رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سفر حكمة سليمان
أولًا: الاسم سفر حكمة سليمان: تطلق المخطوطات اليونانية (السينائية والفاتيكانية والسكندرية) على هذا السفر اسم "حكمة سليمان"، ولكنه يسمى في الترجمة السريانية (البشيطة) وفي بعض المخطوطات الأخرى باسم "كتاب حكمة سليمان العظمى". كان سليمان بالنسبة لليهود وللمسيحيين الأوائل يعتبر رائدًا للتعليم والحكمة، كما كان داود رائدًا في كتابة الأناشيد، وموسى في تسجيل الشرائع الدينية، وهكذا نُسبت إليهم كتب لا علاقة لهم بها. ونقرأ في العهد القديم عن حكمة سليمان (1مل 7:3 - 14، سيراخ 14:47- 19). ويسمى سفر الأمثال باسمه مع أن المرجح أنه لم يكتب الا القليل منه. ويتكلم سليمان بضمير المتكلم في سفر الحكمة من الأصحاح السادس حتى نهاية الأصحاح التاسع (كما يفعل نفس الشىء في سفر الجامعة 1: 12.. إلخ). وقد ظل الاعتقاد بأن سليمان هو كاتب هذا السفر قائمًا حتى القرن الرابع الميلادي، حين استنتج "جيروم" (Jerome) بدراسته للفكر اليوناني ولأسلوب هذا السفر، أن سليمان ليس هو الذي كتبه، ومن ثم غير عنوان السفر إلى "سفر الحكمة" دون أن ينسبه إلى شخص معين، وهو الاسم الذي ما زال يسمى به في الترجمة اللاتينية (الفولجاتا) والترجمات التي نقلت عنها. ولكن الاسم "حكمة سليمان" ظل قائمًا في الترجمات البروتستنتية للكتاب المفدس (في اللغات الألمانية والانجليزية والويلزية) لأنها نقلت عن اليونانية وليس عن اللاتينية. ويسميه "لوثر" باسم "حكمة سليمان للطغاة"، ويذكره كل من "إبيفانيوس" (Epiphanuis)، و"أثناسيوس" (Athanasuis) با سم "الحكمة الفضلى" وهو الاسم الذي تعرف به أسفار "الأمثال" و"حكمة يشوع بن سيراخ " في كتابات بعض الآباء. |
04 - 06 - 2012, 06:29 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
ثانيًا: قانونية سفر الحكمة:
يأتي سفر "الحكمة" في الترتيب - في الترجمات اليونانية والفولجاتا- بعد أسفار الأمثال والجامعه ونشيد الأنشاد، ويليه سفر حكمة "يشوع بن سيراخ". وهناك كثير من الآباء الذين يؤمنون بقانونية هذا السفر مثل "هيبوليتوس" (Hippolytus)، و"كبريانوس" (Cyprian)، و"أمبروزيوس" (Ambrose).. مجمع ترنت في كنيسة سانتا ماريا ماجيور، موجودة في متحف ديوسيانو تريدنتينو، ترينتو وقد وضعه مجمع "ترنت" (Trent) هو وسائر الأسفار المعتبرة من أسفار الأبوكريفا عند البروتستنت (فيما عدا اسدراس الأول والثاني وصلاة منسى) ضمن الأسفار القانونية، لذلك يتضمن الكتاب المقدس عند الكاثوليك هذا السفر بينما يخلو منه الكتاب المقدس عند البروتستنت، المنشقين عن الكاثوليك في القرن السادس عشر. |
||||
04 - 06 - 2012, 06:30 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
ثالثًا: مضمون سفر الحكمة:
يتكون السفر من قسمين مختلفين، مما يوحي باختلاف الكاتب، والقسمان هما "قسم الحكمه" و"القسم التاريخي". (1) قسم الحكمة: (1: 1- 11:4) حيث يصف الكاتب في هذا القسم "الحكمة" ويوصي بها ويحذر من عواقب اغفالها. (1) يؤدي "البر" (أو الحكمة العاملة) إلى الخلود، بينما يؤدي الشر إلى الموت (الأصحاح الأول) "أن البر خالد" (1: 15) "لكن المنافقين هم استدعوا الموت بأيديهم وأقوالهم" (16:1). (2) الأصحاحات من الثاني حتى السادس: مقارنة بين ذخائر الحكيم (البار) وغير الحكيم (الفاجر أو المنافق) (2: 1-6: 21),
(3) الحكمة: يمتدح الكاتب الحكمة، يوصي بها الملوك والحكام والقضاة لأن "الحكمة خير من القوة"والحكيم أفضل من الجبار" (6: 1).
