل الإنسان عن خالقه، أو حجاب أسود يحجب نور مجد الله عنَّا " لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟" (2كو14:6).
أمَّا الموت فينهي حياتي، ويقضي على مسعاي في التوبة، ولهذا أصبح الموت عدو الإنسان الذي يُرعبه.
لماذا التجسّد ؟
ولأنَّ الإنسان بقدراته الذاتية يعجز عن تخطي هذه الحواجز والوصول إلى الله، تجسّد ابن الله لكي يُخلّص ما قد هلك، فالخـلاص ليس حركة من الإنسان إلى الله, بل من الله إلى الإنسان، ولا يوجد إلاَّ مُخلّص واحد هو المسيح، الذي نزل من السماء إلى الأرض، لكي يرفع الإنسان من الأرض إلى السماء، فوُلد في مذود مع أنَّ الملاك قد قال لأُمّه مريم " يُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ " (لو33،32:1)، فهل أخطأ الملاك؟ حاشا! لكنَّ المسيح جاء ليملك مُلكاً روحياً على قلوب البشر، ولكي يُضرم نيران ثورة لم تخمد شعلتها بعد، إنَّها ثورة التواضع على الكبرياء، والحق على الباطل..
وهكذا أزال الله كل حاجز يعوق مجيئه إلينا، بفضل تواضعه العجيب وحبّه الفريد! لقد أزال حاجز الطبيعة بالتجسّد فضم إلى لاهوته طبيعتنا، حتى تتبارك وتشفى وتستنير بنور لاهوته وتعاليمه.
وانتصر على الخطية عندما حمل خطايا كل البشرية في جسده المقدس، وحرقها على مذبح الصليب بنار الغضب الإلهيّ، فعتقنا من عبوديتها المُرّة بعد أن أوفى الدين عنَّا " وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيداً لِلْبرِّ " (رو18:6).
أمَّا الموت فقد انكسرت شوكته وأُبطل سلطانه عندما قام المسيح منتصراً، فلم يعد بالشيء المُخيف كما كان، بل صار شهوة المؤمنين " لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً " (في23:1)، ربحاً كما قال مُعلمنا بولس الرسول: " لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ " (في21:1).
التجسّد بين الرفض والقبول
ويتساءل البعض: هل التجسّد ضروريّ في حكم الله؟ لا نُنكر أنَّ كثيرين لا يستوعبون العقائد المسيحية، فيقولون: لا لزوم مُطلقاً للتجسّد، ولا مانع أن يُخلّص الله البشر بمجرد الصفح عن الخطايا، وأصحاب هذا الاعتقاد يُنكرون لاهوت السيد المسيح، وهذا مخالف لتعاليم الكتاب المقدس وضد لزوم الكفارة..
ويوجد أيضاً الذين يؤمنون بأنَّ التجسّد ضروريّ ولابد منه، باعتبار أنَّ الله يطلب التجسّد طبعاً، سواء استدعى ذلك أحوال البشر أم لا، أي أنَّ الله لم يكتفِِ بالوجود المجرد عن التجسّد، لأنَّه لا يُعرَف لديّ البشر، ولا تظهر كمال صفاته بدون أن يتجسّد..
آراء كثيرة تدور حول سر التجسّد!! ولكننا نتساءل: أيهما أفضل وأقرب إلى المنطق: أن يظل الله منعزلاً في سمائه، بعيداً عن خلائقه، يأمر وينهي ويُعاقب.. أم أن ينزل إلينا ويتعامل عن قرب معنا، ليُخلصنا ويرفعنا على أجنحة حُبّه إلى عرش مجده؟!
نعترف بأنَّ التجسّد كان ضرورياً لخلاص الإنسان من عبودية الخطية، ولعنة الشريعة، والهلاك الأبديّ بسبب تمرده وعصيانه على الله.. فلولا التجسّد ما كان المسيح قد مات ليخلصنا! ولكي تُعرَف القصة يجب أن نرجع إلى بداية الخلق ونقول:
لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، وقد أوصاه أن يأكل من جميع شجر الجنّة ما عدا شجرة معرفة الخير والشر، فإن خالف فموتاً يموت (تك17:2)، فأكل آدم فكان لابد أن يأخذ العدل الإلهيّ مجراه، لأنَّ " اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ " (مت35:24).
