المكابيين ومواجهة الحضارة الهيلينية
لله في كل جيل شهود وركب تأبي أن تجثو لبعل، وعلي أكتاف هؤلاء يصنع الله التغيير، وبهم يعمل ليحقق مشيئته، فقد ثار جماعة الأتقياء علي هذه الأوضاع المتردَية في أورشليم، وأما الذي أطلق هذه الشرارة فهو كاهن يدعى متتيا Mattathia، وقد نشأ هذا الكاهن في قرية تدعي "مودين" الواقعة بجوار "اللد" وهو عميد عائلة تسمى "عائلة حشمون" أو هاسمون أو حشمناي.
فقد أرسل الملك أنطيوخس رسلًا إلي جميع بلاد اليهودية يؤكد علي ضرورة ولاء اليهود للملك، وفي مودين هذه طُلب إلي متتيا باعتباره عميدهم -وكان طاعنًا في السن- أن يقدم ذبيحته لتمثال الملك حتى يقتدي به الآخرين، فرفض بشدة إلا أن آخرين ضعفوا وقدموا ذبائحًا للوثن، وعندئذ غضب متتيا وذهب إلي الهيكل الوثني، وهناك قام بقتل رسول الملك مع الشخص اليهودي الذي كان يقدم الذبيحة. ثم نادي في اليهودية أن يتبعه كل من له غيرة مقدسة إلي الجبال والمغائر حتى يمكنهم تنظيم المقاومة (1 مكا 2: 19- 22) وقد استجاب له الشعب بشكل ملفت (1 مكا 2: 23 - 28) غير أن البعض الآخر انضم إلي أنطيوخس، بينما مات آخرون بسبب مقاومتهم للملك، إلي هذا أشار دانيال النبي (11: 32، 33).
في الأيام الأولي كانت المواجهة أشبه ما تكون بحرب العمليات الخاصة، حيث شن الحشمونيين هجمات علي القري والبلاد، قتلوا خلالها الضباط السلوقيين وكثير من اليهود المتأغرقين، غير أن السلوقيين هاجموهم في السبت، وذلك بإيعاذ من بعض اليهود الخونة، فقد أحاط السلوقيين بالمتمردين من كل جهة وتمكنوا من ذبح ألفين منهم. وعند ذلك صرَح لهم متتيا بالحرب في السبت متى كانت دفاعا عن النفس (وهو تأكيد لفتوي يهودية سابقة بهذا الشأن).