مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة م - تفسير سفر المزامير
13- م
كلماتك حلوة في حلقي
[97 - 104]
لما كانت كلمة الرب ثابتة في السمويات، تناسب كل الأجيال وكل العصور وكل الأشخاص، يتمتع بها المؤمن في علاقة شخصية لتدخل به إلى اتساع السماء ورحبها، لذا يجد فيها عذوبة خاصة وحلاوة افضل من العسل.
1. الوصية العذبة وأيضًا تلاوة اسم الله
97.
2. الوصية العذبة والحكمة الأبدية
98-100.
3. الوصية العذبة والجهاد
101-102
4. يا لعذوبة الوصية!
103.
5. عذوبة الوصية وكراهية الظلم
104.
من وحي المزمور 119 (م)
1. الوصية العذبة وأيضًا تلاوة اسم الله
إن كانت الوصية عذبة فسرّ عذوبتها هو ارتباطنا بالله واستعذابنا لاسمه المحبوب الذي لا نتوقف عن تلاوته كل نهار حياتنا.
"محبوب هو اسمك يا رب،
فهو طول النهار تلاوتي" [97].
إذ نلتصق بكلمة الرب، شمس البر تتحول حياتنا إلى نهارٍ دائمٍ بلا ليل، فنطرح عنا أعمال الظلمة ونتمتع بتلاوة اسمه القدوس كسلاح النور الذي لا تقدر الظلمة أن تجابهه.
إننا لسنا نوقر الوصية فحسب وإنما نحبها أيضًا، لذا نقبلها في حياتنا لتهبنا الشركة في سمات القدوس. ونحن أيضًا لا نكرم اسم الله فحسب وإنما نحبه ونلهج فيه كل أيام حياتنا بكونه علامة حضرته فينا وحضورنا قدامه، نتمتع دومًا بمعيته.
لم ينشغل داود النبي بعرشه ولا بمشاكله ولا بأموره الأسرية، إنما في كل شيء وتحت كل الظروف ينعم بحضرة الله وينشغل باسمه القدوس العذب ووصيته المبهجة. مع مرور الزمن يزداد بالأكثر تعلقًا بالله ويشتاق إلى أعماق جديدة في شركته معه.
2. الوصية العذبة والحكمة الأبدية
بالتصاقنا بكلمة الله المتجسد تحولت حياتنا إلى نهارٍ دائمٍ، وصار اسمه حلوًا في أفواهنا، أما قادة اليهود فحملوا روح عداوة ضد السيد المسيح وكل خاصته، فاظلمت عيونهم عن معرفة الحق. كان يجب أن يكونوا معلمي المسكونة عن السيد المسيح، لكنهم رفضوه، أما الأمم فقبلته وتمتعت بحكمته الأبدية ونالت استنارة البصيرة. صار اليهود أعداءً للمؤمنين الذين من أصل أممي مع أنه كان يجب أن يكونوا معلمين وشيوخًا.
"علمتني وصاياك أفضل من أعدائي
لأنها ثابتة إلى أبد الأبد.
أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت،
لأن شهاداتك هي درسي.
أكثر من الشيوخ فهمت،
لأني طلبت وصاياك" [98-100].
ربما لم يكن يحمل داود كتابه المقدس في يديه منذ صباه، لكنه حمله في فكره كما في قلبه، فكانت الوصية الإلهية هي سنده وسرّ حكمته حين كان يرعي غنم أبيه في صباه، وهي معلمه حينما دهنه صموئيل النبي ملكًا في الخفاء، وكانت ترافقه كل أيام غربته. ارتبط بمدرسة الوصية في كل مراحل حياته، لهذا كان ينمو في الحكمة والنعمة. أحب الحق الإلهي الذي نقى قلبه وفكره، فصار أكثر من كل الشيوخ فهمًا. ليس في هذا إهانة للشيوخ بل فيه فرحهم ومجدهم، أن يسبقهم تلميذهم في المعرفة. فالمعلم الصالح الحيّ يريد أن يسبقه تلاميذه في كل شيء!
* "علمتني وصاياك أفضل من أعدائي"...
