مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ه - تفسير سفر المزامير
5 - هـ
اهدني في سبيل وصاياك
[33-40]
كلمة الله الواهبة الحياة المُقامة بعد موت الخطية هي القائد الحقيقي للقلب. فالكلمة الإلهي وحده قادر أن يدخل إلي أعماق النفس، يهبها الاتساع والرحابة وسط ضيق هذا العالم، ويقودها في طريق الحب عوض الظلم، والحق عوض الباطل، ومخافة الرب عوض خوف الناس، ومجد برّ المسيح عوض عار الخطية، وعذوبة أحكام الله عوض ملذات الزمنيات.
يقود الكلمة الإلهي النفس الداخلية ويوجه كل طاقاتها، لكن المؤمن لا يقف في سلبية، إنما يتجاوب مع عمل الكلمة فيتبعه ويهواه ويتجاوب معه.
1. الرب واضع الناموس
33.
2. الرب واهب الفهم
34.
3. الرب هادي النفس
35.
4. يخرجها من طريق الظلم
36.
5. ينير العينين بالأبديات
37.
6. يهبها المخافة الإلهية
38.
7. ينزع عنها عار الخطية
39.
8. يهبها عذوبة الروح
40.
من وحي المزمور 119 (ه)
1. الرب واضع الناموس
"ضع لي يا رب ناموسًا في طريق حقوقك،
فأتبعه كل حين" [33].
لماذا يطلب المرتل من الرب أن يضع له ناموسًا في طريق حقوقه؟ أما تكفي الشريعة التي بين يديه التي سلمها الرب لموسى النبي؟ إنه يقدم صلاة لكي يتسلم الله قيادة حياته، قيادة شخصية، قادرة أن تهب النفس حرية الحركة وتقدم لها عذوبة في تنفيذ الوصية.
أ. لقد سلم الرب البشرية ناموسه خلال كنيسته سواء في العهد القديم أو العهد الجديد، لكن تبقى هناك حاجة أن يتمتع كل عضو بناموس الله بصفته الشخصية، كرسالة تمس حياته دون انفصاله عن الجماعة، لهذا يقول المرتل: "ضع لي". كأنه يقول: "لتخصني يا رب بناموسك عاملًا فيَّ أنا شخصيًا".
ب. لعل المرتل كان يتطلع إلي ناموس المسيح، ناموس العهد الجديد، بكونه ناموس الحرية القادر أن يطهر الداخل، ويحقق الحياة المُقامة للإنسان الداخلي.
ج. لا يعني بكلمة "ضع" هنا أن يُشرِّع قوانين جديدة وإنما يدخل بوصيته عاملة في حياته، فيصير ناموس الرب بالنسبة له قانون حياته الداخلية الطبيعي والعذب. بمعنى آخر تصير الوصية ليست أمرًا ونهيًا إنما عطية ووعدًا حينما يضع الرب ناموسه بنفسه في النفس إنما يهبها القوة على الحياة به. لهذا يقول المرتل: "اتبعه كل حين"، إذ يصير الناموس الإلهي قانون حياته، فلا تنحرف حياته قط عنه!
* يعلمنا (المرتل) أن طريق الحق يحتاج أن يضعه الله ويفحصه (يتأمله) الناس.
يطلبه لا لمدة قصيرة بل "كل حين"، كل أيام حياته...
أنثيموس أسقف أورشليم
* للذين يؤمنون بالمسيح ويكونون تحت قيادته طرق كثيرة يلزمهم أن يسلكوها قبل الدخول إلي الأرض المقدسة، فإنهم بعد أن يخرجوا من مصر ويعبروا كل هذه المراحل الواردة في الكتاب المقدس يستريحون. "هذه رحلات بني إسرائيل... حسب قول الرب" (عد 1:33، 2). من الذي نظَّم السبل التي يجب أن يسلكها بنو إسرائيل في هذه المراحل؟ من إلاَّ الله؟ لقد نظمها بعمود النار والسحابة المضيئة...
الأن، تأمل فإن نفس الشيء يحدث روحيًا في مسيرتك، إذا خرجت من مصر، وكنت قادرًا أن تتبع المخلص يسوع (يشوع) الذي يدخل بك إلي الأرض.