|
||||
04 - 06 - 2012, 06:30 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
(2) القسم التاريخي: (11: 5- 19: 20). وفي هذا القسم الثاني من السفر لا يتكلم الكاتب بضمير المتكلم (كما في الأصحاحات من 6- 9). ولا يذكر هذا القسم الحكمة كما لم يشر إليها مطلقًا، رغم أن الكثيرين من العلماء يرون في هذا القسم محاولة من الكاتب لضرب أمثلة واقعية. عن عمل الحكمة التي وصف في القسم الأول طبيعتها ونتائجها. (1) مقابلة بين معاملة الله (وليس الحكمة) للإسرائيليين ومعاملته لأعدائهم (11: 5- 27:12، والأمور التي كان يعاقب بها أعداءهم بينما يفيدون هم منها (11:5).
(2) وصف لعبادة الأوثان وأدانتها (الأصحاحات من الثالث عشر إلى الخامس عشر): وهو يكون وحدة قائمة بذاتها، فهو استطراد للعرض التاريخي الذي ينتهي بالعدد (12:27) ثم يستكمل في (16: 1- 19: 20). وقد يكون سبب الاستطراد هو ما جاء من تلميح عن خطايا المصريين والكنعانيين (11: 5- 27:12). فيذكر أنواع العبادات الوثنية (13: 1- 15: 19):
(3) لمصر وإسرائيل أقدار متناقضة ومتعارضة في خمسة أوجه، فالطبيعة تستخدم نفس الوسائل، للمصريين كعقاب، وللإسرائيليين كمكافأة (16: 9- 19: 22)، وهذه الأوجه هي:
|
||||
04 - 06 - 2012, 06:30 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رابعًا: الأسلوب الأدبي في سفر الحكمة:
الشعر في هذا السفر أقل روعة منه في حكمة يشوع بن سيراخ، بالرغم من أن به كمًا كبيرًا من الشعر الأصيل الذي يتميز بالتطابق، ولكن ليس فيه وزن أو قافية بالمعنى المألوف للكلمة. وكثيرًا ما نجد هذا التطابق في بعض أجزاء من السفر (10: 1و 2). كما نجد في سفر الحكمة أن الجمل القصيرة التي تتضمن حكمة قوية أقل بكثير مما هي عليه في سفر "يشوع بن سيراخ"، لكن من جهة أخرى، توجد كمية أكبر من أساليب البلاغة والسجع (1: 10، 4: 2، 5: 15، 7: 13)، وكذلك الجناس (23:2، 5: 12 و18، 6: 11، 12: 15)، والطباق والمتناقضات (18:13 و19). |
||||
04 - 06 - 2012, 06:31 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
خامسًا: وحدة سفر الحكمة وأصالته:
كل من تناول هذا السفر بالشرح أو التعليق يعتبره وحدة واحدة متجانسة من كتابة فكر واحد. ويشهرون - للتدليل على أنه وحدة واحدة متكاملة - إلى أنه موجه ضد شرين هما الارتداد وعبادة الأوثان، وأن لغته متجانسة من بدء السفر إلى خاتمته كما تصدر عن كاتب واحد. ولم يكن هناك شك في وحدة "سفر الحكمة" حتى منتصف القرن الثامن عشر تقريبًا حين ظهرت الآراء المختلفة للمنشقين.. |
||||
04 - 06 - 2012, 06:31 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
سادسًا: ما بالسفر من تعليم:
