مقدمة
يعتبر القديس العظيم مارمرقس الرسول قيمة عالية جدًا وفائقة للغاية. فهو الذي ولدنا في المسيح يسوع ربنا، وإليه يعود إيماننا الأقدس كقول الكتاب: "أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" (1كو4:15). وكما يقول قداسة البابا شنوده الثالث أدام الرب حياته: "إننا مدينون لهذا القديس العظيم الذي كرز في بلادنا باسم المسيح، وسفك دمه الطاهر على أرضنا من أجل توصيل كلمة الرب إلينا".
ومن ثم أصبح القديس مار مرقس هو الأب الأول لنا في الإيمان بالمسيح إلهنا وفادينا ومخلصنا، وهو الذي سعى بنا نحو الأبدية، وهو الذي أدركنا به ملكوت السموات، وهو الذي أعطانا خبز الحياة النازل من السماء كقول رب المجد يسوع المسيح "من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية... يثبت فىّ وأنا فيه... فمن يأكلني فهو يحيا بى..." (يو6: 54-57).
والقديس مار مرقس هو النور الذي أضاء علينا، وبدد الظلمة التي كنا نعيش فيها. فصار نوره نهارًا مقدسًا ندركه ونحيا فيه. نهار الإيمان بالمسيح إلهنا وفادينا ومخلصنا. نهار الحياة الأبدية. لذلك فالقديس مارمرقس هو عطية الله لنا، وهو النعمة التي نتمتع بها على الدوام. القديس مار مرقس هو سر وجودنا في المسيح يسوع.. وهو سر الحب المتدفق في قلوبنا نحو الله إلهنا.
القديس مارمرقس هو كاروز مصر ومدبرها الأول. هو مؤسس كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، كنيسة الإسكندرية المجيدة بكل حياتها وتاريخها المقدس، وبكل عمقها الروحي السمائي، بكل آبائها وقديسيها الموجودين فيها.
القديس مارمرقس ضرورة تاريخية بل وحتمية في تاريخ كنيستنا المقدسة، لأنه هو الذي صنع وصاغ هذا التاريخ المقدس منذ بدايته. لأنه في البدء جاء القديس مرقس إلى مصر. جاء بنوره ليشرق علينا.. جاء بإيمانه ليمكث فينا.. جاء بعمله الرسولي ليثبت عندنا ويكون مركز كرسيه لدينا.. جاء بإنجيله لنستنير.. جاء بتعليمه لنثبت.. جاء بأبوته لنصير رعيته ونصبح أولاده، جاء وبذل كل الجهد وكل التعب في الكرازة والبشارة والخدمة وتأسيس الكنيسة حتى نال إكليل الشهادة بسفك دمه الطاهر على أرض مصر التي حولها من أرض الفراعنة إلى أرض القديسين.
بهذا صنع القديس مارمرقس تاريخه الخاص به وسجله بحروف من نور. فهذا تاريخ مار مرقس، وهذه قصة مارمرقس ناظر الإله الإنجيلي والطاهر والشهيد.
ولكن في نفس الوقت هذا التاريخ المقدس الذي لأبينا القديس مارمرقس هو جزء من تاريخ كنيسة الإسكندرية المصرية. فلا يمكن أن نكتب تاريخ كنيستنا، أو نسجل أحداثها إلا ولابد أن نذكر القديس مارمرقس فيها، ودوره في تأسيس كرسى الإسكندرية الرسولي... بحق إن تاريخ القديس مارمرقس الخاص والذي صنعه شخصيًا هو نفسه تاريخ كنيسة الإسكندرية.
ومن هنا كان القديس مارمرقس ضرورة تاريخية في حياتنا الكنسية، وحتمية لتاريخ كنيستنا المقدس.. وهكذا يتبارك ويتقدس ويتأصل تاريخ الكنيسة عندما يسجل في أول تاريخه سيرة وحياة وأعمال القديس العظيم مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية.