التكرار وتكوين العادات وقد تتكون العادة أيضا بسبب التكرار المنظم، وعلي الإنسان أن يلاحظ نفسه، وعليه أن يكسر هذا التكرار حتى لا يصبح عبدا له، يقول مار اسحق "لا تترك عادة تتأسس فيك وتزيد الأفكار بغير قيام". والقصتان التاليتان تشرحان لنا كيف أن العادة المتأصلة تشبه الطبع: (1) في بهو القصر: سأل أحد الملوك وزيره إن كان الأدب يغلب الطبع أم العكس، فأجابه الوزير بأن الطبع يغلب الأدب لأن الأول أصل والثاني فرع وكل فرع يرجع بالطبع إلي أصله، أما الملك فإذا أراد تحدي الوزير أحضر مجموعة من القطط تمسك كل منها شمعة أمام ذهول الوزير، الذي طلب مهلة من الملك ليتدبر هذا الأمر، وفي الموعد التالي أمر الملك بإحضار القطط وهي ممسكة بالشموع ونظر إلي الوزير الذي فاجأ الحضور بإخراج فأر من بين ملابسه، وما أن رأته القطط يجري في المكان حتى ألقت الشموع وأسرعت تطارده حتى كاد المكان يحترق، وعندئذ قال الوزير أنظر أيها الملك كيف غلب الأدب ورجع إلي أصله، وفي هذا يكمل قول الشاعر (.. إذا رام التخلق جاذبته طبائعه إلي العهد القديم). (2) النسر الصغير: ويروي عن أحد المزارعين أنه عثر علي فرخ نسر خارج لتوه من البيضة فحمله ووضعه بين الطيور الأليفة في الحظيرة مع صغار الدجاج والبط وقليلا قليلا كان ينمو ويقتات بذات الحبوب التي يقتاتون بها، فلما نبت ريشه وأشتد جناحاه أخذه المزارع ووقف فوق ربوة وهتف فيه قائلا: "أنت نسر فهيا إلي العلا" ثم قذف به إلي أعلي فأنطلق عاليا محلقا في الفضاء وراح يبعد ويبعد حتى اختفي.....