وسنعرض فيما يلي ملخصًا لما ورد به من علوم اللاهوت، والأنثروبولوجيا، والأخلاق والعقائد عن الخطة والخلاص والأخرويات. (1) اللاهوت: المقصود بعلم اللاهوت هو التعليم المختص بالله. ونجد في سفر الحكمة أن الله كلي القدرة: "بل قد كان نفس كافيًا لإسقاطهم... لكنك رتبت كل شيء بمقدار وعدد ووزن، وعندك قدرة عظيمة في كل حين، فمن يقاوم قوة ذراعك؟" (11: 21 و22)، وهو موجود في كل مكان (7:1، 12: 1)، وكلي الرحمة والمحبة "لكنك ترحم الجميع... وتتغاضى عن خطايا الناس لكى يتوبوا" (11:24) وقد صنع العالم من مادة لا شكل لها: "يدك التي صنعت العالم من مادة غير مصورة" (11: 18). وأرقى مفهوم عند الكاتب عن الخليقة هو تحول "الخراب" (chaos) إلى "كون منظم" (Cosmos). وما بهره إنما هو نظام الكون وجماله، وليس القوة غير المحدودة اللازمة لخلق هذا الكون من العدم (حكمة 11: 18، 3:13 و4). ومع أن الله - كتعليم سفر الحكمة - عادل (14:12-16) ورحيم (18:11- 23، 15: 1، 7:16) كما أنه يخاطبه بالقول. "أيها الأب" (3:14)، إلا أن الله قد اختص اليهود برعايته وحمايته بطريقة فريدة (16: 2، 8:18، 19: 20)، بل إن الكوارث والمصائب التي يصبها الله على رؤوس أعدائهم، إنما هو يقصد من ورائها قيادتهم إلى التوبة (12: 2- 20). ويتضح جليًا من الأصحاح الحادي عشر أن آلام ومعاناة بني إسرائيل إنما كانت علاجًا وإصلاحًا لهم، أما بالنسبة لأعدائهم فكانت عقابًا (الأصحاحان 11، 12). ومفهوم سفر الحكمة عن "الله" يتفق بوجه عام مع تعليم العقيدة اليهودية السكندرية (100 ق. م.) أي أنها تؤكد تأكيدًا جازمًا سمو الله وعلوه المتناهي عن اللإنسان وعن العا لم المادي، ولذلك نجد في هذا السفر بداية عقيدة "الوسطاء" التي ظهرت في كتابات فيلون، أي المجالات التي يستطيع من خلالها "الواحد المطلق" أن تكون له علاقة محددة مع الإنسان. (أ) "روح الرب": تُستخدم عبارة "روح الرب" في سفر الحكمة كما في الأسفار المتأخرة من العهد القديم (في أثناء السبي وبعده) بمعنى الله ذاته، فما يعمله الله إنما يعمله بواسطة الروح، لذلك فإن روحه هو الذي يملأ العالم ويحفظه ويرقب أعمال الناس: (روح الرب ملأ المسكونة وواسع الكل عنده علم كل كلمة فلذلك لا يخفي عليه ناطق بسوء) (7:1 و8). وهو موجود في كل مكان (12:1). ولكن سفر الحكمة لا يجسد روح الله جاعلًا منه وسطًا بين الله وخلائقه، ولكن الطريق أصبح ممهدًا لتلك الخطوة. (ب) الحكمة: الكثير مما يقال في هذا السفر عن "روح الرب" يقال أيضًا عن "الحكمة" بل إنه يزداد اقترابًا من تجسيد الحكمة. فعند خلق العالم كانت الحكمة مع الله "جالسة إلى عرشه"، عليمة بأفكاره، مشاركة له (حكمة 3:8، 9: 4 و9، انظر أم 22:8- 31). وهي التي صنعت كل شيء وعلمت سليمان الحكمة التي طلبها في صلاته (7: 21). وهي كلية القدرة، وترى كل الأشياء (23:7)، "تنفذ في كل شيء" (24:7)، وهي فيض مجد القدير (7: 25)، تعلم الناس "العفة والفطنة والعدل والقوة" (8: 7) (وهذه هى الفضائل الأربع الرئيسية في الفلسفة الرواقية). (ج) الكلمة (لوجوس): والكلمة "عند فيلون" هو القوة الوسطية التالية للاله. أما سفر الحكمة فيلتزم بالمعنى الوارد في العهد القديم من أن "الكلمة" (اللوجوس) هو الكلام الذي يخاطب به الله الناس. إلا أن "جفرورر" (Gfrorer) وفيلون وغيرهما يرون أن "الكلمة" (اللوجوس) لها نفس المعنى الفني الدقيق الذي يراه فيلون (حكمة 9: 1 و2، 12: 9، 16:12، 18: 22) إلا أن الدراسة المتأنية الدقيقة لتلك الآيات