لأنه بالحقيقة كان "لهم غيرة الله ولكن ليس حسب المعرفة" رو2:10، أما المرتل فكان يفهم وصية الله أكثر من أعدائه، هذا الذي أراد أن يُوجد مع الرسول القائل: "ليس لي بري الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح، البرّ الذي من الله بالإيمان" في9:3. ليس أن الناموس الذي يقرأه الأعداء ليس من الله، إنما هم لا يفهمونه كما يفهمه هو أكثر من كل أعدائه، مرتبطًا بالحجر (المسيح) الذي تعثروا فيه، "لأن غاية الناموس هي المسيح" رو4:10، لكيما يتبرروا مجانًا بنعمته (رو4:3)، ظانين أنهم يطيعون قانون قوتهم الذاتية. لذلك وإن كانوا يتمسكون بناموس الله إلاَّ أنهم يسعون إلى إقامة برّهم الذاتي. إنهم لا يسلكون كأبناء للموعد، يجوعون إلى البرّ ويعطشون إليه (مت6:5) سائلين وطالبين وقارعين الباب (مت11:7)، متوسلين من الآب ليتمتعوا بالبنوة خلال الابن الوحيد... بل يطلبوا المكافأة الزمنية من نفس الوصية (التي خلالها يتمتع المرتل بالبركات الإلهية).
القديس أغسطينوس
* "أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت، لأن شهاداتك هي درسي"...
من هو هذا الذي له فهم أكثر من كل معلميه؟
إنني أسأل: من هو هذا الذي يتجاسر ويفضل نفسه عن كل الآنبياء، الذي ليس فقط بالكلام علَّم بسلطانٍ عظيمٍ هكذا الذين عاش معهم، وأيضًا الأجيال المتعاقبة بكتاباتهم...؟
ما قد قيل هنا لا يمكن أن يكون عن شخص سليمان...
إنني أعرفه بوضوح ذاك الذي يفهم أكثر من كل الذين يعلمون، فإنه إذ كان صبيًا في الثانية عشرة من عمره بقي يسوع في أورشليم ووجده والداه بعد ثلاثة أيام (لو 42:2-46). قال الابن: "كما علمني أبي أنطق بهذه الأمور".
من الصعب جدًا أن نفهم هذا عن شخص الكلمة، ما لم ندرك أن الابن المولود من الآب... "أخذ شكل العبد" (في 33:5-36)، فإنه إذ اتخذ هذا الشكل، ظن من هم أكبر منه سنًا أنه يجب أن يتعلم كصبي، لكن ذاك الذي علَّمه الآب له فهم أكثر من كل معلميه، لأنه درس شهادات الله الخاصة به، وهو يفهمها أكثر منهم عندما نطق بالكلمات: "أنتم أرسلتم إلي يوحنا فشهد للحق، وأنا لا أقبل شهادة من إنسان" (يو 33:5، 34).
القديس أغسطينوس
* "أكثر من الشيوخ فهمت، لأني طلبت وصاياك"... إن كنا مهتمين أن نبحث في الإنجيل عن تعبير "الشيوخ" الذي يفهم (السيد) أكثر منهم، نجد ذلك عندما قال له الكتبة والفريسيون: "لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ؟ فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزًا" مت 2:15. انظروا تعدي تقليد الشيوخ الذي اعترض (المسيح) عليه. لنسمع إجابة هذا الذي هو أحكم من الشيوخ: "وأنتم أيضًا لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم؟" مت3:15.
القديس أغسطينوس
* إننا نفهم نحن المؤمنون وصايا الله أكثر من اليهود، لأن ربنا يسوع المسيح حكَّمنا بروح قدسه لكي نفهم روح الكتاب. هم فهموا ظاهره وجسده... أما نحن المؤمنون فقد تمسكنا بفحواه ومعانيه الروحية التي تدوم لنا إلى الأبد.
دعاهم النبي أعداء، لأنهم يعادوننا ويبغضوننا ويلعوننا، أما نحن فنحبهم، ونصلي من أجل خلاصهم، ونباركهم كما أمرنا الرب.
الذين سبق فدعاهم النبي أعداء يدعوهم أيضًا معلمين، لأنهم أؤتمنوا على أقوال الله قبلنا، وهي شريعته. وكان عندهم موسى والأنبياء. ومن هذه الأسفار الإلهية اتخذنا نحن العلم، وفهمنا أكثر منهم، إذ قبلنا شهادات ربنا يسوع المسيح وندرسها على الدوام.