ولكنَّ الله العادل هو الله الرحوم أيضاً، فما هو الحل؟ هل يترك الله جبلته التي على صورته ومثاله خلقها؟ بالطبع لا، ولهذا تجسّد ابن الله لأنَّه الوحيد الذي يمكن أن يقوم بعملية الفداء، فخطية آدم موّجّهة ضد الله غير المحدود، فكان ولابد أن يكون الفادي أيضاً غير محدود، وبذلك التقت الرحمة والعدل وتحقق قول داود النبيّ "الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا، الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا" (مز10:85).
وهكذا تم التكفير عن خطايانا، وفُتِحَ باب الرجاء الأبديّ، وصار المسيح لنا وسيط لدى الآب يشفع فينا، ومرشداً يُرشدنا الى الحق، ومَلِكاً يحمينا ويدافع عنّا إلى نهاية حياتنا، ويضمنا أخيراً إلى رعيته السماوية، لكي نتمتع بحُبّه إلي دهر الدهور.
ورأينا مجد تواضعه
لقد أظهر لنا التجسّد الإلهيّ أنَّ إلهنا ليس أنانياً، بل هو محبَّاً يهمّه البشر وهدفه خلاصهم وسعادتهم لا سجود العبيد ونحر الذبائح وحرق البخور.. فمثل هذا الإله المنزوي في سمائه بعيداً عن خلائقه لا وجود له.
قد تقول: ولماذا هذا الإفراط في التواضع؟ فأُجيب: بأنَّ التواضع فضيلة ترفع من مكانة الله عند الإنسان، وهى لا تنقص من مجده، وهكذا أيضاً حُبَّه لا ينقص شيئاً عندما يفيض بالخيرات على الأبرار والأشرار كلاهما معاً؟ ولأنَّ التواضع فضيلة فقد انحنى المسيح أمام تلاميذه وغسل أرجلهم، فهو " لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ " (مت28:20).
والحق إنَّ يسوع فضّل التواضع على المجد، لكي يُعلّم الإنسان عظمة التصاغر وعلو التواضع، فهذا أعظم طريق للوصول إلى قلب الله.
وهكذا استطاع السيد المسيح بتواضعه الفريد، أن يجر العالم إلى عتبة مذود بيت لحم، فلا عجب إن خر ملوك وأُمراء عند مذوده، ملقين تيجانهم البالية على الأرض!
ولمسنا حُبَّه
إنَّ التجسّد أكد لنا أنَّ الله محبة ومن طبع المحبة أن تشقى لتُسعد الآخرين، تُولَد في القفر، وتحيا في الآلام، وتصعد كل يوم على الجلجثة، وتُسمّر على صليب الإنسانية، لكي تُكحّل عيونهم بأنوار الخلاص، فيعاين كل إنسان في داخله مسيحاً جديداً مدعواً لبذل حياته لأجل افتداء البشر!
كما أعطانا المسيح بوجوده على الأرض، مثال فريد للحياة البشرية الكاملة، فحياته كانت للآخرين بما فيهم الخطاة والمنبوذين.. الذين لا يخجل أن يقول لهم إخوتي، وهو لا يستقبلهم فقط، بل يذهب إليهم ويأكل ويشرب معهم: " يَا زَكَّا أَسْرِعْ وَانْزِلْ لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ " (لو5:19).
ويُعلن السيد المسيح حُبّه الفريد، عندما يقبل إليه الأطفال، ويبكي على قبر لعازر، ويذرف الدموع على أورشليم المُقبلة على الدمار، ويهتم بالبرص والعميان والعرج..
