المقطع الأول: إنجيل يوحنا 6 : 22 – 35.
" وفي الغد، تذكَّر الجمع الذي بقي على الشاطىء الآخر أن قارباً واحداً كان هناك، وأن يسوع ما صعد إليه مع تلاميذه، بل ذهب التلاميذ وحدهم. إلاَّ أن بعض القوارب جاءت من طبرية إلى الشاطىء القريب من الموضع الذي أكلوا فيه الخبز بعد أن شكر الرب. فلمَّا رأى الجمع أن يسوع ما كان هناك ولا تلاميذه، ركبوا القوارب وذهبوا إلى كفرناحوم يبحثون عنه. فلما وجدوه على الشاطىء الآخر قالوا له: " متى وصلت إلى هنا يا معلم ؟ " . فأجابهم يسوع : " الحق الحق أقول لكم، أنتم تطلبوني لا لأنكم رأيتم الآيات، بل لأنكم أكلتم الخبز وشبعتم. لا تعملوا للقوت الفاني، بل اعملوا للقوت الباقي للحياة الابدية. هذا القوت يهبه لكم ابن الإنسان، لأن الله ختمه بختمه ". ... قالــوا لـه " يـا سيـد أعطنا كل حين من هذا الخبز ". فقال لهم يسوع: " أنا هو خبز الحياة. من جاء إليَّ لا يجوع ".
المقطع الثاني: إنجيل لوقا 5 : 4 – 11.
" ولمَّا ختم كلامه، قال لسمعان " سر إلى العمق وألقوا شباككم للصيد ". فأجابه سمعان : " تعبنا الليل كله، يا معلم، وما اصطدنا شيئاً. ولكني ألقي الشباك إجابة لطلبك ".
وفعلوا ذلك فأمسكوا سمكاً كثيراً، وكادت شباكهم تتمزق... وكان في دهشة هو ورفاقه كلهم لكثرة السمك الذي اصطادوه. ومثلهم يعقوب ويوحنا ابنا زبدي وشريكا سمعان. فقال يسوع: " لا تخف ! ستكون بعد اليوم صياد بشرٍ ". ولمَّا رجعوا بالقاربين إلى البر، تركوا كل شيءٍ وتبعوا يسوع ".
المقطع الثالث: إنجيل يوحنا 21 : 3 – 13.
" فقال لهم سمعان بطرس: " أنا ذاهب للصيد ". فقالوا له: " ونحن نذهب معكَ ". فخرجوا وركبوا القارب، ولكنهم في تلك الليلة ما أمسكوا شيئاً من السمك ".
وفي الصباح وقف يسوع على الشاطىء، فما عرف التلاميذ أنه يسوع. فقال لهم: " أيها الشبان، أمعكم شيء يؤكل ؟ " فأجابـوه: " لا " قال لهم: " ألقوا الشبكة إلى يمين القارب تجدوا سمكاً ". فألقوا الشبكة وما قدروا أن يخرجوها، لكثرة ما فيها من السمك ... فلمَّا نزلوا إلى البر رأوا جمراً عليه سمكٌ وخبزاً. فقـال يسوع: " هاتوا من السمك الذي أمسكتموه الآن "... ودنا يسوع، فأخذ الخبز وناولهم، وكذلك ناولهم من السمك ".
أتمنى أن نكون قد تأملنا جيداً في مقطع " دروس وعِبَرْ من فم الله " الذي كتبناه سابقاً، والـذي كان بعنوان " هاتوا ما عندكم " لأنني سأحاول أن أتابع التأمل هذا الأسبوع بتكملة لهذا الموضوع الهام جداً، بعدما قادني الروح القدس إلى ذلك، وبإلحاح.
وكما نكون قد قرأنا أن الرب أشبع الجموع من الخبز والسمك اللذين استحصل عليهما من يد التلاميذ، وكأنه يطلب بطريقة غير مباشرة من هؤلاء التلاميذ أن يكون لديهم خبزاً وسمكاً، بصورة دائمة، وذلك لتلبية احيتاجات الجموع الجائعة، وكما نكون قد قرأنا أن جواب التلاميذ للرب كان " ليس لدينا ما نطعمهم " وبطريقة أخرى ليس لدينا خبزاً وسمكاً يكفي لهذه الأعداد، تعالوا نتأمل ونتعلم معاً من كلمة الله من أين نأتي بالخبز والسمك ؟ وكيف يكون لدينا دائماً من هذا الخبز والسمك ؟ وذلك لكي نتمكن من إشباع الجموع المحيطة بنا بصورة دائمة !!!
