القديس مرقس وإنجيله
حياة القديس مرقس الرسول:
اسمه الأصلي يوحنا أو يوحنان ويعنى "يهوه يوحنان"، "الرب حنان" ولقبه أو أسمه الروماني "مرقس" ويعنى "مطرقة ذات رأس خشبية"، وأول ما ذكر، ذكر في سفر الأعمال ب "يوحنا الملقب مرقس (53)"، وفيما بعد ساد لقب مرقس وأصبح يدعى به وحده.
ونعرف من سفر الأعمال أن منزل والدته "مريم أم يوحنا الملقب مرقس (53)" كان مقرًا لاجتماع الرسل في أورشليم، وكان المؤمنون مجتمعين فيه للصلاة وقت سجن بطرس "فكان بطرس محروسًا في السجن. أما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله" (54) وبعد خروجه من السجن (سنة 44م) في تلك الليلة جاء بطرس "وهو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون" (55). وقد أجمع أكثر العلماء والدارسون والمؤرخون على أن هذا البيت كان هو البيت الذي تنازل فيه السيد المسيح الفصح مع تلاميذه والعلية التي كان يجتمع فيها الرسل في أورشليم قبل صعود السيد وبعد صعوده والتي حل فيها الروح القدس على التلاميذ (56)، وكان أول كنيسة في العالم، أو كما تقول دائرة المعارف البريطانية في طبعتها الحادية عشر أن بيت مرقس كان مركزًا للحياة المسيحية في أورشليم (57).
ويؤكد جميع الدارسين أن القديس مرقس كان هو الشاب الذي تبع السيد ليلة القبض عليه والذي كان "لابسًا إزارًا على عريه فأمسكه الشبان. فترك الأزرار وهرب منهم عريانًا" (58). فهو وحده الذي يذكر هذا الحدث، ولو لم يكن لهذا الحدث قيمه بالنسبة له لما ذكره. ويقول أحد العلماء ويدعى Lange أن والدته كانت تمتلك بستان جثسيماني أو منزل قريب منه. كما يؤكد بعض الآباء مثل أوريجانوس وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص ويجمع جميع مؤرخى الكنيسة القبطية في كل العصور على أن القديس مرقس كان أحد السبعون رسولًا الذين عينهم الرب "وأرسلهم الرب أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل مدينة أو موضع حيث كان هو مزمعًا أن يأتي" (59). ومن ثم تلقبه ب "ناظر الإله الإنجيلي" باعتباره أحد الذين شاهدوا الرب وسمعوه، أحد شهود العيان.
وأول ما يذكر القديس باسمه يذكر كابن للسيدة التي كان بيتها مقرًا لاجتماع السيد المسيح وتلاميذه ورسله في أورشليم، والتي كانت أيضًا إحدى المريمات تلميذات الرب (60). ثم يذكر بعد ذلك مع خاله برنابا وبولس الرسول (شاول) اللذان أخذاه معهما للكرازة (61) (سنة 49م) وكان معهما في سلاميس ولكنه "فارقهم ورجع من بمفيلية" (63) إلى أورشليم" (64).
وفى سنه 51م رفض بولس الرسول أن يذهب معهما مرقس في رحلتهما التالية بسبب تركه لهم "من بمفيلية"، فأخذه خاله برنابا وذهبا إلى قبرص بعد أن انفصلا عن بولس الرسول (65). ولكن في سنه 63م وبعد ذلك بحوالي 12سنه يتكلم عنه القديس بولس كالعامل معه في حقل الكرازة ويوصى به أهل كولوسي "يسلم عليكم أرسترخس المأسور معي ومرقس أبن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله وصايا.. أن أتى إليكم فاقبلوه" (66). وفى سنه 67 وقبل استشهاد القديس بولس يستدعيه مع تيموثاؤس لحاجته إليه للعمل في حقل الكرازة بروما، فيقول لتلميذه تيموثاؤس "خذ مرقس وأحضر معك لأنه نافع لي للخدمة" (67). وهذا يدل على أن القديس مرقس كرز في اليهودية وفى قبرص وإنطاكية وبمفيلية في آسيا الصغرى وفى كولوسي وروما، ويذكره القديس بولس ضمن العاملين معه في روما "ومرقس وأرسترخُس وديماس ولوقا العاملون معي" (68).
ثم يدعوه القديس بطرس في رسالته الأولى إلى "المغتربين من شتات بنطس وغلاطية وكبدوكية وآسيا وبيثينينة" (69) بابنه "تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني" (70) مما يوحى بأنه كرز معه في هذه البلاد.
كرز القديس مع خاله برنابا وبولس الرسول، كما كرز مع القديس بولس والقديس بطرس بعد ذلك في بلاد كثيرة وأشترك معهما في تأسيس كنيسة روما ثم ذهب بعد ذلك للكرازة في الخمس مدن الغربية بليبيا ومنها ذهب للكرازة في الإسكندرية حوالي سنة 61م ونشر الإيمان بناء على طلبه سنة 67م. وبعد استشهاد القديس بطرس والقديس بولس عاد ثانيه إلى الإسكندرية حتى أستشهد فيها حوالي سنة 68م.