يبدو أن موسى (الناموس) هو القائد لكن كان يشوع متواجدًا بجانبه دون أن يقود علأنية. انتظر لكي يقود موسى إلي اللحظة التي فيها يكمل زمانه، عندئذ يأتي ملء الزمان (غل 4:4) ويقود يسوع... يتسلم يسوع تعلىم الشعب ويقدم وصاياه علنًا. إذن فلنسلك فيها ونصلي قائلين: "ضع لي يا رب ناموسًا، في طريق حقوقك، فاتبعه كل حين" [33]. إنني أسعى (اتبعه) مادام يوجد "طريق الحقوق". إنه ليس بالطريق السهل، ولا يحتاج إلي يومين أو ثلاثة أيام أو حتى عشرة أيام، إنما في الواقع إلي كل أيام الحياة لعلى أجد طريق حقوقه. وبنفس الكيفية أحتاج أن أجد "طريق الشهادة": "فرحت بطريق شهاداتك مثل كل غنى" [14]؛ كما يوجد "طريق الوصايا": "في طريق وصاياك سعيت عندما وسعت قلبي" [32]. كل هذه الطرق هي في أصلها طريق واحد، وهو ذاك الذي يقول: "أنا هو الطريق" (يو 6:14). لنسلك إذن في كل هذه الطرق حتى نبلغ غايتها وهو "المسيح".
العلامة أوريجينوس
* ماذا يعني "كل حين"...؟
هل تعني كل حين، "مادمنا نحيا هنا"، حيث ننمو في النعمة على الدوام، أم بعد هذه الحياة فمن كان قد عاش في حياة فاضلة يصير كاملًا هناك...؟
* هنا يُفحص ناموس الله مادمنا نتقدم فيه، ذلك بتعرفنا عليه وبحبنا له، أما هناك فننال كماله لمتعتنا، لا لامتحاننا.
هناك لا نطلب أن نبحث عن وجه الله، إذ نراه وجهًا لوجه.
هنا يُبحث عنه لكي نتمسك به، أما هناك فلا نجاهد لئلا نفقده.
القديس أغسطينوس
كثيرون يقومون بدور التعلىم والهداية، لكن واحدًا يقدر أن يدخل أعماق القلب ويقدم له ناموس الحب ويهبه إمكانية العمل، لهذا صرخ إليه المرتل طالبًا أن يقوم بهذا الدور فيتبعه قلبه في طاعة كاملة.
يتعامل المعلم مع تلاميذه لا على مستوى الأمر والنهي، وإنما على مستوى الحب والتقدير... يطلب الطاعة لوصيته وفي نفس الوقت يعطي فهمًا حتى نقبل الوصية بفرحٍ، عالمين بركاتها وفاعليتها في حياتنا.
2. الرب واهب الفهم
إن كان الرب هو نفسه الطريق، يدخل بنا إليه، ويثبت فينا كي نتبعه كل أيام حياتنا بلا تراخٍ، فإننا نحتاج إليه ونحن فيه أن يهبنا "الفهم" لنلهج في الوصية ونتأملها ونفحصها نهارًا وليلًا بفكر مستنير وقلب متسع بالحب.
"فهمني (اعطني الحكمة) فافحص ناموسك،
واحفظه بكل قلبي" [34].
يهبنا الرب نفسه الفهم لندرك أسراره، والقدرة لنحفظه في قلوبنا بلا انحراف. كأنه يقول مع أليهو: "هوذا الله يتعإلي بقدرته، من مثله معلمًا؟!" أي 22:36. وفي نفس الوقت يعد المرتل بأنه سيكون تلميذًا أمينًا لمعلمه الإلهي إذ يحفظ ناموسه بكل قلبه ولا ينقسم بين تلمذته لمعلمه وحبه للعالم، بل يكرس كل طاقات قلبه لله.
* اعطني الحكمة حتى أستطيع أن اختبر شريعتك عمليًا بانتباه لائق بها، وهكذا يمكنني أن أستلم من هذه الشريعة الممارسة العملية.
اعطني الفهم الذي يخص العمل والتأمل، بهذا أستطيع أن "أحفظها بكل قلبي"، واقترب إليها دون ترددٍ.
إن كان يلزم الحكمة لفهم الشريعة، فأية حكمة يلزم أن يهبها الرب للمرتل حتى يكتشف فيها غايتها وهدفها؟
العلامة أوريجينوس
* لكي نعرف ناموس أعماق الله، والأسرار المختبئة فيه يلزمنا أن يكون الرب معلمًا. يلزمنا أن نتجه نحو الرب ونطلب منه: "اعطني الحكمة فأفحص ناموسك"، وأن نعده في نفس الوقت: "وأحفظه بكل قلبي".
يوسابيوس القيصري
كثيرًا ما كان يلجأ العلامة أوريجينوس إلي الشعب لكي يشتركوا معه في الصلاة فيهبه معلمه السماوي روح الفهم، بروحه القدوس واهب الاستنارة.
* بخصوص هذا السؤال، إذا ما استجاب الرب صلواتكم فوهبني الفهم، وإن كنا على الأقل مستحقين لقبول معنى الرب، عندئذ سأتحدث معكم بكلمات قليلة...1
العلامة أوريجينوس
* الرب هو الروح. يلزمنا أن نصلي إليه ليرفع عنا برقع الحرف ويزهر لنا بهاء روحه2.
العلامة أوريجينوس
ربما يمكن للإنسان أن يحفظ الناموس في شكله الحرفي أو الظاهري، لكن الله وحده القادر أن يغير القلب ليحفظ الناموس بالروح في الأعماق بكمال حبه.
3. الرب هادي النفس
"اهدني إلي سبيل وصاياك
فإني إياها هويت" [35].
لا تكتفي النفس بالتمتع بالفهم الإلهي لفحص ناموس الرب ولا بالقوة لحفظه بكل القلب [34] إنما تحتاج أن يمسك الله بيدها ويقودها بنفسه إلي سبيله الذي تُسر به هي. إنه لا يقودها بغير أرادتها، لكنه يقودها كطلبها ومسرتها. لعله كان يصلي إلي الله لكي يريد وأن يعمل الصلاح. وكما يقول الرسول بولس: "الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل مسرته" في 13:2.
* هذا يعني أنه يريد الشريعة والطريق، إذ يوجد "سبيل الوصايا"... سبيل السلوك، هذا الذي سلكه كثير من الأبرار قبلنا، لكن ما لم نأخذ الرب مرشدًا لنا لا نستطيع أن نسلك حسب وصاياه. يلزمنا أن نقتدي بالمسيح (أف1:5؛ 1تس6:1) وأن نحمل صليبنا ونتبعه (مت 38:10؛24:16).
العلامة أوريجينوس
* رغبتي لا حول لها ولا قوة ما لم أنت بنفسك تسير بي حيثما أرغب. هذا بالتأكيد هو السبيل، أي سبيل وصايا الله الذي سبق فقال عنه أنه جرى فيه عندما وسَّع الرب قلبه. هذا دعاه "سبيلًا"، لأن الطريق ضيق الذي يؤدي إلي الحياة؛ ومادام ضيقًا لا يستطيع أن يجري فيه إلا بقلب متسع...
القديس أغسطينوس
لقد صرخ الرسول بولس: "لأن الأرادة حاضرة عندي، وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد" رو18:7. كأنه يقول: لقد جعلتني مشتاق إلي طريقك، أريد أن أدخله وأتحرك فيه، احملني بنفسك فيه وامسك بيدي لأن إمكانياتي عاجزة عن تحقيق حتى ما أريده من صلاح.
يعلن المرتل رغبته الصادقة في الحياة المقدسة، واستعداده للعمل، لكنه لا يقدر أن يبدأ الطريق ولا أن يسلك فيه بدون نعمة الله، ليقول مع الرسول: "الله هو العامل فينا"، "لكي نريد ونعمل من أجل مسرته".
4. الرب يخرجنا من طريق الظلم والطمع
"أمل قلبي إلي شهاداتك لا إلي الظلم (الطمع)" [36].