نقرأ من خلال الفصل السادس من إنجيل يوحنا عن الحوار الذي دار بين يسوع والتلاميذ لإطعام الجموع، ونقرأ أن يسوع أشبع هذه الجموع من الخبز والسمك. وليس من باب المصادفة أبداً، أن نقرأ في نفس الفصل والذي أوردناه في المقطع الأول من هذا التأمل، يسوع يقول للجموع التي تبعته في اليوم التالي إلى الشاطىء " الحق الحق أقول لكم : أنتم تطلبوني لا لأنكم رأيتم الآيات بل لأنكم أكلتم الخبز وشبعتم. لا تعملوا للقوت الفاني، بل اعملوا للقوت الباقي للحياة الابدية. هذا القوت يهبه لكم ابن الإنسان لأن الله ختمه بختمه ". وها هو الرب يقول أيضاً في الآية 35 " أنا هو خبز الحياة، من جاء إليَّ لا يجوع ". لقد حدَّدَ يسوع بطريقة لا تقبل الجدل، بأنه هو وحده خبز الحياة، وقد حاول أن يفهم التلاميذ هذه الحقيقة. نعم إن رغيفي الخبز لن يستطيعا يوماً ما أن يشبعا هذه الأعداد الهائلة، ويسوع كان يعلم ذلك، ولكنه كان يريد أن يعلِّم الدرس لتلاميذه، عندما قال لهم: " هاتوا ما عندكم " وكان يقصد بالطبع أن ما عندهم ليسا رغيفي الخبز بل " رغيف واحد هو يسوع المسيح الخبز النازل من السماء "، لأنه وحده الذي يستطيع إشباع، ليس هذه الجموع الكبيرة فقط، بل العالم بأسره، وها هو بطرس الرسول، بعدما مات الرب ودُفن وقام وصعد إلى السماء وأرسل روحه إلى التلاميذ في تلك العليَّة، نراه قد تعلَّم الدرس، عندما يقول في سفر أعمال الرسل الثالث للرجل الكسيح ما يلي: " لا فضة عندي ولا ذهب " نعم مازال يقول ليس عندي كما قال التلاميذ سابقاً " ليس لدينا ما نطعمهم " وهذا صحيح لكنه يتابع ليقول " ولكنني أعطيك ما عندي بإسم يسوع المسيح الناصري قم وامشي " لقد تعلَّم بطرس الدرس، تعلَّم أن عنده يسوع وهو كافٍ لحل كل مشاكل الجموع، نعم يسوع هو الخبز النازل من السماء وهو " لنا " أو " ما عندنا " كما يقول بطرس، فلنُشبع به الجموع.
إخوتي الأحباء:
لنقدم إلى الجموع " يسوع فقط " لا حاجة لهم لأكثر من ذلك، لا حاجة لهم لجدال ونقاش في العقيدة، والطوائف والمذاهب، وأوجه الإتفاق والخلاف، فلسنا وليسوا بحاجة لذلك، ألم يقل الروح القدس على لسان بولس الرسول " يا تيموثاوس احفظ الوديعة وتجنب الكلام الفارغ والجدل الباطل الذي يحسبه الناس معرفة، وحين اتخذه بعضهم زاغوا عن الإيمان " (رسالة تيموثاوس الأولى 6 : 20 – 21).
والآن ماذا عن السمك ؟ من أين نأتي به ؟ نتأمل معاً في المقاطع الذي أوردناها أعلاه.
نقرأ في إنجيل لوقا الفصل الخامس، أن بطرس أجاب الرب عندما طلب منه أن يلقي شباكه " تعبنا الليل كله يا معلم وما اصطدنا شيئاً "، وأعتقد على ما هو واضح أنه كان اللقاء الأول بين يسوع وبطرس، ولكنه أيضاً في إنجيل يوحنا الفصل 21، وذلك بعد ثلاث سنوات ونصف من العلاقة بين يسوع وبطرس، نرى أن بطرس ورفاقه أيضاً لم يصطادوا شيئاً من السمك: " في تلك الليلة أيضاً ما أمسكوا شيئاً من السمك ".
