لا معقولية معجزات وأساطير هذه الكتب الأبوكريفية
4 – لا معقولية معجزات وأساطير هذه الكتب الأبوكريفية:
وعلى عكس ما جاء في الأناجيل القانونية (الإنجيل بأوجهه الأربعة)، وما جاء في تقليد الكنيسة وكتب آبائها، تمتلئ هذه الكتب الأبوكريفية الأسطورية بالأفكار الخرافية والخيالية فتنسب للمسيح، في ميلاده وطفولته، أعمالا خيالية لا مبرر لها كسجود التنانين والأسود والنمور والثيران والحمير له! بل ونرى الطفل يسوع، طفلًا مشاكسًا متقلبًا ذا طبيعة تدميرية يؤذى معلميه ويتسبب في موت رفقائه بصورة إعجازية لا مبرر لها، تمزج قدرة الله بنزوات طفل مشاكس! وغير ذلك من الأفكار الأسطورية الخرافية المتأثرة بالفكر الإغريقي الهيلينسيتى والتي تشبع فضول البسطاء والعامة الذين اعتادوا سماع مثلها في دياناتهم الوثنية السابقة لاعتناقهم المسيحية.
يقول العالم الإنجليزي وستكوت: "في المعجزات الأبوكريفية لا نجد مفهوما سليما لقوانين تدخلات العناية الإلهية، فهي تجرى لسد أعواز طارئة، أو لإرضاء عواطف وقتية، وكثيرا ما تنافي الأخلاق، فهي استعراض للقوة بدون داع من جانب الرب أو من جانب من عملت معه المعجزة" (7).
"وهذا يكشف تصورات وأفكار قادة بعض الفرق الهرطوقية الذين كتبوا تراثًا ضخمًا من الكتابات الأبوكريفية التي تكشف عن عقائدهم وفلسفاتهم وخرافاتهم في شخصية المسيح في طفولته، التي جعلوا منها طفولة مفعمة بالمعجزات والقدرات التي تخالف ناموس الطبيعة".
يقول قاموس الكتاب المقدس، تحت مادة الأناجيل غير القانونية، عن هذه الكتب الأسطورية، الأناجيل المنحولة: "وأما موضوع هذه الأناجيل فوصف لحالة يوسف والعذراء مريم، والعجائب التي عملها المسيح في حداثته، وما شاهده في الهاوية وغير هذه مما يرضي عقول السذّج ومن شابههم من العامة الذين يرتاحون إلى مثل هذه الأساطير وأخبار القصصيين. أما نقص هذه الأناجيل فظاهر لأنها تناقض روح المخلص وحياته، على أنها دليل على صحة الأسفار القانونية دلالة النقود الزائفة على وجود النقود الصحيحة الخالصة".
ويقول أحد الكتاب: "أن كتبة ومؤلفي هذه الأناجيل كانوا مسيحيين متأثرين بالغنوسية أرادوا أن يقدموا سيرة للمسيح تتفق مع أفكارهم الغنوسية والتي هي خليط من عقائد وفلسفات وأساطير وخرافات شتى: يهودية ومسيحية وفارسية ويونانية ورومانية الخ أرادوا أن يحيطوا المسيح حتى في طفولته بهالة من القداسة والمعجزات فاخذوا ينسجون حوله معجزات غريبة فجة تتنافي مع الذوق والضمير والأخلاق, كانت العبرة عندهم بحشو أناجيلهم بالمعجزات بصرف النظر عن مضمونها والهدف والمغزى منها فالطفل يسوع كان قادرا على كل شئ, وكدليل على ذلك نسبوا له معجزة خلاصتها انه كان يقتل الأطفال رفاقه عندما يلعب معهم عندما يغضبوه!!
والغريب أن هذه الأناجيل الساذجة (أناجيل الطفولة) تنفرد ببعض المعجزات التي اختلقها مؤلفوها والتي لم توجد إلا بهذه الأناجيل ولم ترد في الأناجيل الأربعة ولا في عشرات الأناجيل المنحولة (الأبوكريفا Apocrypha) الأخرى مثل أن المسيح كان يتكلم في المهد وانه كان يخلق من الطين كهيئة الطير".
ويقول عما جاء بالكتاب المسمى بإنجيل الطفولة لتوما: "هذا الإنجيل الملئ بالخرافات والخزعبلات التي اختلقها مسيحي غنوسي إيمانا منه أن هذا سيزيد من عظمة المسيح في فترة طفولته المسكوت عنها في الأناجيل الأربعة, فاخذ يطوف بخياله وينسج قصصا إعجازية تصل إلى درجة الإسفاف والانحطاط أحيانا, فيظهر المسيح الطفل بصورة الساحر المتمكن من فن السحر لكي يبرهن على قدرته فيصنع معجزات خارقة لا هدف من ورائها إلا أظهار العضلات فيعذب من يشاء ويقتل من يشاء وينتقم ممن يشاء!! فصارت المعجزة عند المسيح الطفل قوة غاشمة غبية صبيانية لا هدف أخلاقي أو إنساني لها".