كان عيسو أكبر من أخيه يعقوب؛ وأما بركة أبيهما إسحق فكانت عتيدة أن تكون للأكبر. ولكن لما طلب منه إسحق طعامًا، خرج إلى البرية ليصطاد ويفترس مثل الوحوش. هكذا كان الإسرائيليون (كشيوخ) أكبر منا نحن الأمميين؛ وكان مقامهم مقام شيوخ مختبرين. وكانت البركات مُعدة لهم، لأن الشرائع والآنبياء أُعطيت لهم. ولكنهم راموا أن يرضوا الله بسكب دماء حيوانية مثل الوحوش، فعندما خرجوا من بيت أبيهم الله أب كافة البشرية، تزينا نحن بمشورة أمنا الكنيسة المقدسة متجملين بالأسفار الإلهية التي كانت حلتهم وزينتهم، وتوشحنا بجلد الحمل الذي ذُبح لأجلنا، أعني بإيمان ربنا يسوع المسيح، وتقدمنا إلى أبينا ليهدينا، وأخذنا البركة وأوائل البكورية. أما هم فاعتزلوا منها، وصاروا في ويلٍ وأسفٍ وعبوديةٍ للشيطان إلى أن يرجعوا إلى الله بالتوبة والإيمان...
أنثيموس أسقف أورشليم
إذن تهب الوصية معرفة وعلمًا وحكمة، وكما يقول السيد المسيح: "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم" )يو17:7(. بالوصية الإلهية نعرف كيف نمارس البساطة كالحمام لكن بحكمة أكثر مما للحيات (مت 16:10).
يقول المرتل: "أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت"، هذا ليس عن تشامخٍ أو كبرياءٍ، إنما هو اعتراف بعمل الله الذي وهب المرتل حكمة وعلمًا أكثر من معلميه. والمعلم الحقيقي الذي يحمل روح الأبوة يشتهي أن يكون تلاميذه أكثر منه علمًا ومعرفة وحكمة، إذ يفرح كل جيل أن يتقدم الجيل الجديد عليه، وإلا فلا نمو للبشرية ولا بنيان لكنيسة الله. هذا هو التقليد الحيّ الذي يتكئ على الماضي ليمارسه خلال خبرة الحاضر وبلغة العصر ليشهد للإيمان الحيّ في حياة نامية ملتهبة بالروح. هذا التقليد يقوم على كلمة الله التي عاشها الرسل وكل الأجيال التالية لتعيشها كنيسة الحاضر وتقدمها حيَّة بلا انحراف للأجيال المقبلة.
3. الوصية العذبة والجهاد
إن كان قد سبق داود معلميه في الحكمة والمعرفة والفهم، فقد زيَّن هذا لا بالكبرياء والتشامخ، بل بالحذر من كل طريق خبيث، حتى يثبت المعرفة بالحياة المقدسة، مؤكدًا رغبته العملية في قبول ناموس الرب ناموسًا له.
إن كان ارتباطنا الشخصي بالله إلهنا وباسمه القدوس يعطينا عذوبة خاصة في ممارستنا لوصيته التي بدورها تهبنا حكمة سماوية وفهمًا أكثر من قادة اليهود الذين رفضوا الإيمان، فمن جانبنا علينا مقابل هذه المتعة والعذوبة مع الفهم والحكمة أن نجاهد في حفظ الوصية والالتزام بناموس الرب:
"من كل طريق خبيث منعت رجلي،
لكي أحفظ كلامك.
عن أحكامك لم أحِدْ،
لأنك وضعت لي ناموسك" [101،102].
إن كنا قد قبلنا كلمة الله المتجسد، نحن الذين كنا قبلًا أممًا، فمن جانبنا نلتزم أن ننسى كل طريق خبيث ومُخادع، لكي نقبل "الطريق" الواحد الجديد!
سرّ عدم حيدان المرتل عن أحكام الله شعوره بأن ناموس الرب وُضع له خصيصًا، كأنه قد شُكل ليناسبه هو شخصيًا، ويهيئه للحياة الجديدة السماوية. لهذا يقول "وضعت لي ناموسًا".
إذ ارتبط المرتل بناموس الرب أو وصيته منع رجليه من كل طريق خبيث كي يتمم مشيئة الله في حياته ويحفظ ناموسه، وكلما منع رجليه عن الطريق الخبيث اكتشف بالأكثر عذوبة أعماق ناموس الله. وكأن الناموس يدفعه إلى الجهاد، والجهاد يسنده في اكتشاف الناموس.
امتناعنا عن الطريق الخبيث ليس بغية مديح الناس، ولا لنوال مكافأة زمنية، وإنما بغية حفظ ناموس الرب، علامة الطاعة الكاملة لله المحبوب لدينا جدًا.
* لأن هذا الذي هو رأسنا، مخلص الجسد نفسه، لا يمكن أن يُحمل بأية شهوة جسدية في أي طريقٍ شريرٍ، حتى يكون محتاجًا أن يمنع منه قدميه، ومع ذلك يمكنهم (أعضاء جسده) بحرية إرادتهم أن يسلكوا هكذا.