ألم يشفق على الجموع الضالة ويقول لهم: " تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ ؟ " (مت28:11)، ألم يشفِ المرضى وهو يعلم أنّهم سوف يتهمونه بخرق السبت؟! وفي آخِر نسماته يقول للص اليمين " إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ " (لو43:23) ويطلب من يوحنا أن يرعى أُمّه (يو19 :26،27)!
وأدركنا حكمته
لقد أظهر التجسّد حكمة الله في تعاملاته مع البشر، لنفترض أنَّك مُعلماً تُحِب تلاميذك وترغب نجاحهم، فماذا تفعل؟ تنزل إلى مستواهم وتشرح لهم المعلومات بطريقة بسيطة لكي يستوعبوها، وهذا ما فعله الله معنا، فلمّا رأى أنَّ البشر اتّجهوا بأنظارهم إلى أسفل، وأخذوا يبحثون عن الله في الطبيعة مدّعين لأنفسهم آلهة من البشر والشياطين والحيوانات.. اتّخذ جسداً وكإنسان عاش بين الناس، فحوّل أبصارهم إليه وركّز حواسهم في شخصه، وجعلهم لا يسيرون بحسب تعاليمهم الخاصة بل كما أعطاهم من وصايا وتعاليم روحية.
بركات أُخرى
عندما وُلِدَ المسيح تهللت السماء ورنّمت الملائكة أحلى التسابيح: " الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ " (لو2:12)، فكم يكون فرح الأرضيين الذين نبت الغفران في أرضهم لكي يكون عصاً للعالم الكهل، الذي أحنته الأيام من كثرة سجوده للأصنام؟!
لقد عادت فرحة البشرية من جديد بعد أن خيّم الحزن عليها سنينَ عدة، ولهذا عندما بشر الملاك الرعاة قال لهم: " َهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ " (لو10:2).
كما أنَّ ظهور الله بهيئة منظورة للبشر، أعطانا نعمة أن نخاطبه في الصلاة وندعوه " أبانا "، ونتّحد به بطريقة روحية فريدة بتناولنا من الأسرار المقدسة! وما هذا إلاَّ إعلان أنَّ التجسّد رفع من قيمة الإنسان، بعد أن صار يحيا لا بالخبز والماء فقط، بل بجسد ودم ابن الله.
وبعد أن كان الإنسان يحيا في الفردوس، صار يحيا قى قلب الله، والله يحيا في قلبه، لقد استرد الإنسان مُلكه الذي فقده بالخطية، وأصبح يحكم على الأشياء ليس بأهوائه الخاصة، بل بروح الله الساكن فيه " أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ " (1كو16:3)..
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 05 - 2014, 02:18 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب إلهي لماذا خلقتني

الفصل الثامن
الخليقة الجديدة في المسيح
عندما شاخت الخليقة الأُولى، كانت هناك حاجة ماسة إلى خليقة جديدة، نخلع فيها الإنسان العتيق ونلبس الجديد، ولهذا نزل الله إلى عالمنا لكي يرفعنا على أجنحة حُبّه إلى عالمه.
الولادة الروحية
ولكن هذا لن يتحقق إلاَّ إذا وُلدنا ولادة روحية جديدة، لا من جسد بشريّ بل من الماء والروح، كما قال السيد السيد المسيح لنيقوديموس: " إنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ " (يو5:3).
والمعمودية هى رحم الولادة الجديدة، حيث نشارك المسيح في موته وقيامته " مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ الَّتِي فِيهَا أقِمْتُمْ أيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ " (كو2: 12)، فنحن ننزل في ماء جرن المعموديّة الذي يرمز إلى موتنا مع السيد المسيح، لكي نخرج منه أبناء لله، ممتلئين بروحه القدوس، فنحيا حياة روحية جديدة، وننضم إلى جماعة جديدة، ونصير أعضاء في جسد واحد رغم انتشارنا في أماكن متفرقة، ولأنَّ العضو يشعر بباقي الأعضاء فهو لذلك يتألم لآلامهم، ويبكي لبكائهم، ويعمل على تحقيق سعادتهم، وتخفيف شقائهم، وتضميد جراحاتهم.
