رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ونحنُ نحيا في هذا الجسد، نخدم الرب ونقوم بالمهمة التي أوكلها إلينا، نسير في رحلة تبدأ منذُ ولادتنا، وتتبلور أكثر عندما نتعرَّف على الرب ونغدو من أولاده، وتنتهي عندما نذهب لنُلاقي الرب في السماء، ونبقى معهُ إلى الأبد. ورسالة الرب لنا اليوم هي: " أن نتمتَّع بالرحلة ". تُخبرنا كلمة الله أنَّ: " الرجاء المُمَاطَل (أو المؤجَّل أو المؤخَّر) يُمرِض القلب، والرغبة المُتحقِّقة شجرة حياة " (أمثال 13 : 12). ماذا يُريد الروح القدس أن يُعلِّمنا اليوم من خلال هذه الآية في سياق التمتُّع بالرحلة؟ جميعنا يتمنَّى أو يرجو تحقيق أمور مُعيَّنة.. لكن عندما لا تتحقَّق هذه الأمنيات أو هذا الرجاء، أو يتأخَّر ويُؤجَّل تحقيقها، فهذا يخلق لدينا خيبات أمل وإحباط وفشل، وكلمة الله قالت: أنَّ المماطلة في تحقيق ما نرجوه تُمرض القلب.. ولو أجرينا إحصائية في هذا السياق بين المؤمنين، عن توقُّعات وأمنيات ينتظرون تحقيقها ولم تتحقَّق بعد، أو بالأحرى لن تتحقَّق أبدًا، لوجدنا الجميع دون ٱستثناء يطالهم هذا الموضوع، ولوجدنا الكثيرين قد مرضوا من الانتظار.. وهم لا يتمتعون في رحلتهم مع الرب بل على العكس.. والسبب الرئيسي هوَ أننا وضعنا لأنفسنا أُطر معينة.. معايير معينة.. أهداف معينة.. وربطنا تمتعنا وسلامنا وفرحنا بتحقيقها.. وعندما لم تتحقَّق هذه الأمور مرضت قلوبنا.. دعني أوضح أكثر.. أسئلة كثيرة تدور في داخلنا: متى تنتهي هذه الحروب التي تُواجهني؟ متى تتوقف أفكار الخوف والقلق التي تهاجمني؟ متى تنتهي هذه التجارب التي أتعرَّض لها دومًا؟ متى تتوقف هذه العواصف التي تهب عليّ؟ متى تنتهي هذه التجنّيات والمخاصمات التي أتعرض لها ممَّن هم من حولي؟ متى يتوقف هذا الصراع في داخلي، أريد أن أسلك كما يريدني الرب، لكنني أُواجه مقاومة شرسة؟ ومتى.. ومتى.. ومتى...؟ وقد وضعنا لأنفسنا هذه المعادلة: " عندما تنتهي وتتوقف هذه الأمور، سأغدو فرحًا.. مُنتصرًا.. أشعر بالسلام وأتمتَّع في حياتي ". وكأنَّ نهاية هذه الأمور التي تُواجهنا أضحت هدفنا الأساسي، وحسمها سيُحقِّق لنا التمتُّع. لكن الجواب هوَ: لن ينتهي أي أمر من كل ما ذكرنا، ولن يتوقَّف شيء من كل ما ذكرنا أيضًا.. قبل أن نذهب إلى السماء !!! وكل رجاء بإن ينتهي أو يتوقَّف أي أمر من هذه الأمور.. هوَ رجاء مُماطل أو مؤجَّل أو بصريح العبارة لن يتحقَّق.. وهوَ يُمرِض القلب.. وهذه هيَ حالتنا اليوم، لأننا أخطأنا الطريق أو التوقُّع.. وهذا ما نريد تصحيحه لكي نتمكَّن من التمتُّع بالرحلة. أحبائي: لو أدركنا اليوم أن مهمتنا الأساسية وهدفنا الأساسي على هذه الأرض هما: تتميم المأمورية العظمى التي سلَّمنا إياها الرب، بأن نذهب إلى العالم أجمع ونكرز ببشارة الخلاص، ونعمل جاهدين لكي يمتد ملكوت الله، وتتراجع مملكة الظلمة، ولو