تبين أنه لم يقصد بها أكثر مما تعنيه كلمة "الكلمة" (اللوجوس). والكائنات- التي فوق البشر - المذكورة في هذا السفر هي آلهة الأمم التي يعلن السفر بوضوح أنها أوهام من صنع حماقات الإنسان، فهي الأصنام لم "تكن في البدء وليست تدوم إلى الأبد" (14: 13و 14). وكذلك "الشيطان " الذي لم يشر إليه هذا السفر إلا مرة واحدة باعتباره الحية المذكورة في الأصحاح الثالث من سفر التكوين. ولم يذكر السفر - ولو مرة واحدة - الأسفار المقدسة القانونية أو الوحي الإلهي للإنسان في صورة مكتوبة، مع أنه اقتبس الكثير من الآيات من الأسفار الخمسة، وأحيانًا من "إشعياء والمزامير"، لكن دون أن يذكر مصدر اقتباساته. وهكذا نجد أن سفر الحكمة "أكثر شمولًا ويتسق مع سائر كتابات الحكمة أكثر من سفر يشوع بن سيراخ الذي يطابق بين الحكمة والشريعة والأنبياء، وبه الكثير من الملامح اليهودية المميزة. (2) علم أصل الإنسان (أنثروبولوجيا): يتبع سفر الحكمة في سيكولوجيته نظرية الثنائية الأفلاطونية، فالإنسان مكون من جزءين أو عنصرين: نفس وجسد (4:1، 19:8 و20، 9: 15) وتشمل كلمة النفس كلًا من "العقل والروح". ويبدو للبعض أن ثمة مفهومًا بأن الإنسان ثلاثي العناصر (حكمة 15: 11)، ولكن هذه العبارة لا تدل - في الحقيقة - على شيء من ذلك إذ أن المقصود "بالنفس والروح " هنا شيء واحد. كما يعلم فيلون نفس الشيء. والله هو الذي "ينفخ النفس" في الجسد (15: 11، انظر تك 7:2)، ثم يسترد الله تلك النفس مرة أخرى (حكمة 15:8). كما يتبنى الكاتب نظرية "أفلاطون " عن الوجود السابق للنفوس (8: 20، 15:8 و11 و16). ويتضمن ذلك الاعتقاد نوعًا من "التعيين السابق" لأن الأعمال التي عملتها النفس سابقًا تحدد نوع الجسد الذي تدخله فيما بعد، ولأن نفس "سليمان" صالحة دخلت في "جسد غير دنس" (8: 20). ولا نوافق ر. ه. تشارلز (R-H-Charles) فيما يراه في كتابه "الاسخاتولوجي" من أن سفر الحكمة يقول بأن المادة خاطئة في طبيعتها (1: 4، 9: 15). كما نادى "فيلون" أيضًا بهذا الرأي مستشهدا بالمقولة المعروفة عن "هيراقليتس" (Heraclitus) إن "الجسد قبر" وإن الإنسان شرير بالطبيعة مولود بالاثم (12: 10، 13: 1)، لكنه إن أخطأ فهذا شأنه لأنه حر الإرادة (6:1، 6:5 و13). ويستعير الكاتب كلمتين من الشعر اليوناني والفلسفة اليونانية تبدوان وكأنهما تنفيان حرية الإنسان، هما "الضرورة" و"العدالة" (أو العدالة المنتقمة). فالضرورة تعمي عين المنافق (17:17)، لكنه عمى نتيجة المسلك الشرير (19:1- 5). أما الكلمة الثانية "العدالة" فقد استخدمت في الفلسفة اليونانية بمعنى الانتقام، لها نفس هذا المعنى في سفر الحكمة، فهي "القضاء المفحم" (1:8). وفي كل أجزاء سفر الحكمة نجد أن عقاب الخطية أمر يستحقه الإنسان طالما أنه حر. يعتقد كاتب سفر الحكمة بوجود نوعان: الصالح (الحكيم)، والشرير (المنافق)، ويري - على عكس ما نراه في الأسفار المتأخرة في العهد القديم - إمكانية انتقال الشخص من نوع إلى النوع الآخر. ولكن ألا تبدو - في بعض أجزاء سفر الحكمة، كما في سائر أسفار العهد القديم - محاباة الله لإسرائيل مع إهمال الشعوب الأخرى؟ فإسرائيل هو "ابن الله" (13:18)، وأبناؤه (12: 19- 21، 16:10 و26)، "أبناؤه وبناته" (7:9)، "وشعبه المقدس والمختار" (3: 9، 4: 15، 17:10، 18: 1 وه). لكنه لم يعاملهم هكذا لمجرد أنهم إسرائيليون فحسب، بل لأنهم كانوا أفضل أخلاقًا من الشعوب المحيطة بهم. (3) علم الأخلاق: يشمل هذا الموضوع الممارسات الدينية والأخلاقية: (أ) وكما ينتظر من سفر محوره الحكمة، لا نجد إلا اهتمامًا ضئيلًا بشريعة موسى ومتطلباتها. ورغم وجود إشارات تاريخية لتقديم الذبائح وترتيل المزامير والالتزام بعهد الشريعة: "فإن القديسين بني الصالحين كانوا يذبحون خفية ويوجبون على أنفسهم شريعة الله هذه أن يشترك القديسون في السراء والضرأء على السواء، وكانوا يرنمون بتسابيح الآباء" (18: 9). وفضلًا عن ذلك، هناك إشارة إلى تقديم هرون البخور (18: 21). كما يتردد ذكر بعض الكلمات مثل "الهيكل" و"المذبح" و"المسكن" (8:9). ولكنا لا نجد أي تفصيل عن الهيكل أو عن أعياده أو الكهنوت أو الذبيحة، أو عن شريعة "الطاهر والنجس". لكن هناك تأكيدًا مستمرًا وشديدًا على وجوب عبادة الله الواحد الحقيقي لا سواه، والنتائج الشريرة لعبادة الأصنام، وبخاصة في القسم الثاني التاريخي من السفر (11: 5- 19: 20). (ب) أما الفضائل الأربع الأساسية المذكورة في قسم الحكمة من السفر فهي تتفق مع الفلسفة الرواقية، وهي بالتحديد العفة والفطنة والعدل والشجاعة، مما يدل على أن الكاتب كان متأثرًا بالفلسفة اليونانية. (4) عقيدته عن الخطية: يذكر الكاتب ما جاء في سفر التكوين (الأصحاح الثالث) كحقيقة تاريخية مؤكده عن دخول الخطية إلى العالم: "بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم" (حكمة 24:2). ويبدو من سياق الحديث أن الكاتب يقصد بالموت "الموت الروحي". ولكن أصل الخطية هو عبادة الأوثان (14: 27). ولعله يقصد بذلك أن الخطية تصدر عن عدم تقديم الاعتبار للإله الواحد الحقيقي، وأن كل الفظائع الأخلاقية في زمانه، كانت تنبع من العبادات الوثنية. ويقرر سفر الحكمة - تصريحًا وتلميحًا - أن الإنسان حر، وذلك في كل أجزاء السفر. (5) عقيدة الخلاص (سوتيريولوجيا): لا يذكر سفر الحكمة شيئًا عن "المسيا" الذي سيخلص شعبه، لأن الحكمة هي التي تخلص الإنسان: "وأنال بها الخلود" (8: 13)، و"إن في قربي الحكمة خلودًا" (8: 17). وكل من يرعى وصايا الحكمة في قلبه يحصل بالتأكيد على الطهارة، والطهارة تقرب الناس إلى الله (19:6 و20). أما معرفة القدرة الإلهية فأساس الخلود (15:2 و3). (6) الأخرويات (الإسخاتولوجي): يقرر السفر بوضوح عقيدة خلود الإنسان: "إن الله خلق الإنسان خالدًا" (23:2)، وخلقه لعدم الفساد (6: 19، 12: 1)، والبار له الرجاء الكامل في الخلود (3: 4)، فههو سيحيا إلى الأبد (5: 16). أما الأشرار فلا رجاء لهم عند موتهم (3: 18) لأنهم سيتألمون بسبب خطاياهم، في هذه الدنيا وفي الآخرة أيضًا (16:3 و18). ولا يذكر سفر الحكمة شيئًا عن قيامة الأجساد، فلو أن كاتب السفر كان يعتنق رأي "فيلون" عن الشر المتأصل في المادة (كما سبق القول)، فلا