كخاتم على قلبك كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت..
لهيبها لهيب نار لظى الرب (نش8).
الجمعة 21 مارس 2014
القس بطرس سامي كاهن كنيسة مارمرقس بالمعادي
هكذا تصرخ عروس النشيد التى هى أنا و أنت للمسيح العريس الحقيقى الذى لنفوسنا، عريسنا السماوى الذى تقدم لخطبتنا من أجل الدخول معنا فى إتحاد أبدى مبنى على الحب "و يكون فى ذلك اليوم (يوم الصليب) أنى أخطبك لنفسى للأبد" (هو 2) ،
فالحب كما نعلم غايته أن يتحد الحبيبان و يلتصقا بعضهما ببعض ليكونا جسداً واحداً كرمز و إشارة للحب الأسمى والأعظم بما لا يقاس، وهو حب الله لنا ،"الله الذى هو غنى فى الرحمة من أجل محبته الكثيرة التى أحبنا بها و نحن أموات بالذنوب و الخطايا أحيانا مع المسيح" (أفسس2)، فغاية الحب بيننا و بين الله أن نتحد به فالروح الإنسانية أساسها نفخة من القدير و لا تستريح إلا أن تعود إليه تتحد به.
و هذا فقط ما يفسر موت المسيح من أجلنا و رغبته فى أن يفدينا و يخلص نفوسنا، فلم يجد كاتب السفر مناصاً و هو ينقاد فى كتابته بروح الله و هو يحاول أن يصف كم هى قوة محبة الله لنا إلا ووضع هذه الآية كرمز و نبوة أن محبة الله لنا قوية جداً لا مقدار لها سوى الموت أن السيد نفسه أحبنا جداً لدرجة الموت من أجلنا ومن أجل محبته لنا كما يقول الكتاب فى إنجيل يوحنا "هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3) و كذلك "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" ( يو15 ) فعلى هذا المقدار أحبنا الله مقدار الموت من أجلنا لكى يقدم لنا الفداء من خطايانا و ننال به البر بل تكون جراحاته مصدر شفائنا كما قال أشعياء النبى "أننا بحبره شفينا" أى بجراحاته شفينا. كما يقول الرسول بولس أيضاً "الله بيَّن محبته لنا إذ ونحن بعد خطاه مات المسيح لأجلنا" (رومية5)
سفر نشيد الأنشاد سفر شعرى رمزى يتحدث عن العلاقة الحميمة التى أساسها الحب بين الله والإنسان، لم يذكر السفر كلمة الله أو الرب فى الإصحاحات رغم أن السفر كله يتكلم عن الله و لكن فى صيغة العريس فهو العريس الحقيقي لنفوسنا، و لكن عندما أراد سليمان أن يصف المحبة و كم هى قوية استطاع أن يقيسها بالموت الذى ماته الرب عنا ليفدينا و بأنها لهيب نار لظاها لظى الرب، نار الرب التى كانت قديماً تنزل على المحرقة لكى ما ترمز لنار الحب الإلهى التى نزلت لخلاصنا بالصليب، فكما يقول القداس الإلهى أنه ليس شىء من النطق يستطيع أن يحد محبة الله للبشر، أن يضع لها حداً أو وصفاً.
يخبرنا الرسول بولس عن هذا الحب أيضاً إذ يقول أن "الله كان فى المسيح مصالحاً العالم لنفسه"( 2كورنثوس 5 ) أى أن الذى قام بالمصالحة هو الرب تقدم ليصالح الإنسان و ينهى الخصومة و العداوة بالصليب "قاتلاً العداوة به" (أفسس2 ) لكى يعيد خلق الإنسان من جديد و يجدد طبيعتنا بالحب.
فأمام هذه المحبة الفائقة المعرفة التى أحبنا بها الرب لا يمكننا إلا أن نحيا و نتحرك و نوجد به (أع 17)، و كما قال الرسول فى موضع أخر أن محبة المسيح تحصرنا (2 كورنثوس 5 ) و تحصرنا لا تعنى تحاصرنا فقط بل تحصرنا أن تضعنا فى ركن لا نستطيع الفرار منه كأنها فى صراع تنهزم ذواتنا بكل شهواتها و كرامتها أمام محبة المسيح الفائقة فيتحول الإنسان بسبب هذه المحبة و ينتقل من الموت إلى الحياة و من الظلمة إلى النور و نبدأ فوراً نحيا لا لأنفسنا بل للذي مات لأجلنا وقام "لكى يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذى مات من أجلهم و قام". ( 2كورنثوس 5 )
و لهذا يا أحبائى فخلاصنا و أبديتنا هى هذه المحبة الإلهية فالإنسان لا تكون له حياة خارج هذا الوسط، الحب الإلهى و كما لا يستطيع السمك أن يحيا خارج المياه أو الزرع خارج التربة أو الطير بعيداً عن الطيران و التحليق فى الهواء بل يكتئب ثم يموت هكذا كل إنسان يحيا بعيداً عن الوسط الصالح لحياته الذى هو الحب الإلهى يكتئب ثم يموت.. و لهذا فإن عروس النشيد التى هى أنا و أنت تصرخ إلى الحبيب كما فى الآية التى بدأت بها كلامي طالبة أن تكون كخاتم على قلب المسيح و على ساعده فقلب المسيح هو الذى إلتهب لسقوطنا و هلاكنا و جعله يتقدم للألم و الصليب متحملاً عار خطيتى و خطيتك، و ساعده هو الذى إمتد ليحمل النير عنى و عنك كما قال هوشع النبى متنبئاً "كنت أجذبهم بحبال البشر بربط المحبة وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم ومددت إليه(يدى) مطعما إياه "(هوشع11)
و هكذا و نحن نتقدم فى هذه الأيام المقدسة فى الصوم الأربعينى المقدس نرى مراحم إلهنا الحنون فتدمع عيوننا ندماً على الخطية و توبةً و رجوعاً لحضن المخلص و نحن واثقين بمراحمه و لكن يملأنا الرجاء لأننا ندرك محبته لنا و نتضرع للرب لا أن يرتبط بنا بخاتم زواج فقط بل أن نكون نحن بأنفسنا خاتماً على قلبه الذى إلتهب لخلاصنا و على ساعده الذى سُمِر لأجل فدائنا أى أن نمتزج نحن أنفسنا به و بآلامه و نبذل أنفسنا فى محبة الآخرين لأننا هنا فقط سنتحد بمحبته و نثبت فيها فتثبت حياته الأبدية داخلنا و ننعم بخلاصه الأبدى.