إن كان المرتل قد سبق فأعلن أنه إنما يهوى سبيل أو طريق الرب [35] لكنه لا يأتي بنفسه أو قلبه، طالبًا من هاديه الإلهي أو مرشده، ليس فقط أن يمسك به وإنما أن يلهب قلبه حبًا، مجتذبًا إياه إلي شهاداته، حتى قبول الموت شهادة لبرّ الله ووصاياه، حافظًا إياه من محبة الأباطيل والزمنيات والطمع والظلم.
* بقوله "أمل قلبي إلي شهاداتك" [36] وأردد عيني عن النظر إلي الباطل، يعلمنا اجتناب السوء والتمسك بالخير. نعم، إن هذا في سلطاننا واقتدارنا، لكننا في حاجة إلي معونة الله ومؤازرته. بهذا المعنى يقول ربنا: "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 5:15).
أنثيموس أسقف أورشليم
* ينسب القديسون كل شيء إلي الرب. فلنتعلم أننا لا نستطيع أن نصنع شيئًا بدون الرب؛ يقول الرب: "إن لم تثبتوا فيَّ لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (راجع يو6:15 ،5).
ربما يعترض أحد على ذلك، قائلًا: إذ أنسب كل شيء للرب، فماذا يخصني أنا؟ لنفحص في كل موضع ما يخصنا حتى لا يمتزج مع ما يأتي من قبل الرب.
يقول: "ضع لي يا رب ناموسًا في طريق حقوقك" [33]. ما يخصنا نحن "أطلبه في كل حين" [33].
مرة أخرى أطلب من الله: "اعطني حكمة فأفحص ناموسك" [34].
مرة ثالثة أطلب: "اهدني في سبيل وصاياك" [35]، ماذا يخصني؟ يشير إلي ما يخصني بالكلمات: "فإني إياها هويت" [35]...
لنطلب ما يأتينا من الله لكي نحصل عليه، ولنعده أيضًا بما يعتمد علينا نحن، ولا نتخلى عن وعدنا، حتى لا ننقض الميثاق الذي يربطنا بالرب.
هذا ما يقوله المرتل "أمل قلبي إلي شهاداتك لا إلي الطمع" [36]، عالمًا بأن الطمع هو رذيلة ذات نفوذ قوي تؤله مكاسب الأشرار، وقد دعاها الرسول: "عبادة الأوثان
" كو3:5.
هذا ونتعلم من هذه العبارة أن الطمع لا يتفق مع شهادات الرب.
العلامة أوريجينوس
يقول أبوليناريوس [إذ يتمسك قلب الإنسان بقوة الشر منذ حداثته (تك 12:8) يحتاج إلي الرب كي يحول قلبه إلي البرّ، بمعنى أن الرب يوجه قوة عزمنا بالطريقة التي بها ينظم الأحداث وذلك بعمل الروح القدس (فينا).]
* إن كان قلبنا لا يميل إلي الطمع فإننا نخاف الله وحده لأجل الله، فيكون هو وحده مكافأتنا عن خدمتنا له. لنحبه لأجل ذاته، لنحبه في داخلنا، ونحبه في أقربائنا الذين نحبهم كأنفسنا، سواء كان لهم الله أو من أجل أن يكون لهم الله...
* "أملْ قلبي إلي شهاداتك لا إلي الطمع"، لأن قلبنا وأفكارنا ليست تحت سلطاننا. عندما تُصاب بالعمى
فجأة تجعل الذهن والروح في ارتباك وتقودهما في موضع آخر غير ما تقصده أنت، تدعوهما إلي العالميات وتدخل بهما إلي الزمنيات وتحضرهما إلي الملذات وتمزجهما بالإغراءات. في نفس الوقت الذي فيه نستعد لنرفع عقولنا إلي فوق تقتحمنا الأفكار الباطلة وننطرح بالأكثر نحو الأمور الأرضية1.
القديس أغسطينوس
* إنني سأتكلم بما هو نافع، فاقتطف كلمات النبي: "أمل قلبي إلي شهاداتك لا إلي الطمع" [36]، فإن نعمة الكلمة نافعة لا تثير فينا محبة المال2.