يمكن أن يؤمن بقيامة الأجساد. ولكن يوجد بعد الموت "يوم للحساب" (حكمة 3: 18 - وهي نفس كلمة "فحص" المذكورة في سفر الأعمال 25: 21). كما سيكون هناك فحص لمشورة الأشرار، وسيعطي الأثيم حسابًا عن خطاياه إذ "يتقدمون فزعين من تذكر خطاياهم" (4: 20). أما الصديق فيقف بجرأة عظيمة في وجوه مضايقيه: "حينئذ يقوم الصديق بجرأه عظيمة في وجوه الذين ضايقوه، وجعلوا أتعابه باطلة" (5:1). ويبدو أن تعليم السفر عن مصير الصديق غير ثابت، فبينما يقول: إن الصديق ينتقل بالموت مباشرة إلى نعيم الله "فلا يمسها العذاب" (3: 1و 2)، نجده في موضع آخر يذكر أن الأشرار والصديقين سيجتمعون معًا في مكان واحد انتظارًا للدينونة (20:4 مع 5:1). |
||||
04 - 06 - 2012, 06:31 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
سابعًا: الهدف:
يبدو أن غرض الكاتب هو تنبيه مواطنيه في الاسكندرية إلى متطلبات الديانة تحت أسماء الحكمة والبر وغيرهما، إلى جانب تحذيرهم من السقوط في عبادة أوثان المصريين. فالكاتب يمجد الحكمة، بينما يسخر من عبادة الأوثان، مستخدمًا لغة شديدة اللهجة عند ذكر النتائج الوخيمة التي تحل - في هذا العالم والعالم الآتي - على من يحيا بعيدًا عن الإله الحقيقى (انظر "ثالثا" فيما سبق). والسفر - في ظاهره - موجه إلى الحكام، لكنه لا يشير إليهم إلا في الأصحاح السادس (6: 1- 11 و20- 25)، كما أنه موجه إلى البشر جميعًا على السواء. ويستخدم الكاتب أساليب البلاغة والمجاز عند مخاطبته للحكام - وإذا سلمنا بأن "الحكام" - بكل ما لديهم من مميزات سامية - محتاجون إلى مثل هذه التنبيهات، التحذيرات، فكم بالحري عامة الناس! |
||||
04 - 06 - 2012, 06:32 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
ثامنًا: كاتب السفر:
(أ) كاتب هذا السفر يهودي من الإسكندرية عليم بالترجمة السبعينية، التي اقتبس الكثير من عباراتها، وله معرفة - إلى حد ما - بالفلسفة اليونانية حسب مدرسة الإسكندرية، كما أن له معرفة بالعلوم الطبيعية التي كانت معروفة في عصره (17:7- 20). فالكاتب يهودي لا شك في ذلك، لأن ما يدافع عنه من آراء هي نفسها وجهات نظر الديانة اليهودية القويمة المستنيرة، بل هو شديد التزمت - في يهوديته (لاحظ مشاعره العنيفة ضد الأمم 11: 10- 13 و17 -23). وتشيع في أسلوبه العبارات اليونانية التي استقاها من الترجمة السبعينية للأسفار العبرية، وعليه فهو يهودي اسكندري، أو على الأقل يهودي مصري، فلا يمكن لأي فلسطيني أن يكتب هذه اللغة الرفيعة التي كتب بها السفر، أو أن يستعرض إلمامه بالفلسفة اليونانية كما طورها الفكر اليهودي السكندري. (ب) هناك آراء أخرى عن الكاتب، منها: 1- أن الكاتب هو سليمان، كما يؤكد "مارجليوت" (Margolioth) هذا الرأي. 2- أن "زربابل" هو كاتب السفر كما يرى "ج. م. فابر" (J - M - Faber). 3- أن الكاتب هو أحد مترجمي السبعينية. 