آية "أبي أعظم مني" عند شهود يهوة
يعتمد شهود يهوه في مهاجمتهم لألوهية السيد المسيح على آيات يسيئون استخدامها ويخدعون قلوب السُّلَماء.
" أبى أعظم منى " (يو14: 28)
مثال لذلك يقولون إن السيد المسيح قال "أبى أعظم منى" (يو14: 28) ويتركون الآية التي تقول "أنا والآب واحد" (يو10: 30).. لم يقل السيد المسيح "أبى أعظم منى" بدون مقدمات، بل قال "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب لأن أبى أعظم منى" (يو14: 28). أي أنه يريد أن يقول لهم لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون إني أذهب عند الآب لأن أبى أعظم منى، قال السيد المسيح هذا الكلام وهو في الجسد على الأرض؛ لذلك نلاحظ أن معلمنا بولس الرسول قال أن السيد المسيح أخلى نفسه آخذًا صورة عبد "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاسًا. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (فى2: 5-11) أي أن السيد المسيح حينما تجسد وضع نفسه واحتمل الآلام والصليب ولكنه قبل ذلك كان في صورة الله ومجد الله.. ويلزمنا أن نفهم معنى عبارة "إذ كان في صورة الله":
في الأصل اليوناني للعهد الجديد لم تأتِ كلمة eikw.n بمعنى الصورة العادية ولكن أتت Morfh, التي تعنى "الطبيعة مع الصورة". وأيضًا في اللغة الإنجليزية تترجم in the form of God فهي مفهومة في اللغة اليونانية أنها تعنى "إذ كان في طبيعة الله" وأيضًا " في صورة الله مع الطبيعة" لأنه مكتوب عن السيد المسيح "الذي هو صورة الله غير المنظور" (كو1: 15). حينما تجسد السيد المسيح احتفظ بمجده الإلهي الذي يليق بطبيعته الإلهية الممجدة كما هو، لكنه أخ في مجده حينما التحف بالناسوتية، فمجده صار مخفيًا "إذا كان في صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاسًا (أي إنه لم يختلس المساواة) لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس" (فى2: 6، 7).
ومن المعلوم أن السيد المسيح قد ضُرب، وسُمر بالمسامير، وجُلد بالكرابيج؛ ففي هذا الوضع الذي كان يتألم فيه؛ لا نستطيع أن نقول إنه كان في صورة المجد الإلهي، لكنه كان في صورة الإخلاء، لذلك يقول "وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى2: 8).
فالمقصود "بأعظم منى" أي من حيث الوضع الذي وُجد فيه حينما وجد في الهيئة كإنسان كان في مجدٍ أقل من مجد الآب بكثير، لكن من ناحية ألوهيته لم يفترق عن الآب إطلاقًا ولاهوته لا يتجزأ من الآب، لاهوت واحد وطبيعة واحدة للثلاثة أقانيم والدليل على أن مجد الابن يفوق المجد الذي ظهر به في الجسد؛ أن السيد المسيح ذكر في نفس الإنجيل الذي وردت فيه عبارة "أبى أعظم منى" عبارة أخرى تدل على مجده الأزلي المساوي لمجد الآب. "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 5) فقبل أن يُخلَق العالم، كان الابن ممجدًا عند الآب. ولكن هذا المجد لم يكن ظاهرًا في وقت آلامه على الأرض. فيقول السيد المسيح لتلاميذه: لماذا أنتم حزانى إنني ذاهب إلى الآب؟! هل من الممكن أن شخصًا ما؛ يتضايق أن حبيبه يرجع إلى مجده الأول؟! فمجد السيد المسيح الأول أعظم من المجد الذي ظهر فيه أثناء آلامه.
وعلى جبل التجلى أظهر شعاع من مجده لكن ليس ملء مجده لأنه قال "الإنسان لا يراني ويعيش" (خر33: 20). فإذا أظهر ملء مجده لكان كل التلاميذ قد ماتوا.