هذا ما نفعله عندما نمنع أقدامنا عن الشهوات الشريرة، الطريق الذي لا يسلكه هو لكي لا نسلك نحن فيه. بهذا نقدر أن نحفظ كلمة الله، إن كنا لا نسير وراء الشهوات الشريرة (ابن سيراخ 30:17). بهذا لا نطلب الشهوات الشريرة بل نقاومها بالروح الذي يشتهي ضد الجسد (غلا 17:5)، فلا تسحبنا وتغوينا وتلقي بنا في الطرق الشريرة.
القديس أغسطينوس
* "عن أحكامك لم أحِد، لأنك وضعت لي ناموسًا"... يقرر ما جعله يخاف، حتى منع قدميه عن كل طريق شرير...
أنت أعمق من عمقي نفسه، لقد وضعت ناموسًا في قلبي بروحك، كما بأصابعك، فلا أخاف منه كعبدٍ لا يحمل حبًا، بل أحبه بخوفٍ رقيق كابن، وأخاف بحبٍ رقيقٍ.
القديس أغسطينوس
4. يا لعذوبة الوصية!
تتطلب الحياة الجديدة الجدية والاغتصاب، وامتناع المؤمن عن سلوك كل طريق خبيث ليدخل الطريق الضيق، طريق كلمة الرب المصلوب، ليجد مع الضيقة عذوبة فائقة، فيقول:
"إن كلماتك حلوة في حلقي،
أفضل من العسل والشهد في فمي" [103].
لكلمة الله عذوبة خاصة، أحلى من كل فلسفات العالم ومعرفته وحكمته.
شتان بين من يدرس كلمة الله بطريقة عقلانية بشرية جافة، وبين من يأكلها ليغتذي بها، فيجدها طعامًا مشبعًا وحلوًا، أشهي من العسل والشهد. إنها تعطي عذوبة للنفس، فتحول جفاف قلبنا القاسي إلى عذوبة الحب المتسع والمترفق! كأن كلمة الله في عذوبتها تحول المؤمن إلى الحياة العذبة، فيستعذب الآخرون الشركة معه.
* إذا أكل إنسان حصرمًا تضرست أسنانه وصارت تعاني من فرط الحساسية فلا يقوى على أكل الخبز، هكذا أيضًا إذا ما اقتات إنسان على دنس هذا العالم بإفراط وانغمس في أحاديث النميمة الباطلة فإنه يحتقر ويرفض الدرس الإلهي الحلو حتى إذا ما قَرأه هذا الإنسان لا يستطيع أن يقول مع النبي: "ما أحلي قولك يا رب"1.
* تبقى حلاوة كلمة الله دائمة فينا شريطة أن نرغب في غرسها في الآخرين بتكرارها وترديدها دومًا بحبٍ كاملٍ متدفقٍ2.
الأب قيصريوس أسقف آرل
* أحيانًا يكون لعبارات كتابية عذوبة متزايدة في الفم (مز 103:119) كما يكرر المرء عبارة بسيطة في الصلاة عدة مرات دون أن يشبع منها وينتقل منها إلى عبارة أخرى3.
مار اسحق أسقف نينوى
* الآن تعليم الحكمة المُعلن يشبه العسل، وكالشهد الذي يُضغط عليه من الأسرار الغامضة كما يُفعل بخلايا الشمع بفم المُعلم كمن يمضغه، فيكون حلوًا في فم القلب لا الفم الجسدي.
القديس أغسطينوس
* إنه سحر الحق الذي عبَّر عنه المرتل مؤكدًا ذلك عند قوله: "كم هي حلوة كلماتك لحلقي، إنها أحلى من العسل في فمي".
القديس باسيليوس
* صارت كلمات الله حلوة لي مثل عسل الشهد، وصرخت من أجل المعرفة، ورفعت صوتي لأجل الحكمة1.
القديس غريغوريوس النزينزي * أيضًا "اذهب إلى النحلة وتعلم منها مقدار نشاطها". تأمل كيف تنتقل بين كل أنواع الزهور المختلفة لتجمع لك عسلها. هكذا لتنتقل أنت بين الكتب المقدسة وتتمسك بخلاص نفسك، وإذ تشبع منها تقول: "وجدت كلامك حلوًا في حلقي، أحلى من العسل والشهد في فمي" [103]2.
