ملخص لسفر نشيد الأناشيد النفس ترنم النشيد الأول وهى خارجة من المعمودية بعد أن نالت التبني والثاني وهى تشرب من ينابيع الحياة التي تفيض في الكنيسة والثالث وهى تتلمس رعاية الله المستمرة في برية العالم والرابع تسبحة جهادها والخامس تترنم به كلما حظيت بالنصرة فتملك مع الرب والسادس تُنشده مع الأنبياء حين تتحسس أسرار الأبدية والأمور السماوية السابع في حضرة العريس.. ملاحظات: + كان سفر نشيد الأناشيد يُقرأ في اليوم الثامن من الاحتفال بعيد الفصح بكونه نشيد الحب الأبدي المقدم لله، والذي يربط الله بأولاده المؤمنين الذين ينعمون بخلاصه.. فاليوم الثامن يشير إلى ما بعد أيام الأسبوع (7 أيام) أي يشير إلى الحياة الجديدة، والحياة الأخرى التي ننعم بها خلال المسيح فصحنا الحقيقي.. وكأنه النشيد يحمل نبوة عن الفصح الحقيقي، الذي ينقذنا من الموت، ويدخل بنا إلى حجا له "سماء السموات"، عروسًا عفيفة متحدة به اتحادًا أبديًا. + سفر النشيد هو سيمفونية حب تطرب بها النفس العابدة، التي انطلقت متحررة من قيود العالم، بعد أن تحررت من سلطان فرعون الروحي أي إبليس، لتتمتع بحرية مجد أولاد الله. لهذا لا يتحدث هذا السفر عن وصايا وتعاليم، بل عن سرّ الحب الأبدي، والحياة مع العريس السماوي.. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: "يأمرنا الكلمة في سفر النشيد ألا نفكر فيما هو للجسد حتى ونحن بعد في الجسد. بل نرتفع إلى الروح، فنحول كل تعبيرات الحب التي نجدها هنا كتقدمات طاهرة غير مدركة، نقدمها للرب الصالح الذي يفوق كل فهم، والذي فيه وحده نجد كل عذوبة وحب ومُشتهى". + إن هذا السفر الذي يتغنى بالحب يسميه العلامة أوريجينوس "سفر البالغين".. "أما الطعام القوى فللبالغين.. الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدرّبة.. وأما الأطفال في الإيمان فلهم في كلام الله غذاء يجدونه في الأسفار الأخرى". + ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص عن هذا السفر "إنني أتحدث عن سفر نشيد الأناشيد معكم أنتم جميعًا يا من تحولتم إلى ما هو إلهي.. تعالوا أدخلوا إلى حجرته الزيجية غير الفاسدة، يا من لبستم ثوب أفكار النقاوة والطهارة الأبيض. فإِن البعض لا يرتدى ثوب الضمير النقيّ اللائق بعروس إلهية، ومن ثم يرتبكون بأفكارهم الذاتية، وينحدرون بكلمات العريس النقية إلى مستوى الذات البهيمية. وهكذا يبتلعون في خيلات مُشينة". + أما الناسك المصري الأب بفنوتيوس، فيرى في كتب سليمان الحكيم درجات النسك الثلاثة التي ترتفع بالإنسان إلى حياة الحب والاتحاد بالله في سفر النشيد.. يقول "سفر الأمثال يقابل النوع الأول من النسك. فيه نقمع شهوات الجسد والخطايا الأرضية. والنوع الثاني يمثله سفر الجامعة حيث يعلن أن كل ما يحدث تحت الشمس هو باطل. وأما النوع الثالث فيطابقه سفر نشيد الأناشيد، وفيه تسمو النفس فوق كل المنظورات، مرتبطة بكلمة الله بالتأمل في الأمور السماوية". + وقد فهم أنبياء العهد القديم أن العهد الذي كان بين الله وشعبه هو بمثابة عهد زواج. يقول إشعياء "لأن الرب يُسرّ بكِ.. كفرح العريس بالعروس يفرح بكِ إلهك" (إش 62: 4، 5).. ويقول هوشع "ويكون في ذلك اليوم يقول الرب إنك تدعيني رجلي.. وأخطبك لنفسي إلى الأبد. وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم. أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب" (هو 2: 14 20) [ أنظر خروج 45 ؛ أرميا 2: 2 ؛ حزقيال 16: 7 14 ]. + إن سفر