4- أن الكاتب ينتمي إلى جماعه "الأساة" أو "العلاجيين" (Therapeutae)" كما يقول "جفرورر" (Gfrorer)، وداهن (Dahne)، وجوست (Jost)، حيث يقال إن جماعة "الأساة" كانوا جماعة يهودية تشبه أتباع "زرادشت" الذين يتجهون في عبادتهم إلى الشمس المشرقة، حيث يقول "يجب أن نسبق الشمس إلى شكرك ونحضر أمامك عند شروق النور" (16 :28). ولكننا لا نعلم إلا القليل عن هذه الجماعة، بل لا يوجد دليل قاطع على وجودها على الإطلاق. أما إذا كان يوسابيوس على صواب فيما قاله عن جماعة "الأساة" الذين ذكر "فيلون" أنهم كانوا مسيحيين (أقدم جماعة مسيحية في الإسكندرية) فمن الواضح أنه لم يكتب أحد منهم هذا السفر لأنه خالٍ تمامًا من أي أثر للمسيحية. 5- يرى البعض أن يشوع بن سيراخ هو كاتب السفر. 6- يقول "نواك" (Noak) و"بلومبتر" (Plumptre) إن "أبلوس" هو كاتب السفر، ولكن لا بد أن الكاتب كان يهوديًا، قد كتبه في وقت مبكر مما لا يسمح باحتمال هذا الافتراض. 7- يرى جيروم أن "فيلون" هو الكاتب، وأيده في ذلك مارتن لوثر وآخرون، إلا أن تعليم هذا السفر يمثل مرحلة من التأملات اليهودية السكندرية تسبق تلك الموجودة في كتابات "فيلون". كما أن التعبيرات المجازية الشائعة في كتب "فيلون" تكاد لا توجد في سفر الحكمة. 8- يزعم البعض- ومنهم "كيرشباوم" و"فايس" (Kirshbaum, Weisse) وآخرون أنه أيًا كان الكاتب فلا بد أنه كان مسيحيًا، إلا أن توجيهات السفر جميعها تثبت غير ذلك. ولقد انقسمت الآراء حول شخصية كاتب هذا السفر. فقال بعضهم إنه يونانى أو أنه يهودي مصري لم يكن يعرف غير اللغة اليونانية. وحجتهم في هذا أن النسخة الموجودة من السفر مكتوبة باليونانية بأسلوب فلسفي فصيح مشهود له بالبلاغة وطلاوة العبارة. ولعلهم نسوا أن السفر بنسخته اليونانية مترجم ضمن باقي أسفار التوراة من العبرية إلى اليونانية في النسخة السبعينية المعروفة، غير أنه واضح أن كاتب السفر هو سليمان الملك ودليل ذلك الآتي:
وتبرز هنا مشكلة يثيرها المُعترضون بقولهم: إذا كان سُليمان هو الذي كتب هذا السِّفر، فلماذا لم يتسنّى لعِزرا الذي جمع شتات أسفار التوراه أن يعثر عليه ويضعه في موضِعه ضمن الأسفار التي جمعها؟ والرد على هذا الإعتراض هو أن كِتابات سليمان فُقِدَ منها الكثير. فقد ذُكِرَ في سفر الملوك الأول أن الله أعطاه "حِكمة وفهمًا كثيرًا وحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1مل29:4)، بمعنى أنه كان له الكثير من أقوال الحكمة الرحبة. وقد قيل عن سليمان أيضًا أنه "تكلَّم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفًا وخمسًا. وتكلَّم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النَّابِت في الحائِط. وتكلَّم عن البهائم وهن الطير وعن الدبيب وعن السمك.." (1مل32:4، 33)، فأين كل هذه الأمثال والنشائد والكِتابات؟! إلا إذا كانت قد فُقِدَت. |
||||
04 - 06 - 2012, 06:32 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
تاسعًا: تاريخ كتابة السفر:
