الحكمة الروحية والبساطة
العقل هو الملك الرقيب على الحواس والأفكار، والإفراز هو الحكمة الروحية والرأى السديد الصائب الذى يتعلمه الإنسان من علاقته بالله والكتاب المقدس كما يتعلمه من كثرة المشورة وسؤال العقلاء والحكماء الروحانيين والشيوخ المختبرين.
الإفراز يوصل الإنسان إلى الإعتدال، والإعتدال فى الحياة الروحية وفى الممارسات النسكية هو الطريق الوسط الملوكى الهادئ الذى يوصل إلى الهدف بسلام. وتوجد حكمة مشهورة عند الآباء الرهبان يرددونها كثيرًا قائلين "الطريق الوسط خلص كثيرين" أي أن الإعتدال والبعد عن التطرف والمغالاة يوصل كثيرين إلى طريق الخلاص والحياة الأبدية.
لذلك كان المرنم يصلى لله بحرارة أن يهدى خطواته فى الطريق المستقيم فلا ينحرف ولا يتطرف يمينًا ولا يسارًا فيقول "عرفنى يارب الطريق التى أسلك فيها لأنى إليك رفعت نفسى. علمنى يا رب أن أصنع مشيئتك لأنك أنت هو إلهى. روحك القدوس فليهدنى إلى الطريق المستقيم" (مز 143: 8-10) والطريق المستقيم هو الطريق الوسط. والخط المستقيم هو أقصر الطرق للوصول إلى الهدف.
الفضيلة دائمًا هى الطريق الوسط بين رذيلتين، والإنسان الذى يمارس الفضائل بحكمة وإفراز يسير دائمًا فى الطريق الوسط المعتدل المستقيم عالمًا أن الإفراط (المغالاة والتطرف اليمينى فى الفضيلة) مثل التفريط (التهاون اليسارى فى الرذيلة) وكلاهما له نتيجة واحدة هى ضياع الفضيلة وفقدانها.
ينصحنا ربنا يسوع المسيح قائلًا "كونوا حكماء كالحيات بسطاء كالحمام" (مت 10: 16) أى إمزجوا الحكمة بالبساطة فتكون لكم الحكمة البسيطة والبساطة الحكيمة، لا تتطرفوا فى الحكمة فتتحول إلى خبث ومكر ولا تتطرفوا فى البساطة فتصل إلى البلاهة. سيروا فى الطريق الوسط الملوكى كما قال موسى عظيم الأنبياء "فى طريق الملك نمشى، لا نميل يمينًا ولا يسارًا" (عدد 20: 17).
والذى يسير فى الطريق الوسط المعتدل المستقيم فى ممارسة الفضيلة يسير بخطى ثابتة متمكنة فينجو من الهزات والشطحات ويكمل مسيرته الروحية بسلام وأمان. ويقول فى ذلك إشعياء النبى "ذو الرأى الممكن تحفظه سالمًا سالمًا" (أش 26: 3) كما يقول "طريق الصديق إستقامة (أى إعتدال)" (أش 26: 7).
وكان القديس العظيم الأنبا أنطونيوس أب الرهبان معتدلًا فى نسكه فنقرًا عنه أنه أمضى عشرين سنة فى المغارة فى الصوم والنسك وخرج منها لا نحيفًا ولا بدينًا، وهذا كنتيجة لإعتداله وإتزانه فى النسك والصوم والعبادة.