والذي يعتمد لا يولد من اللّه فقط بل يلبس المسيح أيضاً، أي فضائله: " لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ " (غل27:3).
وكما يقول القديس أكليمنضس السكندريّ: " تغسلنا المعمودية من كل عيبٍ، وتجعلنا هيكل اللّه المقدس، وتردّنا إلى شركة الطبيعة الإلهية بواسطة الروح القدس".
بالمعمودية نصير غروس مثمرة في حقل الكنيسة، أعضاء في جسد المسيح، أحياء في الروح الذي به نستطيع أن نقترب من الله، ونصرخ إليه قائلين: أبانا الذي في السموات..
يقول القديس باسيليوس
" إنك قد أصبحت بنعمة الله واحداً من المقربين إذ تحررت من الخطية، وفتح الله لك باب القصر السمائيّ، وأراك الطريق الذي يؤدي إلى هذا القصر المقدس، وأنا أدعوك يا مَن تفوقتَ في الحكمة أن تفرح بهذه النعمة وتفكر فيها، وتنظر لها حتى تحرس هذا الكنز الملوكيّ، فإذا حافظت على هذا الختم سليماً حتى النهاية ستقف عن يمين الله، فستبرق مضيئاً في وسط إشعاعات القديسين، بدون أيّ تشوّه أو فساد على ثيابك الخالدة ".
سمات الحياة الجديدة
يحثنا القديس بولس الرسول على حياة الفضيلة، مُظهراً أنَّها خليقة جديدة فيقول: " الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً " (2كو5: 17).
هذا هو الغرض الذي من أجله قد جاء رب المجد يسوع: تغيير الطبيعة البشرية وتجديدها، لكي يُشكّل عقلاً روحانياً جديداً، ونفساً جديدة، وعيونًا جديدة، وآذاناً جديدة، ولساناً جديداً.. وبالاختصار إنساناً جديداً.
والحق إنَّ الولادة الجديدة، تُحرر الإنسان من قيود الزمان والمكان، لأنَّ الأبدية قد صارت موضوع اشتياقه، وإن كان يحيا في العالم إلاَّ أنَّ العالم لا يحيا فيه، وإن كان يحده جسد ماديّ، لكنَّه يتجاوز محدودياته حتى يصل إلى ملء قامة المسيح فيه، فلا يصبح هو الذي يحيا بل المسيح هو الذي يحيا فيه.
كما أنَّ حواسه تصبح روحية يرى ما لا يراه الإنسان العاديّ، لأنَّ حواسه ترصد له التجليات الروحية من حوله، وتدخل إلى عمق الأشياء وليس ظواهرها، والعجائب تجرى على يديه، لقد صار مركز إشعاع ونور بعد أن نال قلباً جديداً وفكراً جديداً وسلوكاً جديداً وحياة جديدة.
من كان في المسيح يسوع، يتحرر من سلطان الخطية وعبوديتها المرّة، ومن محبّة العالم الزائلة وشهوات الجسد الفانية، إنَّه لا ينشغل بما يُرى بل بما لا يُرى المؤمن الحق لا يتمتع فقط بالتجديد المستمر في داخله، وإنَّما يرى كل شيءٍ جديداً، يتطلّع خلال عيني المسيح فيرى حوله خليقة جديدة.
وتُعد المحبة هى أهم سمات الحياة الجديدة، والحق إنَّ المسيحية غيّرت مفهوم الحُب لدي كثيرين، فلم يعد قائماً على العشق الذاتيّ، والبحث عن المنفعة الشخصية، أو اللذة الجسدية... بل على العطاء أو الإحسان المُطلق الذى يُعطى بلا مقابل.
إنَّه عطاء من أجل الله الذي أعطانا ذاته ذبيحة مقدسة، ثم عاد من وراء القبر ليؤكد تعاليمه التي تنادي بمحبة لا الأقرباء فقط، بل والأعداء أيضاً‍! ألم يقل بولس الرسول: " فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ " (رو3:9)، أليس هذا هو قمة الحب أن يتمنى الإنسان أن يكون محروماً من الحُب الإلهيّ في سبيل إخوته! أليس أوج التضحية أن يرتضي المرء عن طيب خاطر أن يتحمل التعب والآلام في سبيل خلاص الآخرين!