النشيد هو سفر العرس السماوي، فيه تتحقق إرادة الله الأزلية من نحو الإنسان.. هو نبوة لسرّ الزفاف الاسخاتولوجى حيث تزف الكنيسة الواحدة الممتدة من آدم إلى آخر الدهور عروسًا مقدسة.. هذا العرس رآه يوحنا المعمدان بالروح فقال "من له العروس فهو العريس" (يو 3: 19).. هو غاية كرازة الرسل فيعلن بولس ذلك بقوله "فإني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2). وفى سفر الرؤيا يقول يوحنا "و أنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مُهيأة كعروس مزينة لرجله" (رؤ 21: 2).. "قد ملك الرب الإله.. لأن عرس الخروف قد جاء. وامرأته هيأت نفسها، وأعطيت أن تلبس بزا نقيا بهي" (رؤ19: 6 8) + ولما كان هذا السفر هو الزيجة الروحية التي تربط المسيح البتول بكنيسته البتول، لهذا رأى بعض آباء الكنيسة في هذا السفر أنه "سفر سرّ البتولية"، حيث تشبع النفس البتول بعريسها البتول، فلا يعوزها شيء، حتى ولا إلى الزيجة الجسدية.. ومن هؤلاء القديس جيروم.. لقد ربط بين الإنجيل والبتولية، كما ربط بين الناموس الموسوي وعفة الزواج.. وهو يرى أن هذا السفر يعلن أن وقت الشتاء قد مضى، أي كمل زمان الناموس الذي يحث على العفة من خلال الزواج المقدس، وجاء وقت الربيع حيث تظهر زهور البتولية ويمدحها. أما فيما يختص باستخدام بعض أعضاء الجسد في هذا السفر للتعبير عن دلالات روحية، فيقول العلامة أوريجينوس في تعليقه على سفر النشيد: "في مستهل كلمات موسى النبي حيث يصف خلق العالم نجد إشارة إلى خلقة رجلين: الأول خلق على صورة الله وشبهه (تك 1: 26)، والثاني خلق من تراب الأرض (تك 2: 7).. لقد عرف بولس الرسول هذا حق المعرفة، وكان يملك فهمًا واضحًا لكل هذه الأمور. كتب في رسائله بصراحة ووضوح أن كل إنسان هو إنسانان مختلفان.. "أن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيوم" (2 كو 4: 16).. وأيضًا "فإني أُسرُّ بناموس الله بحسب الإنسان الباطن" (رو 7: 22).. كما كتب فقرات كثيرة جدًا مثل هذه.. وعلى هذا الأساس لا أظن أن أحدًا الآن يخالجه شك في أن موسى في مستهل التكوين كتب عن خلق وتشكيل إنسانين مختلفين.. وهو يذكر أن أحدهما ألا وهو الإنسان الباطن يتجدد يومًا فيومًا. ولكنه يؤكد أن الآخر الإنسان الخارج في القديسين يفنى ويضمحل". و يمضى أوريجانوس ويقول "و ما نريد أن نبيّنه على هذا الأساس هو أنه في الأسفار المقدسة بالدلالات المماثلة وأحيانًا بالكلمات نفسها نرى أعضاء الإنسان الخارج وأجزاء الإنسان الباطن يقارن أحدهما بالآخر، ليس فقط من جهة الدلالات، بل أيضًا من ناحية الواقع ذاته. وعلى سبيل المثال يمكن أن يكون بعض الناس حسب السنّ ولدًا من جهة الإنسان الباطن، وفى مقدوره أن ينمو حتى يبلغ سن الشباب. وهكذا ينمو باطراد حتى يصل إلى إنسان كامل (أف 4: 13). وما يلبث أن يصير أبًا..!! نرى يوحنا الرسول يكتب قائلًا "أكتب إليكم أيها الأولاد لأنكم قد عرفتم الآب. أكتب إليكم أيها الآباء لأنكم قد عرفتم الذي من البدء. كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير" (1يو 2: 13، 14).. إني لا أظن أن أحدًا يخالجه شك في أن يوحنا يستعمل هذه المصطلحات: أولاد، أحداث وشبان، وآباء بحسب سن النفس وليس الجسد..". "يقول بولس في أحد المواضع "لم أستطيع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين، كأطفال في المسيح، سقيتكم لبنًا لا طعام" (1 كو 3: 1،2). إنه يستخدم مصطلح "طفل في المسيح" ليوضح عمر النفس وليس عمر