القديس أمبروسيوس
5. الرب ينير العينين بالأبديات
"أردد عيني لئلا تعاينا باطلًا،
وفي طريقك أحيني" [37].
يقول القديسالبابا أثناسيوس الرسولي: [اعطيت لنا العيون لكي نري خالقنا في المخلوقات]، لا أن نركز أنظارنا على الأمور الزمنية الباطلة. لأن تركيز أعيننا على الأمور الزمنية المؤقتة تسحب القلوب إليها، فتحبها وترتبط بها، بهذا تتغرب عن الله والإلهيات. لهذا يصرخ المرتل كي يهبه الله بعنايته أن يسحب عينيه بعيدًا عن الزمنيات، وذلك بعمل نعمته الإلهية. إنه لا يغمض أعيننا عن رؤيتها لكنه يهبها أن تعبر عليها سريعًا ولا تركز عليها.
* الباطل هو جنون المناظر (الخادعة)، هو التأمل فيما لا يليق، تخيل الفكر الفاسد والمشوش. عرّفه بولس الرسول بوضوح عندما قال: "ببُطل ذهنهم، إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله" أف17:4،18 .
لنلاحظ ما يدعى بالذهن الباطل، فإنه إذ ينال الإنسان الذكاء والفطنة فإنه عوض استخدام هذا الذكاء في التأمل في الحق يسلمه لإبليس الذي يقيده... هذا إذًا ما يصلي من أجله المرتل، قائلًا: "أردد عيني لئلا تعاينا باطلًا"، فإن هذا أيضًا هو نعمة من قبل الرب أن يحدث تحول في ذهنه... ويحيا في طريق (الرب)... لأنه هو نفسه الطريق وهو الحياة، إذ يقول المخلص: "أنا هو الطريق والحياة" يو6:14.
العلامة أوريجينوس
* كل من يصرف وجهه عن الباطل يحيا في طريق الاستقامة الذي هو ربنا القائل: "أنا هو الطريق والحياة"...
من يلفت نظره ناحية (الزمنيات) يسلك طريق الموت، ويغترب عن حياة الله كقول السليح (بولس)، ويصيبه ما أصاب امرأة لوط
التي التفتت إلي الخلف نحو الباطل. أما من يرد عينيه لئلا تعاينا الأباطيل فيحيا في طريق الله ويسلم من الموت كما سلم لوط.
أنثيموس أسقف أورشليم
* الباطل والحق يناقضان بعضهما البعض مباشرة. شهوات هذا العالم باطلة، وأما المسيح الذي يحررنا من العالم فهو الحق. هو الطريق أيضًا الذي فيه يرغب هذا الإنسان أن يحيا، لأنه هو أيضًا الحياة. كلماته هي: "أنا هو الطريق والحق والحياة".
القديس أغسطينوس
* ما هو هذا الباطل، ما لم يكن هو التكريس للغنى والجري وراء الملذات العالمية؟ هذا ما أكده سليمان القائل: "باطل الأباطيل، الكل باطل" جا2:1.1
الأب فاليريان
* الآن أيها الإخوة الأحباء، قد استعدنا في المسيح عيون القلب التي فقدناها في آدم. لنقدم الشكر لذاك الذي تنازل لينيرنا فنراه دون استحقاقات من جانبنا. لنجاهد بكل طاقاتنا وقوتنا فبمساعدته نفتح عيوننا على الخير ونغلقها على الشر، حسبما طلب النبي من الرب حيث قال: "أردد عيني لئلا تعاينا باطلًا"2.
الأب قيصريوس أسقف آرل
* ثم تقول "وكل أباطيلك"؛ والآن كل أباطيل الشيطان هي جنون المسارح وسباق الخيل والصيد وكل أمثال هذا الباطل؛ يطلب القديس من الله أن ينقذه منها فيقول: "حول عيني" عن النظر إلي الباطل" [37]1.
القديس كيرلس الأورشليمي
لنسلم حواسنا في يديْ معلمنا الإلهي كما نسلمه قلوبنا، فخلال النظر سقط آدم في العصيان وفسد قلبه بالباطل، لهذا يصرخ المرتل طالبًا تقديس عينيه حتى لا تعاينا الباطل، فيتسلل إلي القلب.