أدركنا ما سيعترض رحلتنا هذه من صعوبات وتحديات ومشاكل وحروب وما شابهها.. وحسبنا حساب النفقة، وعرفنا أن تمتعنا بالرحلة ليسَ في التخلُّص من هذه الحروب والتحديات، بل في تحقيق خطة الله لحياتنا، ومواجهة ما يعترضها بسلام وفرح وانتصار، لوضعنا حدًّا لكل فشل وتعب وإخفاق يكتنف حياتنا.. لأنَّ خطة الله لأولاده ليست نهاية الحروب والمشقات والتحديات، بل الانتصار عليها.. وتتميم خطته بفرح وسلام. تعال معي إلى كلمة الله لكي تتضح لنا الصورة أكثر، ونجد الحلول، ونعيد ترتيب الوضع من جديد.. قال الرسول بولس: " والآن ها أنا أذهب إلى أورشليم مُقيَّدًا بالروح، لا أعلم ماذا يُصادفني هناك، غيرَ أنَّ الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلاً: أنَّ وُثقًا وشدائد تنتظرني، ولكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أُتمِّم بفرح، سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله ". (أعمال 20 : 22 – 24). " ٱفرحوا في الرب كلَّ حين، واقول أيضًا ٱفرحوا... لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلم طلباتكم لدى الله، وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع " (فيلبي 4 : 4 – 7). " ٱفرحوا كل حين " (تسالونيكي الأولى 5 : 16). " ٱحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أنَّ ٱمتحان إيمانكم يُنشئ صبرًا، وأمَّا الصبر فليكن له عمل تام، لكي تكونوا تامّين وكاملين غير ناقصين في شيء " (يعقوب 1 : 2 – 4). " أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المُحرقة التي بينكم حادثة لأجل ٱمتحانكم، كأنه أصابكم أمر غريب، بل كما ٱشتركتم في آلام المسيح، ٱفرحوا لكي تفرحوا في ٱستعلان مجده أيضًا مبتهجين " (بطرس الأولى 4 : 12 - 13). دعوة إلى الفرح والابتهاج والتمتُّع، مُوجَّهة إلى المؤمنين من ثلاثة رسل: بولس ويعقوب وبطرس.. والعجب ليسَ في الدعوة إلى الفرح والابتهاج والتمتُّع، لأننا جميعنا نرغب في ذلك، لكن العجب والتناقض الظاهري، هما في الدعوة إلى الفرح والابتهاج والتمتُّع خلال الضيقات والتجارب والمحن، وما قد ينتظرنا من مشاكل ومواجهات عنيفة وما شابهها من أمور.. وبطريقة غير مباشرة، دعوة إلى التمتُّع بالرحلة وليس إلى التمتُّع عند نهاية الرحلة !!! وهذا هوَ بيت القصيد.. وجوهر تأمُّلنا اليوم. وهذا تحدٍّ كبير للفكر البشري الذي يقول: " أتمتَّع عندما أُنجز العمل ". لكن الرب اليوم، يُريد أن يُغيِّر فكرنا هذا ليُصبح: " أتمتَّع وأنا أُنجز العمل.. أتمتَّع بالرحلة !!! ". فعندما نُدرك أن مهمتنا الرئيسية وهاجسنا الوحيد كما سبق وذكرنا، هما المأمورية العظمى، ربح النفوس.. ٱمتداد الملكوت.. وهزم الشيطان.. مهما كانت التضحيات والتحديات كثيرة وكبيرة.. وفرحنا وسلامنا ليسا في نهاية هذه التحديات والصعاب، بل في مواجهتها بٱنتصار، لتمكَّنا من التمتُّع في الرحلة مهما كانت شاقة ومتعبة.. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى، فالرب قال لتلاميذه ولنا من خلالهم: " قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم " (يوحنا 16 : 33). " سلامًا أترك لكم، سلامي أُعطيكم، ليس كما يُعطي العالم أُعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب " (يوحنا 14 : 27). الرب لم يُخفِ عنَّا مشقات ومصاعب وتحديات وحروب الرحلة، ولا الضيق الذي سيكون لنا ما دمنا في هذا الجسد، لكنه أكَّدَ لنا أننا نستطيع أن نغلب وأن يكون لنا سلام خلال هذه الرحلة، لكن سلام من نوع آخر.. ليس سلام العالم، بل سلامه هوَ، سلام في المسيح، كما تقول الآيات.. ولكي نفهم، ينبغي أن نعرف ما هوَ الفرق بين فرح وسلام وتمتُّع العالم، وسلام وفرح وتمتُّع الرب. السلام والفرح والتمتُّع المعتمدين على مقاييس العالم، لا يتحقَّقون إلاَّ إذا توافرت لهم شروط العالم.. فنحن نحصل عليهم عندما لا تعترضنا مشاكل وصعوبات وتحديات وحروب ومواجهات وٱضطهادات.. أو عندما نحسمها مرة لكل المرات ولا نعود نتعرَّض لها من جديد. وبما أنَّ هذا لن يتحقَّق أبدًا على هذه الأرض.. فنحن لن نحصل عليهم أبدًا.. ومهما رجونا ذلك، فسيبقى هذا الرجاء مُماطل فيه ويُمرِض القلب، وهذه هي حالتنا اليوم.. لكن فرح وسلام وتمتُّع الرب، ليسوا معتمدين على الظروف ومتغيِّراتها، ولا على توقُّف الحروب والمشاكل والتحديات والصعاب، فلذلك سيبقوا راسخين مهما حصل.. ولذلك يُمكننا التمتُّع بالرحلة مهما صعبت.. فلو هاجم فأرٌ أسدًا ألف مرة في اليوم الواحد، فذلكَ الأسد لن يتأثَّر أبدًا، لن يقلق ولن يرهب، لأنه أسد ولأنَّ المُهاجم فأر.. لكن العكس صحيح !!! داود قال: " إن نزل عليَّ جيش لا يخاف قلبي، إن قامت عليَّ حرب ففي ذلك أنا مطمئن " (مزمور 27 : 3). وكاتب المزمور 112 قال: " لا يخشى من خبر سوء، قلبه ثابت متكلاً على الرب، قلبه مُمكَّن فلا يخاف... " (مزمور 112 : 7 – 8). إنَّهُ موقف الرسل الثلاثة نفسه.. الحرب قائمة عليه.. لكن لا وجود للخوف.. لا بل يطمئن في الحرب، وكأنَّ الحرب تجلب له طمأنينة.. هوَ عالم أنَّ الحرب عليه لن تتوقَّف، والهجمات عليه لن تتوقَّف، لكن بالرغم من ذلك فهوَ غير خائف ومطمئن. أخبار سوء كثيرة.. لكنه لا يخاف.. لا يهتز سلامه.. قلبه مُمكَّن متكلاً على إلهه.. كلاهما مع الرسل الثلاثة.. متمتِّعون بالرحلة وسط كل ما يعترضها من مخاطر وحروب ومشاكل وضيقات وأخبار سوء.. لأنَّه كان لهم سلام الرب وفرحه.. وليس سلام العالم وفرحه !!! الفرح والسلام والتمتُّع والطمأنينة التي يمدَّنا بها العالم أو المنطق، لها شروطها كما سبق وذكرنا.. ينبغي أن يكون كل شيء على ما يرام لكي نحصل عليهم.. وهذا لن يتحقَّق بسبب ما نواجهه كمؤمنين وما تواجهه البشرية جمعاء في هذا العالم الذي وُضِعَ في الشرير.. وهذا ما يجعل رجاءَنا مُماطل فيه ولا يتحقَّق ويُمرِض قلوبنا.. لكن لو أدركنا في أعماق قلوبنا اليوم، أنَّ الفرح الحقيقي والسلام الحقيقي، هما من ثمار الروح القدس، اللذين لا يعتمدان على الظروف المؤاتية لكي يتحقَّقا في حياتنا، لا بل أكثر.. لو أدركنا أنهما لا يتأثران أبدًا بالحروب والضيقات والصعوبات التي نواجهها، بل يزدادان خلالها.. لعرفنا كيف نتمتَّع بالرحلة.. وتوقفنا عن وضع معايير وخطط مُحدَّدة لكي نحصل على الفرح والسلام.. لأنَّها لن تتحقق وستبقى رجاء مُماطل فيه يُمرِض قلوبنا. وبولس يقول مؤكِّدًا لنا ما أقوله لكم: " وأنتم صرتم متمثلين بنا وبالرب، إذ قبلتم الكلمة في ضيق كثير، بفرح الروح القدس " (تسالونيكي الأولى 1 : 6). مؤمنو تسالونيكي تمثَّلوا بمبادئ ومعايير الرب وبولس للحصول على السلام والفرح والتمتُّع بالرحلة، فقبلوا الكلمة في ضيق كثير.. لكن بفرح الروح القدس، إذ لا يمكن أن يفرح أحد أو يتمتَّع خلال الضيق، عندما لا يكون هذا الفرح مصدره الروح القدس، الذي لا يتأثَّر بالظروف الصعبة.. عندما قال بولس للمؤمنين: ٱفرحوا بالرب كلَّ حين وأقول أيضًا ٱفرحوا.. برَّر لهم هذا الطلب الغريب وفقًا للمنطق.. فعبارة " كل حين "، تعني في كل الظروف، الصعبة والشاقة والمُقلقة والمخيفة... لكنه أوضح لهم كيف يتم ذلك: " وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع ". سلام يفوق المنطق والعقل والإدراك البشري، الذي لا يفرح ولا يتمتَّع بالسلام، إلاَّ إذا كانت الأمور جيدة، والظروف مؤاتية. أمران في نهاية المطاف: 1 – أن نُدرك ونعي مهمتنا الأساسية والصعاب التي ستواجهنا، ونحسب حساب النفقة من أول الطريق، لكي لا تخور عزيمتنا عندما تُواجهنا الحروب والصعاب وكأنها أمر غريب يحصل معنا. 2 – أن نُدرك أن الحروب والمشاكل والضيقات والتحديات لن تنتهي ولن تتوقَّف أبدًا، حتى لا ننتظر ونرجو أمورًا لن تتحقَّق فتمرض قلوبنا. لا تبني إيمانك على الظروف وتَغَيُّرها وتحسُّنها بل على الله وحده: آمن تأمن.. ولا سبيل آخر، وٱطلب من الرب أن يُدمِّر كل أساسات الأمان المُزيَّفة التي بنيتها لنفسك، أو أوهمك بها الشيطان ومقاييس العالم والمنطق. ثق بأنه لن تُصيبك تجربة إلاَّ بشرية، والله لن يدعك تُجرَّب فوق ما تستطيع، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ (كورنثوس الأولى 10 : 13). وثق أننا في هذه جميعها يعظم ٱنتصارنا بالذي أحبَّنا (رومية 8 : 37). وأخيرًا.. حقيقة دامغة وخلاصة ذهبية يريد الرب أن يقولها لكَ: تمتَّع خلال الرحلة وليسَ في نهايتها. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الأدلّة من العهد الجديد - تمتّع المسيح بامتياز معرفة الآب السّماوي |
وفض علينا بالرحمة |
تمتّع بحريتك في المسيح |
تمتّع بكل شيء |
تمتّع ببركة الإكتفاء الذاتي في المسيح يسوع |