لماذا يترك البعض الرهبنة؟
كثيرون بدأوا ولم يكملوا بسبب ضياع الهدف الرئيسي، لعدم اليقظة المستمرة، وظهور أهداف أخرى مثل الكرامة أو محبة الرئاسات، بحيث يجعلها الشيطان، مساوية، للهدف الأصلي أو مزاحمة له، وفي هذا يقول معلمنا بولس الرسول "أنتم عبيد للذي تطيعونه أما للخطية للموت أو للطاعة للبر" (رومية 6: 17). وهكذا فإن محبة الله والعفة والتكريس كدعوة من الروح القدس، هو الدافع الذي جعل كثيرين يثبتون في هذا الطريق لأنهم بدأوا بهدف واضح سليم.
يصل عدد الذين تركوا الرهبنة خلال الثلاثين سنة الأخيرة حوالي الأربعين راهبًا، وقد يبدو الرقم كبيرا ولكنه بالنسبة للعدد الكلى للرهبان وهو ألف وثلاثمائة (1300) رهب -كما سبق- لا يعد كبيرا بل يعد نسبة ضئيلة، فالذين تراجعوا عن الطريق وإما واجهتهم صعوبات لم يستطيعوا الصمود قدامها، كما لم تفلح معهم نصائح الآباء المدبرين (يعول كثيرا في التدبير الروحي، على ضرورة كشف الأفكار للأب المدبر، الجيد منها والرديء على حد سواء. حيث كثيرا ما تلاهت الشياطين بمن أخفوا أفكارهم)، وهناك كذلك من وقعوا تحت التأديب الكنسي، يضاف إلى ذلك أن بعض الذين تركوا الطريق الرهباني قد فضلوا ذلك حين اكتشفوا أنه من العبث المواصلة في طريق لن يثمروا فيه كما تمنوا، فآثروا اختيار طريق آخر علهم يخلصون فيه ويثمرون.
وقد شبه أحد الآباء ذلك بقافلة تسير نحو هدفها وبين آن وأخر يسقط أحد أفرادها، مما يسبب الأسف وربما الذعر بين الآخرين، وكأنما بسبب وعورة الطريق وكثرة الوحوش والأعداء وقسوة الطبيعة (المناخ) فإنهم يفقدون بعض الرفقة، ولعله من الأسباب الهامة وراء ذلك عدم التحسب للطريق وحروبه ووعورته، فإذا اعتبرنا أن الراهب يسمر مع المسيح (يصلب معه) بثلاثة مسامير فإن المسمار الأول هو الطاعة والثاني هو الفقر الاختياري وأما الثالث فهو العفة، وفي التقليد اليوناني يظهر المسيح مسمرا بأربعة مسامير ويقولون عن الراهب في -طقسهم- أنه يسمر مع المسيح وأن المسمار الرابع الذي يسمر به: هو الصبر على المسامير الثلاثة الأخرى"..
هذا وتعبر الكنيسة ترك الرهبنة حنثا بنذر البتولية وتشدد وتدقق جدا فيما يتعلق بالسماح لمن تركوا الرهبنة بالزواج لسببين أولهما لفت نظر حديثي السن بضرورة التدقيق عند اختيار الرهبنة كطريق وثانيهما الضغط على الراهب عله يثابر فلا يترك الطريق ولا يفقد إكليله التالي، هذا ويسبب ترك شخص ما للرهبنة آلاما لكل من الشخص نفسه وإخوته في الدير بل وأسرته ذاتها.
تقول الخبرة ويؤيدها الواقع أن جميع الذين تركوا الرهبنة لم يحققوا الهدف الذي تركوا الرهبنة لأجله، وأن شبح الخيانة يطاردهم، كما نجح الندم الشديد في أن يؤرق حياتهم ويشككهم مرة أخرى في قرارهم بترك الدير، ويقول أحدهم أن هناك لعنة كانت تطارده أينما حل وأينما رحل وأن ثقته في نفسه ونجاحه في عمله قد تأثرًا، كما أن المجتمع في الشرق لا يغفر مثل هذا المسلك (ورد في مجلة الكرازة وهي لسان حال الكنيسة القبطية. ردا على سؤال موجه إلى قداسة الباب عمن لا يجوز الصلاة عليهم بعد موتهم، حيث ذكر قداسته أن من بين أولئك الراهب الذي يكسر نذره ويتزوج ويصبح زواجه خطية يعيش فيها طوال حياته، هذا لا تصلى الكنيسة عليه وغالبا هذا النوع لا يتزوج في الكنيسة، لأنه لا توافق على الاشتراك في كسره للنذر، لذلك فهو يعقد زواجا لا تعترف به الكنيسة. وهذا النوع كثيرا ما يغير مذهبه ويتزوج. فيكون قد فقد رهبنته وبتوليته ونذره ومذهبه الأرثوذكسي، وإن كان راهبًا كاهنًا يكون قد فقد كهنوته أيضًا. وهكذا لا يمكن أن تصلى عليه الكنيسة/ مجلة الكرازة العددان 13 و14- ص 15/ سنة 1998). في هذا يقول السيد المسيح "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لوقا 9: 62).