6. الرب يهبنا المخافة الإلهية
"ثبت قولك لعبدك في داخل خوفك" [38].
إذ تتحول بصيرتنا الداخلية عن الأباطيل إلي الطريق الحق أو إلي الرب "الطريق والحياة"، نطلب من الله أن يثبتنا فيه وفي مواعيده بتثبيت مخافته فينا، لا مخافة العبيد المذنبين والمضطربين، وإنما خوف الابناء الذين يخشون جرح مشاعر أبيهم.
* لا تتأسس كلمة الله في أولئك الذين ينزعونها عنهم ويعملون بما يناقضها، إنما تتأسس بواسطة الذين يثبتونها فيهم.
القديس أغسطينوس
* أريد أن يكون لي خوف مناسب مؤسس على العقل والإدراك... فلا يكون لنا خوف دون إدراك، ولا إدراك دون خوف.
العلامة أوريجينوس
يقولالقديس أمبروسيوس
أنه يمكن بناء بيت الحكمة فقط إن تأسس خوف الله بعمق في النفس.
7. الرب ينزع عني عار الخطية
"وانزع عني العار الذي ظننته،
فإن أحكامك حلوة" [39].
سبق لنا الحديث عن نوعين من العار: عار الخطية الذي يلحق بنا أمام الله، وعار الصليب الذي يلحق بنا أمام الناس. الأول يعطي غمًا والثاني يبعث في النفس حلاوة! هنا يطلب المرتل أن ينزع عنه عار الخطية، لا تعييرات الناس الباطلة! هذا العار يفقده سلامه مع الله، كما يعثر الآخرين، فيجدفون على الله بسببه. أما نزع العار فيتحقق بإحلال عذوبة الوصية الإلهية في القلب عوض لذة الخطية.
* إذ ارتكب النبي الخطية بكونه إنسانًا رأي العار يصاحبه أمام المحاكمة الإلهية بعد القيامة، لهذا يتجه نحو الرب مقدمًا هذه الطلبة...
بقوله هذا لا يريد القول: "انزع عارك". حقًا عندما احتمل العار بسبب المسيح (عب 26:11) لا يُحسب هذا عاري بل هو عار المسيح، لكنني عندما أعاني من العار بسبب خطاياي ولا أرجع، يلزمني القول: "انزع عاري الذي ظننته، فإن أحكامك حلوة".
العلامة أوريجينوس
* إنني واثق أنك تنزع الخزي الذي أخشاه، فإنني متأكد أن أحكامك تزخر بالصلاح والحب للإنسان.
القديس ديديموس الضرير
يقول المرتل: "أحكامك حلوة"، فإن كلمة الله مشبعة للنفس، هي غذاء مشبع وحلو لها. لهذا يعاتبالعلامة أوريجينوس الشعب الفاتر في سماعه للكلمة، قائلًا:
[الكنيسة تئن وتحزن عندما تحضرون إلي الاجتماع لتسمعوا كلمة الله. تذهبون إلي الكنيسة بصعوبة حتى في أيام الأعياد، وحتى في حضوركم هذا لا توجد رغبة في سماع الكلمة...
لقد عهد إليّ الرب تقديم نصيب الطعام لأهل بيته، أي خدمة الكلمة، في الوقت المعين... ولكن كيف يمكنني فعل ذلك؟
أين ومتى أجد وقتًا لتصغوا إليَّ؟
تقضون النصيب الأكبر من وقتكم، تقريبًا كل وقتكم في الأمور العالمية غير الروحية، في الأسواق والمتاجر... لا يوجد من يهتم بكلمة الله، بالكاد نجد أحدًا يهتم بها...
ولماذا أشتكي غير الحاضرين؟ فحتى الذين هم حاضرون، أنتم لا تصغون1.]
العلامة أوريجينوس
8. الرب يهبنا عذوبة الروح
"هأنذا قد اشتهيت وصاياك،
وبعدلك أحيني" [40].
لم يقف الأمر عند حبه للوصية بل التهاب الحب في القلب ليصير شهوة مقدسة للتعرف عليها وممارستها وتعلىمها.
