الرحلات إلى الأديرة
كانت زيارة الأديرة حتى الستينات قاصرة على الأفراد وبعض القوافل، وكانت أول سيارات عرفت الطريق إلى الأديرة (لاسيما وادي النطرون والبرية الشرقية) هي السيارات الجيب ذات القدرة على الخوض في كثبان الرمال والطرق الوعرة غير الممهدة، وقد كان على الشباب الراغبين في زيارة تلك الأديرة والإقامة فيها سواء من المصريين أو الأجانب، أن يقطعوا مسافة طويلة سيرًا على الأقدام، وفي دير الأنبا صموئيل في صحراء المنيا والفيوم كان الوصول إليه يتم عن طريق العرب الخبراء بالسير في الجبال حيث تستغرق الرحلة ما يزيد عن الأربعين كيلو مترًا ذهابًا ومثلها إيابًا. فما أن عُدت الطرق إلى تلك الأديرة حتى عرفت السيارات الكبيرة والصغيرة الطريق إليها ومن ثم قام الكثير من الكهنة والخدام المحبين للأديرة والرهبنة بتنظيم الرحلات إلى الأديرة.
لتعريف النشء الجديد بالكنيسة في واحدة من أمجد صورها، وهي الرهبنة (قليلًا قليلًا تحولت زيارة الأديرة إلى نزهة وتغيير وسياحة، حيث يُفسح فيها المجال للأطفال بأن يمرحوا بألعابهم يقفزون هنا وهناك، بينما يجد ذووهم الفرصة للراحة والطعام وما هو أكثر من ذلك حيث هناك ظاهرة آخذة في الانتشار وهي عقد الخطوبات في الأديرة!! مما ولد الشكوى من زيارة العلمانيين للأديرة والمطالبة بتقنينها، غير أن هذا أيضاَ يتم داخل إطار أكبر وهو الشعور بأن الكنيسة قد أصبحت مجتمعًا آمنًا يلوذ به الأفراد والجماعات، وهكذا وبقدر ما أصبحت زيارة الأديرة عامل جذب أصبحت معرقلًا لنمو الراهب وكسرًا للهدوء والوحدة).
وكان تواجد الناس في مثل هذه الأماكن التي ارتوت بدماء الآباء ودموعهم وعرقهم سبب بركة لهم. هناك أنفاس عشرات الآلاف من أرواح القديسين تملأ المكان وتعقبه بعبق نسكي، فتتبكت ضمائر الزائرين وتلتهب فيهم الحماسة للتوبة بينما تشتعل الرغبة في الحياة النسكية بين الصغار منهم. وكانت زيارة الأديرة دائمًا عبارة عن نقطة ارتكاز للزائر يقف فوقها حيث يتسنى له النظر إلى دائرته هو التي يحيا فيها فيقيمها عن بعد..
هذا ويبلغ عدد الزائرين في اليوم الواحد بالنسبة لبعض الأديرة -في بعض الأحيان- ما يصل إلى عشرة آلاف زائر ما بين الحافلات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والسيارات الخاصة والأفراد. وفي بعض الأديرة مثل وادي النطرون قد يتطلب الأمر إلى ما يصل إلى أثنى عشر راهبًا لخدمة الزائرين وفي الإجازات الرسمية قد يتضاعف هذا العدد.