الحُب في مفهومه الساميّ خروج عن عزلتنا الأليمة، وتحطيم لقوقعتنا الذاتية، وانتصار على أنانيتنا الجامحة، فإن كنت تريد أن تكون منعزلاً وحدك، منشغلاً بذاتك، تُفضّل العيش في عالم كل سكّانه شخص واحد، فتأكد أنَّ الأنانية سوف تُحطّمك وتنزع من يدك كل ما تقبض عليه من قيم! ولكن يجب أن تعلم أن الوردة لا يستطيع أحد أن يتمتع بحسن جمالها أو عبير رائحتها، إلاَّ إذا خرجت من بُرعومها، والفراشة لا تطير إلاَّ إذا حطّمت شرنقتها!
إنَّ الإنسان عندما يُحِب تبدو له الحياة جميلة، بل أيقونة رائعة الجمال، فحياة بلا حُب هي حياة بلا معنى، صفر من كل قيمة، وما الحياة إلاََّ سيمفونية رائعة على قيثاراتها يعزف الإنسان أنغام الحُب، فإن خلت نغماتها من الحُب تحوّلت إلى نَشَاز مكروه، لا يُطرب النفس بل يُزيدها قلقاً واضطراباً من الوجود!
إنَّ الحُب الناضج فيه شيء من العقل، وشيء من القلب، وشيء من الجسد، فأنا عندما أُحِب الله أتأمل فيه بعقلي، وأشعر به بقلبي، وأسجد له بجسدي.. فالحُب إذن يتطلب البذل، وما هذا إلاَّ اعتراف بقيمة الآخرين في حياتي، فليس البشر مجرد آلات منتجة أُحرّكها كما أشاء لكي يتحقق لي بواسطتها رغباتي! إنََّما الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله، فهو إذن أيقونة الوجود، بل أعظم ما في الوجود، والويل لمن يذله، أو يستعبده، أو يستغله بصورة خاطئة..!
ألم يبذل المسيح ذاته؟! ولماذا بذلها؟! أليس حباً لنا ورغبة فى خلاصنا؟! وبهذا علّمنا أنَّ كل من امتلأ قلبه بالحُب، لا ينفق بسخاء من ماله فقط، بل من صميم ذاته يُعطى الآخرين! أمَّا الكراهية فتسد آذانها عن سماع أنين المحتاجين! وتضع على عينيها عمائم الأنانية! وتُثبّت فوق وجهها قناع الصلابة! والصلابة تعرف كيف تغلق سائر المنافذ، حتى لا يصل صوت القريب والغريب إلى قلبها المقفر الخالي من الثمر!
يقول رب المجد يسوع: " إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ ؟ " (مت5 :46), وهذا يؤكد لنا أنَّ الحُب الحقيقيّ يمتد لكي يشمل الإنسانية كلها، وفى مقدمتهم الضعيف والفقير والمنبوذ والخاطيء..