هذه هي العادة قال لي أحد رجال الأعمال، أن مكتبي لا يخلو من فنجان قهوة إما ملآن وإما فارغ، والساعي يحضر ليحمل القديم ويضع الجديد، وفي كثير من الأوقات لا أشرب القهوة التي يحضرها، ولكن المهم أن تكون أمامي، إنني أضطرب إذا لم يكن أمامي فنجان من القهوة!!! ومن هنا فإنه يربط بين وجود القهوة ونجاح العمل.. والتركيز في العمل... يربط بين وجودها وصفاء ذهنه.. بين وجودها وخلو رأسه من الصداع... بين وجودها واكتمال الصورة أمامه.. واستكمال واستيفاء شروط العمل والإنتاج.. هذه هي العادة. وما يقال عن القهوة يقال عن التدخين، فهوذا شخص لا يقدر أن ينام قبل أن يدخن سيجارة... ولا يقدر أن يشرب الشاي دون سيجارة.. ولا يقدر أن يقوم من فراشه قبل أن يدخن... الخ، هنا الربط بين العادة الرديئة وبعض السلوكيات مثل التفكير والنوم والاستيقاظ وغيرها... أو الفتاة التي لا تستطيع أن تخرج من بيتها دون الوقوف أمام المرآة لساعة وبعض ساعة، حتى يتحول الماكياج جزءا من شخصيتها، بحيث تشعر أنها شخصية مختلفة دون ذلك!!! ولعل أهم وأخطر الأسباب التي تسهم في تكوين العادة، طريقة التربية، حسبما يعود الأب والأم طفلهما، إما علي عادات رديئة وإما علي عادات جيدة، فأم تعلم طفلهم إلا ينام قبل أن يصلي ولسنوات طويلة، فإذا ما كبر وبلغ سنا كبيرة فإنه لن يستطيع مطلقا أن ينام قبل أن يصلي، وهكذا العادات الصحية مثل غسل الوجه ونظافة الأسنان وترتيب السرير..الخ. يروي أحد الأطباء أن زميلًا له إذا ما أراد أن يستريح في نوبة (نوبتجيته) لا يمكنه ذلك ما لم يركع بجوار السرير رافعًا يديه نحو السماء مثل طفل برئ ليصلي، وبعد ذلك يخلد إلي النوم، ولا شك أن تلك هي عادة قد أكتسبها منذ طفولته فصارت جزءًا من شخصيته. وهكذا نجد أن من أعتاد علي الجلوس في حجرة مرتبة، كل شيء فيها منظم، فإنه لا يقدر مطلقًا أن يجلس فيها وهي غير نظيفة ومحتوياتها مبعثرة، ولا يستطيع الذهاب إلي مدرسته قبل أن يمشط شعره، كذلك تعويد الطفل علي شكر كل من يقدم له شيئًا (أو تعويده علي عدم قبول أي شيء دون تصريح منه). ويقال أن الطفل عندما يبلغ السابعة من عمره، يكون قد تكون نفسيا، بحيث تكون البنية الأساسية لشخصيته قد أرسيت، وما يأتي بعد ذلك يكون بمثابة إضافة وقشورًا سطحية أيضًا يقال أن ضمير الإنسان يتكون ما بين سن الرابعة والثامنة. 1- مع ملاحظة عدم إلغاء شخصية الطفل بسبب اتكاله المستمر عليهم. حيث أن كل ما أرسي في وعيه الباطن علي أنه صواب، سيكون حمله علي التخلي عنه بعد ذلك والعكس صحيح، ومن هنا تقع المسئولية الكبيرة علي المربيين، فالطفل يكون بين أيديهم عجينة هينة لينة طيعة وإليهم يرجع الفضل وتقع المسئولية في اكتساب الطفل للعادات أيا كانت. في هذا الإطار يقوم الشيوخ والمدربون في الحياة الرهبانية باستلام المبتدئين ليغرسوا فيهم المبادئ الرهبانية والعادات النسكية والديرية، حيث يكون المبتدئ مثل طفل في الحياة الرهبانية يمكن بسهولة أن تسجل علي صفحة قلبه كل ما هو ضروري ليعينه في المسيرة الرهبانية، وأذكر أن الراهب المبتدئ يعلمونه منذ اليوم الأول أن يستبدل بعض التعبيرات العلمانية بأخرى رهبانية، مثل أخطأت بدلا من آسف، الله يعوضك بدلاً من شكرًا, سلام بدلاً من صباح الخير ومساء الخير.. وما إلي ذلك من عادات مثل كيفية التعامل مع من يكبره وآداب الحديث بصفة عامة والسلوك في قلايته، فأن الراهب يتدرب في البداية علي الجلوس في القلاية، وربما كان ذلك صعبا في البداية ولكنه قليلا قليلا يعتاد ذلك بحيث أنه مع الوقت يجد صعوبة في الخروج منها.