في القصتين لا شيء من السمك، لا يوجد صيد، لماذا ؟
أعتقد أن ذلك حصل لعدة أسباب، سنحاول أن نستعرضها مع بعضنا:
في لوقا 5 :
1 – يسوع قال لبطرس " سر إلى العمق "، كلنا يحتاج إلى عمق جديد مع يسوع لكي نصطاد السمك، فلنبتعد عن الشاطىء وعن الأمور السطحية ولندخل إلى العمق.
2 – عندمـا قـرر بطـرس أن يلقي الشباك قال للرب " ولكن ألقي الشباك إجابة لطلبك " وحدها قيادة الرب وطريقته، تمكننا من الحصول على السمك وبكميات كبيرة.
3 – في يوحنا 21: يسوع يقول للتلاميذ " القوا الشبكة إلى يمين القارب تجدوا سمكاً " وحده الرب يعرف المكان الصحيح الذي يوجد فيه السمك.
4 – أين نجد السمك أيضاً ؟ عند قدمي الرب، نقرأ في الآية التاسعة من يوحنا 21 " فلما نزلوا إلى البر رأوا جمراً وعليه سمك وخبز "، ليس من السمك الذي اصطادوه، بل سمك من عند الرب، نعم وجدوا السمك حيث كان الرب واقفاً ينتظرهم، وجدوه عند قدميه جاهزاً للأكل، دون تعبهم ومحاولاتهم، وجدوه على الجمر المشتعلة، نعم لقد اصبح يسوع جمراً مشتعلة، عندما أحرقته على الصليب نار الدينونة التي تستحقها خطايانا، فأصبح مصدراً للسمك والخبز اللذين نحتاجهما، وكما نقرأ بتأمل دقيق، لم يجدوا سمكاً فقط بل سمكاً وخبزاً أيضاً، وما أجمل دقة الروح القدس باختياره العبارات عندما دوَّن لنا الإنجيل، أن يسوع انتظر التلاميذ لكي يروا السمك والخبز أولاً عند قدميه، ثم طلب منهم قائلاً " هاتوا من السمك الذي أمسكتموه الآن ".
لماذا ؟
أراد أن يعلمهم الدرس، ليس بعيداً عني تجدون السمك والخبز بل عند قدميَّ !!!
5 – نجد السمك أيضاً، عندما نكون في مشيئة الرب لحياتنا، أي في الخطة، في لوقا 5 نجد الرب يطلب من بطرس ترك صيد السمك، ليصبح صياد ناس، لكنه بعدما مات الرب، وقام من الموت، وقبل صعوده إلى السماء، نرى بطرس وليس وحده، يركب القارب من جديد ويذهب مجدداً إلى صيد السمك (خارج المشيئة، خارج الخطة)، وما هي النتيجة ؟ لا يوجد سمك، ربما اعتقد التلاميذ أنهم تعلموا من الرب في لوقا 5، كيف يلقون الشباك، وأين، واعتبروا ذلك كافٍ، فجربوا تطبيق ذلك بعيداً عن الرب وبمفردهم، لكنهم لم ينجحوا لماذا ؟ لأنهم خارج المشيئة، خارج الخطة، ودون يسوع، كما أن يوحنا 21 يخبرنا أنه عندما وقف يسوع على الشاطىء، لم يعرفوه، لماذا أيضاً ؟ لأنهم خارج المشيئة والخطة، فلم تعد عيونهم تبصر حقيقة الأمور.
أحبائي، هل تعلمنا ؟
1- يسوع هو الخبز الحقيقي النازل من السماء، هو الرغيف الأوحد الذي نحتاجه والذي يُشبع ليس فقط الجموع، بل العالم بأسره.
2 – كيف وأين نجد السمك ؟
في الدخول إلى الأعماق مع الرب.
في إعطاء الرب القيادة ليعلمنا طريقة صيد السمك، ومكان وجوده.
في الجلوس يومياً عند قدمي الرب.
في الانتباه أن نكون دوماً في المشيئة والخطة، والأهم من ذلك كلهُ مع يسوع.
أخوتي الأحباء:
الجموع حولنا في احتياج شديد شديد شديد !!!
لنسأل الرب أن يعطينا أولاً عينيه لنرى هذا الإحتياج، ولنسأله أن يعطينا قلبه لنشفق على هذه الجموع كما يشفق عليها هو، ومن ثم لنسأله أن يعطينا خبزاً وسمكاً، لنشبع هذه الجموع.
وكيف نحصل عليها ؟
أرجوك أن تتأمل جيداً بكل ما كتبناه.