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 05 - 2014, 02:19 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,783

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب إلهي لماذا خلقتني

الفصل التاسع
العبادة والاقتراب من الله
إنَّ الجميع يعبدون شيئاً ما، باستطاعتك أن تذهب إلى أيّ مكان فتجد أشخاصاً كثيرين يتعبَّدون، فلو لم تكن تعبد الله فسوف تجد بديلاً، حتى لو كان هذا البديل هو أنت أو المال أو الممتلكات..! فما هى العبادة؟ وما هو دورها في حياتنا؟ وما هى الأشياء التي تعوقها؟
العبادة ما هى ؟ ولماذا ؟
إنَّ العبادة في أبسط معانيها هى كل الممارسات الروحية التي تُُقرّب الإنسان من الله، إذن فتلاوة الأقوال المقدسة، والترتيل، والتسبيح، والسجود أمام الله.. هى عبادة.
إنَّها الطريقة التي أتفاعل بها مع الله الذي أحبني، فالله هو الذي خلقنا من العدم، وبعدما سقطنا تجسّد ومات على الصليب ليخلّصنا، وإلى الآن يغفر لنا خطايانا ويباركنا ويحمينا ويرعانا... ولهذا نحن نعبده.
أهمية العبادة
إنَّ العبادة تربط العقل بالله، وتجذب الروح إلى السماء، وتُرذل من القلب محبّة العالم، وتُقوّي الرجاء فيتجلّد الإنسان تجاه الضيقات ويصبر على الشرور، وبالحديث مع الله يستنير القلب، ويُمنح الضمير حياءً وعفة، ونتأمل في الملكوت الموضع الذي نحن مزمعون أن نُقدّم فيه السجود بالروح والحق.
والحق إنَّ ظلمة العقل وجفاف الروح.. تبتديء حينما تتهاون وتتراخى في عبادتك، فإذا أهملتها وتكاسلت عن أداء واجباتها، تُفارقك المعونة الإلهية التي كانت تُرافقك، وذلك لأنَّ الانتقال من ناحية اليمين معناه الاتجاه نحو الشمال.
وقد يستمر الإنسان في حياته الفاترة ويتكلم عن الفضائل، ولكن لا فرق بينه وبين الأعمى العادم النور ويُجادل على حسن الألوان الجميلة.
حارين في الروح
لا يمكن أن يكون الإنسان باراً ما لم يكن عابداً حقيقياً بالروح لله، ولهذا يوصي مُعلّمنا بولس الرسول أهل رومية قائلاً: " غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاِجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ " (رو11:12).
وقد وبخ رب المجد يسوع خادم كنيسة لاودكية لأنَّه كان فاتراً " هَكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِداً وَلاَ حَارّاً، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي " (رؤ16:3).
والحق إنَّ العبادة الشكلية هى أشبه بجسد قد نُزعت منه الروح، وهى لا تقود الإنسان إلاَّ إلى الكبت الذي يُعدّ خراباً للشخصية، ونحن نعرف خطورة الضجر على الإنسان، ونعرف أيضاً كم أثّر الفتور والاستهتار على المؤمنين بالسلب! ولهذا لا نتعجب إذا صام إنسان صوماً روتينياً! ثم بعد انتهاء الصوم مارس حياة النهم حتى سقط في خطايا بشعة..
العبادة بفهم
ما الذي يمكن أن نقدّمه لإله يمتلك كل شيء؟ الإجابة: قدّم له قلبك " َتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ " (مر30:12)، فذبيحة الحُب هى أعظم ذبيحة يمكن أن نقدّمها لله.