وهنا نسأل متى يستطيع الإنسان أن يرى ملء مجد الله؟ إن ذلك يمكن أن يحدث عندما يلبس الإنسان جسد القيامة الروحاني الذي يدخل به الحياة الأبدية، فيقول "لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2). وعندما يقول يوحنا "ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14) يتكلم عن نوع من المجد أو شعاع من المجد، أما ملء مجده فلا يستطيع إنسان أن يحتمل رؤيته إطلاقًا. وعندما قال له موسى "أرني مجدك" (خر33: 18) قال لموسى "الإنسان لا يراني ويعيش. وقال الرب هوذا عندي مكان، فتقف على الصخرة. ويكون متى اجتاز مجدي، أنى أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى أجتاز. ثم أرفع يدي فتنظر ورائي وأما وجهي فلا يرى" (خر33: 20-23).
عندما كان شاول الطرسوسي ذاهبًا إلى دمشق ظهر له السيد المسيح في الطريق في مجده فكانت النتيجة أنه قد أصيب بالعمى.. فقدان البصر هذا مرحلة من مراحل الموت. لذلك عندما اعتمد بمعمودية الخلاص نزل من عينيه شيء مثل القشور. أي قد خلق الله له قرنية جديدة بدل التي احترقت عندما رأى السيد المسيح بدرجة من المجد؛ فإذا زاد العيار قليلًا لكانت العين كلها والجمجمة وما داخل الجمجمة وكل كيانه الجسدي قد ضاع، أي لا يستمر في الحياة. مثل شخص يتعرض لتيار كهربائي 12 فولت فمن الممكن أن يشعر بتنميل خفيف، أما إذا تعرض لـ110 فولت فإنه يهتز ويرتعش جسده كله. وإذا استمر لمدة طويلة لابد أن يموت. أما إذا أمسك 220 فولت تكون الرعشة والصدمة أشد وخطر الموت أكبر. وإذا كان الضغط العالي 11 ألف فولت يموت في نفس اللحظة. أما إذا كان 500 ألف فولت مثل كهرباء السد العالي فإذا مر الإنسان تحته فقط سوف يُصعق. فلابد أن توجد مسافة كافية بينه وبين السلك مسافة تك في أنه يكون في معزل عن الصعق إذا مر تحت السلك، ولذلك فإنه ممنوع أن تمر سلوك الضغط العالي في مناطق بها مرتفعات وإلا لابد أن يحفروا تحتها لكي إذا مر شخص بجانبها لا يموت.
فمسألة تفسير شهود يهوه لآية "أبى أعظم منى" مسألة بها خداع. والآيات التي يستخدمونها عن السيد المسيح، يستخدمونها للإقلال من شأن السيد المسيح أو لإثبات أنه غير مساوي للآب في الجوهر؛ هذه آيات قيلت من حيث تجسده وإنسانيته وإخلائه لنفسه، لكن لم تُقَل عنه من حيث ألوهيته؛ لأن لاهوته لم يتغير بسبب التجسد. فقد جعل ناسوته واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير. فاتحاد اللاهوت بالناسوت لم يجعل الناسوت يتحول إلى لاهوت غير قابل للألم أو للموت، بل من الممكن أن يتألم عندما يُجلد، ويذوق الموت كما هو مكتوب "لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" (عب2: 9). فكونه قد مات، فقد مات بحسب الجسد، وكونه تألم فقد تألم بحسب الجسد ونقول في صلاة الساعة التاسعة }يا من ذاق الموت بالجسد من أجلنا نحن الخطاة{ و في نفس الوقت نصلى ونقول }قدوس الله قدوس القوى قدوس الحي الذي لا يموت الذي صلب عنا ارحمنا{ ونقصد بقولنا الحي الذي لا يموت؛ أي بحسب ألوهيته. لكنه قابل للموت بحسب إنسانيته، لأنه أتى لكي يموت ولكي يوفي الدين ولكي يصلب فداءً عن العالم كله.