* يقول: إنني إذ اشتهيت وصاياك، فلهذا أحيني حسب عدلك، وكافئني، لا لأني أكملت وصاياك، وإنما لأنني اشتعلت بحب وصاياك...
حيث أن عدل (برّ) الآب هو الابن، فإن من يريد أن يحيا في الابن يلزمه أن ينطق بهذه الكلمات: "فيه مُعلن بر الله بإيمان لإيمان" رو17:1.
العلامة أوريجينوس
* عدل الله كقول السليح بولس هو ربنا يسوع المسيح، لهذا من يحفظ وصايا الله باشتهاء يجد حياة أبدية بواسطة مخلصنا يسوع المسيح.
أنثيموس أسقف أورشليم
الله القائد والمعلم والهادي
1. الله الذي خلق القلب وحده قادر أن يدخل فيه، ويقدم له ناموسه، ويقوده في طريقه الملوكي [33]، هو قادر أن يهبه الطاعة والأرادة الصالحة، حتى يبلغ النهاية.
2. يهبنا الفهم [34] فندرك أسرار الوصية ونتجاوب معها بتعقلٍ ووعيٍ، بفرحٍ وبهجة قلبٍ.
3. الله وحده يمسك بالقلب ويهديه ويقوده بنفسه إلي سبله التي يُسر المؤمن بها، فهو الذي يهب الأرادة الصالحة كما يعطي العمل الصالح لكن ليس في تراخٍ منا أو تهاون [35].
4. الله يقودنا في طريق العدل والحب لا الظلم والطمع [36].
5. الله هو مقدس حواسنا خاصة العينين [37]، فالعين المقدسة تحفظ القلب أيضًا مقدسًا، والعين المتهاونة تتسلل خلالها محبة الأباطيل.
6. الله واهب المخافة رأس كل حكمة حقة [38].
7. الله يعطي عذوبة للنفس في قبولها أحكام الله حتى إن عيرّها الكل!
من وحي المزمور 119 (ه)
من مثلك معلمًا يا كلمة الله؟!
* قدمت أيها المعلم الإلهي ناموسك لكل شعبك،
فلتقمه بنفسك في أعماقي،
فأدرك أنه رسالة شخصية موجهة إلي!
لتكن أنت قائدي ومهذب نفسي في تنفيذ ناموسك،
تظللني كسحابة في النهار،
وتضيء على نارًا في الليل.
* يوجد معلمون كثيرون ومرشدون بلا حصر،
لكن من يقدر أن يدخل إلي قلبي سواك يا كلمة الله؟
من يستطيع أن يحوّل الوصية إلي عمل إلا أنت؟!
من يهب قلبي فهمًا فيفحص ناموسك نهارًا وليلًا غيرك؟
من مثلك معلمًا يا كلمة الله؟!
* لأصلي من أجل كل كارز بالكلمة ليهبه المعلم السماوي فهمًا،
وليصلي كل كارز للمعلم السماوي ليهب شعبه فهمًا.
كلمة الله هو معلم الكارز ومهذب السامعين.
يعطي للكارز كلمة الحق، وللسامع عذوبة الاستماع.
* إمكانياتي ضعيفة تمامًا عاجزة عن تنفيذ وصيتك.
أنت معلمي السماوي،
تعمل فيَّ أن أريد وأن أعمل لأجل مسرتك.
تمسك بيميني فتبعث فيَّ شهوة أحكامك،
وتوسع قلبي فأتمم وصاياك.
* الطمع يقتلني، ومحبة العالم تهلك نفسي.
أمل قلبي إلي شهاداتك،
فاستشهد وأموت عن العالم،
لأصلب معك لأحيا بك يا معلمي الصالح.
* أنر عينيّ فلا تركزان على الزمينات الباطلة،
بل تتأملأن صليبك وتبتهجان بقيامتك.
افتح عينيّ لا على الشر كما حدث لأبوينا الاولين، بل على معاينة خلاصك.
حوَّل ذهني عن العالم إلي ملكوتك.
فلا أنظر إلي الوراء وأصير كامرأة لوط عمود ملح.
حقًا باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح.