السنوات الطويلة التي قضاها الفنان الراحل زكي رستم قبل وفاته كانت صعبة للغاية؛ خاصة وأنه عزف عن الزاوج تمامًا وأصيب بإعاقة سمعية صعّبت من تواصله مع الآخرين، فاعتزل الأضواء وفرض على نفسه وحدة صارمة، لا يلتقي أحدًا ولا يسمح لأحد باختراق حاجز منزله. رستم قضى وقته الطويل، برفقة كلبه الأمين، يقرأ من كنوز مكتبته الفرنسية والإنجليزية، وإذا ما اضطر للخروج فكان يسير في منطقة محدودة من شارع سليمان وعبدالخالق ثروت، وأحيانًا كان يقوده مشواره للحلاق فيجلس فوق مقعده المرتفع تاركًا أقدامه لـ«الجزمجي» يُلمع حذاءه بعناية. وغالبًا ما كانت وجبة الغداء في مطعم «الأونيون» وفنجان القهوة في «الإكسلسيور»، لم يكن يلبي فيها عزومة أحد ولا يدع من جانبه أحد، وبمرور الفناجين والجلسات الوحيدة أصبح يؤثر بالود جرسونًا معينًا. وذات يوم رأى الفنان المصري هذا الجرسون وأحس بأنه حزين للغاية، فسأله عن السبب، فأجابه بأن والده قد توفي، فهزّ رأسه أسفًا وشرد قليلًا ثم قال للجرسون: «البقية في حياتك.. هو المرحوم والدك يقربلك إيه؟!».