الأرجح أن هذا السفر كتب حوالي عام 120 - 100 ق. م. وثمة بعض الأدلة الأدبية والتاريخية والفلسفية التي تؤيد ذلك. (1) الدليل الأدبي: لا بد أن يكون السفر قد كتب بعد إتمام الترجمة السبعينية للأسفار الخمسة ولسفر إشعياء لأن الكاتب قد اقتبس بالتأكيد من الترجمة السبعينية لهذه الأسفار، وربما من المزامير أيضًا. (انظر حكمة 3: 1 مع مز 31: 5، 6، حكمة 15: 15 و16 مع مز 115: 4-7، مز 135: 15- 18). ومن المعروف من مقدمة "حكمة يشوع بن سيراخ" أن الترجمة السبعينية للأسفار الخمسة والأنبياء وجزء على الأقل من "الهاجيوجرافا" (الكتابات المقدسة) قد تمت في عام 132 ق. م. عندما أكمل سيراخ الصغير - الحفيد - ترجمته لسفر جده - يشوع بن سيراخ - وعليه فلابد أن سفر الحكمة كتب بعد عام 132 ق. م. علاوة على أن الكاتب يبين إلمامه بسفر ابن سيراخ المكتوب باللغة اليونانية (راجع - حكمة 4: 1 مع سيراخ 16: 1- 4)، ولكن يبدو أنه لم يكن يعرف العبرية، وإلا لكان - أحيانًا على الأقل - قد اقتبس من النص العبري، وهذا مما يؤكد النتيجة المستمدة من استخدامه للترجمة السبعينية، وهي أن هذا السفر قد كتب في وقت لاحق، في عام 130 ق. م. مثلًا، بل بعد ذلك على الأرجح. ولا شك أن السفر كتب قبل كتابة أي سفر من أسفار العهد الجديد، وإلا لكان سفر الحكمة قد اقتبس شيئًا من أسفار العهد الجديد أو أشار إليها على الأقل. هذا بالإضافة إلى أنه يمكن افتراض أن الأسفار اليونانية للعهد القديم - كما هي في الترجمة السبعينية - كانت قد اكتملت في زمن ربنا يسوع المسيح، ولابد أنها كانت تضم سفر الحكمة مع باقي أسفار العهد القديم بما فيها أسفار الأبوكريفا. ولابد أنه كان قد انقضى وقت طويل - بعد كتابة السفر - ليجد السفر له مكانًا في الترجمة السبعينية. وبناء على كل ذلك، نجد أن عام 100 ق. م.، تاريخ مناسب جدًا لأن يكون السفر قد كتب فيه. (2) الدليل التاريخي: نرى من السفر أن اليهود الموجه إليهم السفر - في وقت الكتابة - كانوا يواجهون موجة من الاضطهاد (حكمة 3: 1، 5: 1، 6: 5- 9)، ونتيحة لذلك كان هناك شعور قوي بالعداء للمصريين الذين يمثلون القوة التي كانت تضطهدهم (11:16- 19). ومن المعروف أن البطالسة الأوائل عاملوا فلسطين معاملة طيبة، إلى أن جاء بطليموس السابع ("فيسكون" Physcon - 145- 117 ق. م.)، فكان أول من تبنى سياسة أضطهاد يهود مصر بسبب موقفهم المؤيد لكليوباترا. ويصف يوسيفوس ما أنزله ذلك الملك من انتقام بيهود الإسكندرية في ذلك الوقت. كما يتضح من لغة السفر، والحرص الشديد الذي يبديه الكاتب في إشارته إلى هذه الأمور، أن الكاتب يصف أحداثًا وقعت في الماضي ولكنه الماضي القريب. ويعتبر عام 100 ق. م. أنسب تاريخ - من كل الوجوه- لكتابة هذا السفر. (3) الدليل الفلسفي: ينتمي تعليم هذا السفر إلى تلك المرحلة من تطور الفلسفة اليهودية في الاسكندرية والتي كانت قائمة حوالي عام 100 ق. م. وليس في هذا السفر ما تتميز به كتابات "فيلون" (المولود في 20 ق. م. والمتوفي في 45 م) من خصائص بلاغية معينة. كما لا يذكر السفر شيئًا عن عقيدة "الكلمة" (اللوجوس) التي أصبحت فيما بعد جزءًا أساسيًا من معتقدات يهود الإسكندرية. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
سليمان حكمة وشفقة |
قصة حكمة سليمان |
حكمة الأجيال وما قال سليمان.3 |
حكمة الأجيال وما قال سليمان.2 |
حكمة الأجيال وما قال سليمان |