وتقول دائرة المعارف الكتابية، تحت كلمة أبوكريفا؛ "في كل هذا النوع من الأناجيل، نلاحظ أن رغبة كتاب الأناجيل غير القانونية في مضاعفة المعجزات، جعلتهم لا يعيرون أي اعتبار للمدة التي مضت من حياة المسيح بين الاثنتي عشرة والثلاثين من العمر، ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو أن أخبار هذه الفترة من حياة المخلص، لا تصل بهم إلى هدف عقائدي معين".
وتعتمد هذه الأساطير بالدرجة الأولى على كتابين هما، الكتاب المسمى بإنجيل يعقوب البدائي، والذي يركز على مكانة العذراء السامية وقصص معجزات الحمل والميلاد الأسطورية، المستمدة أصلًا من الإنجيل القانوني، والكتاب المسمى بإنجيل توما الإسرائيلي، والذي يركز على معجزات المسيح الأسطورية في طفولته. وقد كان هذان الكتابان هما الأساس لكل ما كتب بعد ذلك في هذا الشأن. وقد كتب الأول لتمجيد العذراء القديسة مريم ويروى أحداث إعجازية تخص ميلادها ونشأتها، بينما يقدم الثاني الطفل يسوع في شكل غريب وشاذ جدًا، بل وفي صورة لا يذكرها أي كتاب أرثوذكسي، لأي كاتب من آباء الكنيسة، بأي شكل من الأشكال، وتصاغ مادته بأسلوب أدبي أسطوري يقدم الطفل يسوع كامل المعرفة والحكمة والعلم على الإطلاق وبدون تحفظ. وعلى عكس الإنجيل القانوني الذي يقول أنه كان ينمو في المعرفة والحكمة بحسب نموه الجسدي وتقدم عمره الزمني، وأنه كان يحجب ويخفي لاهوته وأنه لم يكشف عن معرفته الكلية إلا بعد حلول الروح القدس وبدء خدمته، بحسب تدبير التجسد، فقد ظهر الطفل يسوع في هذا الكتاب، والكتب التي أخذت عنه، كطفل عبقري كامل المعرفة والعلم، ونسب له معجزات صارخة وملفته بصورة غير مبررة، تختلف بدرجة عظيمة عن صورته في الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة المتميزة بالبساطة والسمو والرفعة بدون تكلف.
كما اتخذت هذه الروايات مما جاء في الإنجيل للقديس لوقا عن دخوله الهيكل في سن الثانية عشرة عندما كان: "جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته" (لو2:46و47)، وسجله الإنجيل في شكل تلقائي وبسيط، ونسجت حوله روايات خيالية مبالغ فيها وغريبة، حيث صورت الطفل يسوع وهو يعلن معرفته اللانهائية، ويكشف عن حقيقة لاهوته وحكمته بأفعاله وأقواله، وكونه كاشف الأسرار بلا حدود ومالك الحكمة الإلهية في ملئها وكمالها المطلق، وبصورة دوسيتية غنوسية، وبأسلوب يدل على أن الكاتب كان واسع الخيال جدًا، خاصة في تصويره للحياة اليومية لطفولة المخلص (8).
ويقول أحد الدارسين تتساوى هنا معجزات يسوع بما هو معروف في العالم الهيلينستي وينقصها أسلوب المسيحية الحقيقية بشكل ملحوظ، فهي ببساطة تمجد الشاب يسوع الذي يستطيع أن يفعل ما هو ملائم لفائدته جسديًا وعاطفيًا (9).
ويقدم الكتاب الأسطوري، المسمى بإنجيل توما، والكتب التي أخذت عنه، الطفل يسوع بشكل مريع، وكطفل عنيف ومشاكس وسريع الغضب والانفعال، يلعن الولد الذي هدم أحواض المياه التي عملها يسوع فيموت، ويجعل الطفل الذي يصطدم به يموت بلا ذنب جناه سوى أنه أصطدم به دون أن يقصد!! ويتسبب في موت وإصابة أكثر من معلم من المعلمين الذين أرادوا أن يعلموه، فكان هو أكثر علما منهم، فضربوه حتى أغتاظ ولعنهم فماتوا!! وكان قادرًا دائمًا على أحياء الموتى خدمة لأمه أو للناس أو لتبرئة نفسه من تهمة التسبب في موتهم!! بل وعندما كان يخطيء يوسف في عمله كنجار ويقيس الخشب ويقطعه بصورة خاطئة يصلح له الطفل يسوع ذلك بأن يجعل الخشب يتمدد لأي طول يحتاجه بصورة إعجازية، فقد كان يعمل المعجزات بلا مبرر ولا هدف سوى أظهار مقدرته على ذلك (10)!!