ولكنَّ الله يريدك أيضاً أن تعبده بفهم ويقظة " تُحِبُّ الرَّبَّ من كُلِّ فِكْرِكَ "، هل تعلم لماذا؟ لأنَّ الله ينظر إليك بشكل دائم، ولا يحوّل عينيه عنك، " يَا رَبُّ قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي، أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ" (مز1:139– 3)، إنّه لا يتوقّف عن التفكير فيك لأنَّه يُحبّك، ولهذا يريد أن نركّز انتباهنا عليه وتمتليء قلوبنا بُحبّه.
الاجتهاد والتغصب
" إنْ كَانَ أحَدٌ يُجَاهِدُ لاَ يُكَلَّلُ إنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيّاً " (2تي5:2)، فكل إنسان لا يُجاهد حسب قامته الروحية والجسدية، لا يتقدّم في حياته الروحية، وسقوطه يكون متواتراًً، أمَّا من يتعب قليلاً في الصلاة والقراءة في الكتاب المقدس... فإنَّ تعزيات الله تملأ قلبه، ويؤهّل لحفظ الملائكة، ويتقدّس بتماجيد الروح وفعل الصلاة...
إلى أيّ شئ تقود الراحة ؟ أليس إلى الهلاك! إنَّها تؤذى أكثر من الشياطين، فالعفة وسط النياحات لا يمكن أن تلبث بغير فساد، ولهذا فإن كل من يرفض أن يسقي بذاره بعرق جبينه، فلن يحصد في النهاية سوى الأشواك.
والحق إنَّ كثيرين يتراخون في عباداتهم، في وقت لا يكلّون في أعمالهم! وها نحن نتساءل: هل يمكن لإنسان أن يلتقي بالله، ما لم يقمع ميوله الحسّيّة ويبتعد عن ملاذه الجسدية؟! أعتقد أنَّ الكمال الروحيّ لا يأتي إلاَّ بعد جهاد عنيف وصراع طويل مع الرغبات والشهوات.. وكد وتعب في الممارسات الروحية للوصول إلى قلب الله لأنَّ " مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ وَالْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ " (مت12:11)، وكما يقول بولس الرسول: " فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ " (أع35:20) .
معوقـات العبادة
إنَّ الخطية هى أكبر حاجز يعوق حياتنا الروحية، ولا يوجد شيء يحجب نور مجد الرب مثل الخطية، لأنَّ الله نور والخطية ظلمة، فهل يمكن للنور والظلمة أن يلتقيا معاً؟!
وهناك الإفراط في المأكل يعوق ممارساتنا الروحية، لأنَّ معرفة أسرار الله لا يمكن أن تُدرك عندما يكون البطن مليئاً بالطعام، ولهذا يقول أحد الآباء: " أفضل لك أن تتخلّف عن الصلاة بسبب الضعف الناتج عن الصوم من أن تتخلّف بسبب الكسل الناتج من الامتلاء ".
ويُعَدّ الاهتمام الزائد بالأمور الجسدية من ملبس ومأكل ومشرب... من أكبر معوقات العبادة الروحية، ولهذا كلّما تخلو أفكارنا من رغبات العالم الفانية، كلّما اشتقنا إلى الحديث مع الله والاهتمام به، والحق إنَّ كل مَن يريد أن يحيا بالروح يجب أن يتهاون بأمور الجسد التافهة لأنَّه كلّما يصغُر الٍٍعالم في نظرك تتزايد محبة الله في قلبك وتأتيك نعمة الروح القدس.
أمَّا الأحاديث الباطلة فهى تحجب عنّا نور النعمة، كما تحجب الغمامة نور الشمس، وهى تؤدي إلى تشتت الفكر في الصلاة.. ولهذا يقول الشيخ الروحانيّ: " إنَّ كثرة الكلام تولّد الضجر للسامع والمتكلم ".
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
يا إلهي أنت خلقتني، فلتتكرم وتعيد خلقتي
يارب لماذا اعيش ضعيفا وانت خلقتني اقوي انسان
إلهي لماذا خلقتني أعمى، مريض، فقير..
لماذا قال المسيح إلهي إلهي لماذا تركتني
كتاب إلهي لما خلقتني؟ للراهب كاراس المحرقي


الساعة الآن 04:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024