القديس كيرلس الأورشليمي
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه ليس كل نفسٍ تجد عذوبة في كلمة الله، بل النفس السوية غير المريضة، فإن المريض لا يشعر بطعم الطعام وعذوبته 3.
* مع هذا... لا يعرف البعض حتى أنه توجد كتب مقدسة لانهائيًا. لهذا السبب صدقوني ليس شيء سليمًا، ليس من أمرٍ نافعٍ يصدر عنا4.
القديس يوحنا الذهبي الفم
إذ يكتب القديس جيروم عن الأرملة Furia تحدث عن دبورة بكونها النحلة التي تجمع من زهور الكتاب المقدس عسل النحل.
[حسنًا دعيت نحلة (دبورة)، لأنها تتغذى على زهور الكتاب، وكانت تُحاط برائحة الروح القدس الذكية، وتجمع معًا في وحدة مع الشفاه النبوي عصير النكتارين الحلو.5]
5. عذوبة الوصية وكراهية الظلم
إذ يختبر المؤمن عذوبة كلمة الله المملؤه حبًا وترفقًا لا يطيق العنف ولا يقبل الظلم.
"من وصاياك تفطنت،
فلهذا أبغضت كل طرق الظلم،
لأنك وضعت لي ناموسًا" [104].
يميز القديس أغسطينوس بين تعبيرين: "أنا فهمت وصاياك" و"من وصاياك فطنت (فهمت)". الأول يكشف عن إدراكه لمعنى الوصايا، أما الثاني فيكشف عن تمتعه بعطية الفهم أو الفطنة أو الحكمة النابعة عن حفظ الوصايا.
* ينطق جسد المسيح بحق بهذه الكلمات، فإن هؤلاء الذين يحفظون الوصايا ينالون معرفة أكثر للحكمة بسبب حفظهم الوصايا نفسها. يضيف أيضًا "فلهذا أبغضت كل طرق الشر". محبة البرّ تستلزم بُغض كل الظلم. هذا الحب الذي هو أعظم قوة بسبب عذوبة الحكمة العلوية التي توحي به، الحكمة التي تُعطى لمن يطيع الله، وتهب فهمًا من خلال وصاياه.
القديس أغسطينوس
عذوبة كلمة الله
1. لسنا نوقر الكلمة فحسب بل ونحبها، فتحول أيام غربتنا إلى نهارٍ مبهجٍ [97].
2. بالكلمة الإلهية نتمتع بالحكمة الفائقة، نعيشها كما عاشتها الأجيال السابقة بروح العصر بلا انحراف كي نسلمها وديعة حيَّة للأجيال القادمة [100].
3. تحفظنا الكلمة من الطريق الخبيث، وحفظنا يعطينا فهمًا أعمق للكلمة. تسندنا الكلمة الإلهية في جهادنا، وجهادنا القانوني يكشف عن أعماق الكلمة [101].
4. في جهادنا الروحي نكتشف أن الله وضع لكل مؤمنٍ ناموسه الإلهي، كأنه قد أعده خصيصًا له، مما يعمق علاقته الشخصية بكلمة الله [102].
5. كلمة الله عذبة، تشبع وتقوت، وتعطي النفس حلاوة، فيشتهي الكل أن يلتقي معها ويشاركها عذوبتها في الرب [103].
من وحي المزمور 119 (م)
كلمتك عذبة ومشبعة لنفسي!
* اسمك حلو ومحبوب، ألهج فيه كل أيام حياتي!
العالم بكل مغرياته وآلامه لن يشغلني عن تلاوته!
* كلمتك عذبة ومشبعة لنفسي.
تهبني معرفة وعلمًا وحكمة من عندك.
فهمتها أكثر من اليهود الذين كان يلزمهم أن يكرزوا لي بها.
* ناموسك حلو، وضعته خصيصًا لي،
ودفعت به في قلبي تسجله بروحك القدوس!
بحب التزم به لأتمم إرادتك.
أحفظ وصاياك وأمنع رجلي عن كل طريق خبيث.
* ناموسك يهبني حبًا لك مملوء مخافة رقيقة، ومخافة ممتزجة بحبٍ رقيقٍ.
ناموسك العذب يدفعني للجهاد بقوة،
لأتمتع بالطاعة لك أيها المحبوب.
* خضعتَ لناموسك أيها الكلمة المتجسد فأعطيته عذوبة،
أسلك فيه كما سلكت أنت أيها الرأس المقدس!
* كلمتك يا إلهي أحلى من كل فلسفات العالم ومعرفته وحكمته.