الجسد. ويقول في موضع آخر "لما كنت طفلًا كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن وكطفل كنت أفتكر. ولكن لما صرت رجلًا أبطلت ما للطفل" (1كو 13: 11). وفى موضع آخر يقول "إلى أن ننتهي.. إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف 4: 13). لأنه يعلم أن كل من يؤمن سينتهي إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح".. "وكما أن أسماء الأعمار التي تكلمنا عنها تنطبق بنفس الدلالات على كل من الإنسان الباطن والخارج، كذلك أسماء أعضاء الجسد، فإنها تطلق على أعضاء النفس، وبالأحرى تطلق على قوة النفس ورغبتها. وهذا ما يعبر عنه في سفر الجامعة "الحكيم عيناه في رأسه" (جا 2:14). وفى الإنجيل "من له أذنان للسمع فليسمع" (مر 4:9). وأيضا في الأنبياء "الكلمة التي تكلم بها الرب على يد أرميا النبي وأي نبي آخر" (أر 50: 1 ؛ إش 20: 2).. ومثل ذلك قول الحكيم "احفظ الرأي والتدبير فيكونا حياة لنفسك ونعمة لعنقك. حينئذ تسلك في طريقك آمنًا ولا تعثر رجلُك" (أم 3: 21 23). وأيضًا "أما أنا فكادت تزل قدماي" (مز 73: 2). وقول إشعياء "حبلنا، تلوينا كأننا ولدنا ريح" (إش 26: 18). وواضح أن النبي يعنى رحم النفس. وكيف يستطيع أي إنسان أن يشك في هذا الأمر حين يقول الكتاب "حلقهم قبر مفتوح" (مز 5: 9). وأيضًا "أهلِك يا رب، فرّق ألسنتهم" (مز 55:9). وأيضًا قوله "هشّمت أسنان الأشرار" (مز 3: 7). وأيضًا "أحطم ذراع الفاجر والشرير" (مز 10: 15"). "وعلى أساس الأدلة التي سقناها يتبين بوضوح أن هذه الأسماء للأعضاء لا يمكن بأيّ حال أن تنطبق على الجسم المنظور، بل تشير إلى أجزاء النفس غير المنظورة وقواها. والسبب أن كليهما يحمل دلالات مماثلة. ولكن الأمثلة المعطاة تُعَبّر بوضوح ودون إبهام قط عن معان لا تنطبق على الإنسان الخارج، بل على الإنسان الباطن.. إن هذا الإنسان المادي الذي يدعى الإنسان الخارج له طعام وشراب يناسبان طبيعته الخاصة الجسدية والأرضية. وشبيهه بهذا الإنسان الروحي المدعو الإنسان الباطن وله أيضًا طعمه الخاص ذلك الخبز الحيّ الذي نزل من السماء (يو 6: 33، 41) ؛ وشرابه من ذلك الماء الذي وعد به يسوع حسن قال "من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد" (يو 4: 14). وهكذا يطبق تشابه في الدلالات على كل شيء بحسب كل من الإنسانين.. بهذا المعنى نفهم قول الكتاب "العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت" (1 صم 2: 5). وكما قيل في بركة الرب لشعبه قديمًا "لا تكون مُسْقِطة وعاقر في أرضك" (مز 23: 26). أما فيما يختص بالحب الجسداني والمحبة الروحية فيقول أوريجينوس: "إن قيل إن هناك حب جسدي الذي يطلق عليُه الشعراء أيضًا "حب" فتبعًا لذلك فلإنسان الذي يحب هذا الحب يزرع للجسد. كذلك هناك حب روحي، وطبقًا له فالإنسان الباطن إذا أحب يزرع للروح (غل 6: 8). وبوضح أكثر نقول إذا كان هناك إنسان ما لا يزال يلبس صورة الترابي طبقًا للإنسان الخارج، فإنه ينقاد بشهوة أرضية وحب جسدي. ولكن الإنسان الذي يلبس صورة السماوي طبقًا للإنسان الباطن، فإنه ينقاد برعبة سماوية وحب (1 كو 15: 49). إن النفس تُهوى بحب سماوي ورغبة حينما تدرك جمال كلمة الله وعظمته. إنها تقع في حب جلاله. وبهذا تحصل منه على بعض سهام الحب وجراحه، لأن الكلمة (اللوغوس) هو صورة الله غير المنظور وبهاؤه، بكر كل خليقة. الذي فيه خُلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى (كولوسى 1: 15 ؛ عب 1: 3).