المقطع الأول: رسالة العبرانيين 10 : 5 – 7.
" لذلكَ قالَ المسيح لله عندَ دخوله العالم: " ما أردتَ ذبيحة ولا قرباناً، لكنَّكَ هيأتَ لي جسداً، لا بالمحرقات سُررتَ ولا بالذبائح كفارة للخطايا. فقلتُ ها أنا أجيءُ يا الله لأعمل بمشيئتكَ، كما هوَ مكتوبٌ عنّي في طيِّ الكتاب ".
المقطع الثاني: رسالة كولوسي 2 : 16 – 23.
" لا يحكم عليكم أحدٌ في المأكول والمشروب أو في الأعياد والأهلّة والسبوت، فما هذه كلها إلاَّ ظلّ الأمور المستقبلية، أمَّا الحقيقة فهيَ في المسيح ... لماذا تخضعون لمثلِ هذه الفرائض: " لا تلمس، لا تذق هذا، لا تمسك ذاك "، وهيَ كلها أشياء تزول بالإستعمال ؟ نعم، هيَ أحكام وتعاليم بشرية، لها ظواهر الحكمة لما فيها من عبادة خاصة وتواضع وقهر للجسد، ولكن لا قيمة لها في ضبط أهواء الجسد ".
المقطع الثالث: رسالة غلاطية 6 : 13 – 14.
" لأن الذين يُمارسون الختان هم أنفسهم لا يعملون بأحكام الشريعة، ولكنهم يريدون أن تختتنوا ليفاخروا بجسدكم. أمَّا أنا فلن أفاخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح. بهِ صارَ العالم مصلوباً بالنسبة إليَّ وصرتُ أنا مصلوباً بالنسبةِ إلى العالم ".
قالها بولس بالفم الملآن وبرهنت كتابات العهد الجديد أنهُ عاشها اختبارياً " أمَّا أنا فلن أفاخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح. بهِ صارَ العالم مصلوباً بالنسبة إليَّ وصرتُ أنا مصلوباً بالنسبةِ إلى العالم ".
وكم هوَ كبيرٌ الفارق بينَ أن أحفظ الكلمة وبينَ أن أعمل بها وأحياها وهذا ما أحسستُ أن الروح القدس يريد أن يعلمنا إياه في هذا الصباح.
يعرف أغلب المؤمنون حولَ العالم تماماً، ويؤمنون تماماً أيضاً أنهُ لا يوجد سوى ذبيحة واحدة وصليب واحد أرضيا الله، إنهُ الرب يسوع المسيح.
لكنَّ السؤال يبقى هل نطبق ذلكَ عملياً في حياتنا وممارساتنا اليومية ؟
وبسؤال أوضح هل عندما نخطىء نأتي ببساطة وبسهولة إلى عرش النعمة نغتسل بدم المسيح – الذبيحة الوحيدة – ونستعيد بسرعة شركتنا مع الآب السماوي ونرفض كل شعور وإحساس بالذنب ؟ أم نفتش عن ذبائح أخرى ؟ وهل نأتي بقيودنا أي الخطايا المتكررة في حياتنا إلى صليب المسيح واثقين أن إنساننا العتيق قد صُلِبَ هناك مع المسيح، ونسأل معونة الروح القدس لنتحرر ؟ أم إننا نفتش عن صلبان أخرى أو نصنع صلبان خاصة، نصلب أنفسنا عليها ونغدو في النهاية شهداء ؟
سوفَ أوضح !!!
الموضوع يبدو عميق جداً وكلما توغلنا فيه قد نكتشف أعماق جديدة، لكننا في هذا الصباح لنا هدف واحد، ليسَ الدراسة والتعمق وتعبئة أذهاننا بكمية كبيرة من المعلومات الجديدة، إنما هدفنا أن نتعلم درس بسيط وعملي أراد الروح القدس أن يوصلهُ لنا.
قد يبدو هذا الكلام غريب على كثيرين منَّا، لكننا إذا أعطينا الفرصة للروح القدس أن يتكلم إلينا بهدوء وتواضعنا تحتَ يد الله لأكتشفنا أننا جميعاً وعدة مرات نفتش عن ذبائح أخرى وصلبـان أخـرى دون أن ندري !!!
أوصى الله شعبهُ في العهد القديم التقيّد بسلسلة من الوصايا والممارسات والطقوس، لا سيما في ما يتعلق بالذبائح، ولو تأملتَ بهذه الأسفار لأدركتَ حجم هذه الذبائح الشخصية والجماعية، اليومية والسنوية وغيرها والتي كان يقدمها الشعب والكهنة من أجل تكفير الخطايا، لكنَّ رسالة العبرانيين والتي أدرجنا منها مقطعاً في بداية هذا التأمل أوضحت أنه لمَّا جاءَ ملء الزمان أرسلَ الله ابنه الوحيد الرب يسوع المسيح ذبيحة واحدة لا بديل عنها، ووحدها التي أرضتهُ وبدونها لا نستطيع التقدم من الله أو الدخول إلى عرش النعمة لنجد عوناً كلَّ حين، وهيَ تقول بوضوح: " ما أردتَ ذبيحة ولا قرباناً... لا بالمحرقات سُررتَ ولا بالذبائح كفارة للخطايا "، إذن بماذا سُرَّ الرب ؟ تقول الكلمة: " هيأتَ لي جسداً "، جسد من ؟ جسد الرب يسوع المسيح – الذبيحة الوحيدة !!!
كما أن الوصايا في العهد القديم طلبت من الناس جملة من الترتيبات في موضوع المأكول والمشروب وعدم مسّ أشياء معينة والتمسك بأيام دون الأخرى ... إلخ، لكنَّ رسالة كولوسي جاءَت لتؤكد أن هذه الأمور كلها ما كانت إلاَّ ظلّ الأمور المستقبلية، أمَّا الحقيقة فهيَ في المسيح !!!
كما أن الوصايا في العهد القديم طلبت من الشعب أن يختتنوا، والذي هوَ رمز عن استئصال جسد الخطيئة والإنفصال عن العالم والتكريس لله، لكنَّ بولس يؤكد لنا في رسالة غلاطية قائلاً: " لا الختان ولا عدمهُ ينفع الإنسان"، مُردداً الآية العظيمة:
" أمَّا أنا فلن أفاخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح. بهِ صارَ العالم مصلوباً بالنسبة إليَّ وصرتُ أنا مصلوباً بالنسبةِ إلى العالم ".
العهد القديم ....... ذبائح أخرى ؟
نعم – بقــر، ثيران، تيوس، حمام، يمام ... إلخ.
العهد القديم ........ صلبان أخرى ؟
نعم – قهر الجسد بالمأكول والمشروب وعدم مسّ أشياء معينة، الختان ... إلخ.
تقول الكلمة عنها أنها كانت ظلّ للأمور المستقبلية إلى أن جاءَ ملء الزمان وأرسلَ الله ابنه الوحيد المحبوب الرب يسوع المسيح الذي تجسَّدَ من مريم العذراء، آخذاً جسداً ليشاركنا في اللحم والدم ويذهب إلى الصليب ويقدم نفسهُ ذبيحة لمرة واحدة فداءً للبشرية جمعاء صارخاً: " قد أكمل " حيثُ أصبحَ لنا:
" ذبيحة واحدة وصليب واحد "
والآن أينَ نحنُ من هذا كلهُ في العهد الجديد ؟ هل ما زلنا نقدم ذبائح أخرى ؟ ونلجأ إلى صلبان أخـرى أيضـا ً؟
ببساطة نعم !!!
كيف نفعل ذلكَ ؟ وما هي ؟
ظاهرياً قد لا تجد أنكَ تقدم ذبائح أخرى أو تلجأ إلى صلبان أخرى، لكن لو سمحتَ للروح القدس أن يدخل في هذا الصباح إلى كل الأماكن التي يرغب أن يدخلها وربما للمرة الأولى، وسمحتَ له أن يفتش الدواخل، ولو قررتَ أن تكون مدققاً بين السطور كما يُقال أو في جوهر الأمور ودوافعها، لساعدتني وساعدتَ نفسك واكتشفتَ كمية لا بأس بها من الذبائح والصلبان الأخرى !!!
ما هيَ ردة فعلك عندما تخطىء ؟ هل وببساطة الأطفال تأتي إلى الآب معترفاً بهذه الخطيئة، مغتسلاً بدم المسيح، مستعيداً بلحظات قليلة الشركة مع الآب وناسياً تلكَ الخطيئة ؟
أم أنكَ تقع في حيرة وسيل من الأسئلة التي توجهها إلى نفسك ؟ كيفَ أرتكب هذه الخطيئة ؟ وتقع تحتَ وطأة الإحساس بالذنب، وتشعر بعدم الإستحقاق في الدخول إلى محضر الآب، وتشعر بأنكَ تخجل أن تنظر إليه وتكلمهُ مجدداً بجرأة وبدالة البنين ؟
وتكمل الأسئلة، ما هوَ النقص في حياتي الروحية الذي جعلني أقترف هذا الخطأ ؟ هل أصلي يومياً الوقت الكافي ؟ هل أقرأ الكلمة كما يجب ؟ هل أقوم بدوري في الكنيسة بطريقة دقيقة وكافية ؟ وماذا ستكون نتيجة هذه الأسئلة وماذا سيكون جوابك ؟
بالطبع ستجد نفسك مقصراً في كل هذه الأمور وهذا شيء طبيعي !!!
وستبدأ عملية إصلاح نفسك بزيادة الوقت والمرات للقيام بكل هذه الأمور، وستنجح بقوة الإرادة لفترة محددة، وستبدأ مجدداَ بالرضى عن نفسك وستشعر بأنكَ تقوم بدورك على أكمل وجه، وبعدها سوفَ تستعيد الشعور بأنكَ مقبول لدى الله مجدداَ، وتدخل إلى عرش النعمة من جديد بجرأة شاعراً أنه رضيَ عنكَ وعن سلسلة الإصلاحات التي قمتَ بها، ولن تخجل الآن من التكام معه والصلاة والطلبات من جديد !!!
وهنا آتي لكي أسألك ما هي الذبيحة التي تقدمتَ بها من الآب ؟ هل هيَ الذبيحة الوحيدة، الرب يسوع المسيح ودمهُ الثمين ؟ أم هيَ ذبائح أخرى ؟ وهل بدأتَ تكتشف تلكَ الذبائح ؟
أسئلة أتركها معك !!!
هذا الكلام يتعلق بخطيئة أقترفتها وبذبيحة قدمتها، والآن ماذا عن الخطايا المتكررة والتي أصبحت قيداً في حياتك ؟ كيفَ تتغلب عليها وتتحرر منها ؟
تصوم لفترة طويلة ؟ تحرم نفسك من مأكولات أو أمور تحبها ؟ تبدأ بزيارة المرضى والمحتاجين وتقدم لهم من وقتك ومالك ؟ تبدّل مقعدك في الكنيسة من الوسط إلى الأمام ؟ تدخل في خدمات كثيرة في الكنيسة (رعاية، تشفع، تدبير ... إلخ)، أم إذا تعرضت لضيقات مادية أو أمراض تعتبرها صليب يومي يقتضي أن تحتمله لكي يموت الجسد ويتقدس أكثر ويتخلى عن شهواته ؟ معتقداً أنكَ بهذا تقهر وتستعبد هذا الجسد الشرير مُجبراً إياه أن يتقدس أكثر لكي يتخلى عن شهواته وقيوده وقد تقوم بأمور أخرى مشابهة وكثيرة وهي قد تختلف من شخص إلى آخر !!!
ناسياً إنها أمور مشابهة لما قالته رسالة كولوسي " هيَ أحكام وتعاليم بشرية، لها ظواهر الحكمة لما فيها من عبادة خاصة وتواضع وقهر للجسد، ولكن لا قيمة لها في ضبط أهواء الجسد ".
وناسياً الصليب الوحيد – صليب الرب يسوع المسيح – الذي وحدهُ يستطيع أن يُحررك من هذا القيد إذا آمنتَ بما عملهُ الرب من أجلك عنما صَلبَ أنسانك العتيق ليحررك من جسد الخطيئة وسلطانها، وناسياً طلب معونة الروح القدس الذي يأخذ من عمل الصليب ويُساعدك يومياً لتختبر حياة النصرة والتحرر.
والآن هل اكتشفتَ هذه الصلبان الأخرى التي نستخدمها ونلجأ إليها لنصلب أنفسنا عليها ؟
أرجوك لا تستغرب هذا الكلام، كلنا يفعل ذلكَ وباستمرار، ربما تختلف ذبائح وصلبان شخص عن ذبائح وصلبان شخص آخر، لكنَّ الروح القدس سيكشف لكل واحد منَّا ذبائحه وصلبانهُ.
والآن ألم يتبادر إلى ذهنك أسئلة تقول: هل أصبحت الصلاة وقراءة الكلمة والخدمة في الكنيسة وزيارة المرضى ومساعدة المحتاجين والصوم وقمع الجسد أمور غير روحية لا ينبغي على المؤمنين القيام بها ؟
بالطبع لا !!!
على كل مؤمن أن يصلي ويقرأ الكلمة ويصوم ويخدم ويساعد المحتاجين ويقمع جسدهُ لكـــــــن:
ليسَ لكي يتقدم من خلالها إلى الآب وإلى عرش النعمة، وليسَ ليكون مقبولاً على أساسها وليسَ لكي يتحرر من قيوده على أساسها.
أتقدم من الآب على أساس ذبيحة واحدة – ذبيحة الرب يسوع المسيح – ودمه الثمين وأتحرر من قيودي على أساس صليب واحد – صليب الرب يسوع المسيح – الذي صَلبَ أنساني العتيق عليه وعلى أساس هبة وموعد الروح القدس الذي يعينني لكي أتحرر وليسَ قوة الإرادة.
وبسبب هذه الذبيحة الوحيدة – دم الرب يسوع المسيح – أدخل إلى إلى عرش النعمة وأغتسل بالدم وتغفر لي كل خطاياي، ويغتسل ضمير الخطايا من الشعور بالذنب، وبسبب صليب الرب يسوع المسيح وبسبب صلبه لأنساني العتيق أتحرر من القيود، وبسبب دم الرب يسوع المسيح نلنا الموعد – موعد الروح القدس – الذي يُعين ضعفنا ويخلق فينا الرغبة والإرادة معاً:
-لنحب الرب من كل القلب.
-نصلي.
-نصوم.
-نخدم.
-نساعد ونضحي بوقتنا وبمالنا من أجل امتداد الملكوت.
لكن كل هذا ليسَ بذبائح لنكون مقبولين بل لأننا أحببنا من ذُبِحَ لأجلنا وحررنا.
وتذكر دائماَ: " ذبيحة واحدة وصليب واحد ".