رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصندوق الأسود والسحرة الجدد
"قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)"(سورة طه) لم تتعرض الشعوب طوال تاريخها لفتنة أعظم من فتنة حبال سحرة فرعون التي أبطلتها العناية الإلهية بواسطة عصا موسى؛ الا الفتنة التي يتعرضون لها اليوم من الإعلام، الذي تقف من وراءه أموال لها أول وليس لها آخر، وتحالف يفوق في قوته الإعلامية قوة سحرة فرعون، بالتأكيد الهدف من ورائه تضليل الشعوب والجماهير فى أرجاء المعمورة. تحالف السحرة الجدد الحالي هو من رجال أعمال وإعلام يمارس كل أنواع الحيل على مستوى عال جدا، حتى إننا نشك بأن بعضها سينطلي على سياسيين ومثقفين بل وعلماء وليس على مواطنين بسطاء. عند النظر لواقع وسائل الإعلام تجد أن هناك عناصر تؤثر وبدرجة كبيرة في وسائل الإعلام؛ أبرزها التمويل، والملكية لوسائل الإعلام، وبالتالي تصبح الوسيلة الإعلامية رهينة لقرار وتمويل رجل الأعمال أو للقائمين علي هذه الوسيلة من أجل التسويق السياسي والاقتصادي للأفكار في المجتمع وليس المعلومات المطلوبة. في كتابه المشهور "المتلاعبون بالعقول" شبّه هربرت شيلر مديري أجهزة الإعلام الذين يقومون بوضع أسس عملية تداول الصور والمعلومات، ويشرفون على معالجتها وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها بسائسي العقول، وذلك لأن تلك الصور والمعلومات التي يعمد مديرو أجهزة الإعلام من خلالها إلى طرح أفكار وتوجهات لا تتطابق مع حقائق الوجود الاجتماعي هي التي تحدد معتقداتنا ومواقفنا، بل وتحدد سلوكنا في النهاية. فالحقيقة هي ما تخبرنا به وسائل الإعلام والواقع هو ما يحدده ويعيد تعريفه لنا مالكو هذه الوسائل أمثال اليهودي مردوخ الذي يمتلك 150 وسيلة إعلامية على مستوى العالم. فحرية اختيارنا لما نتابعه على وسائل الإعلام ما هي إلا أسطورة حسب شيلر، إذ كيف يكون الاختيار له معنى دون وجود تنوع حقيقي وخيارات واقعية؟ فعملية الاختيار إما أن تصبح بلا معنى وإما أن تصبح منطوية على التضليل، ويصبح احتمال انطوائها على التضليل واقعًا عندما يصاحبها الوهم بأن الاختيار ذو معنى. ويتضح ذلك جليا عندما نعرف مثلاً أن 85% من المجموع العالمي للمادة الإعلامية المتدفقة تسيطر عليه أربع وكالات أنباء غربية فقط هي: (اسوشيتد برس، يونايتد برس الأمريكيتين، رويترز البريطانية، وكالة الصحافة الفرنسية). لذلك لا تستغربوا إذا تشابه عليكم الأمر وراودكم الإحساس بأن الأخبار التي تشاهدونها على مختلف القنوات كأنها نفسها، وكأن يدًا واحدة قد صبّتها لترسم مشهدًا واحدًا على مختلف الشاشات الغربية والعربية، لأنها حقًا هي كذلك وأنتم لا تتهيؤون. الموضوعية في التغطية الإعلامية غير ممكنة نظرًا للمعطيات الذاتية التي تتدخل في عملية الانتقاء والاختيار والإقصاء.. الخ، واستقلالية المؤسسات الإعلامية أسطورة ومغالطة انتشرت عبر الأزمنة والدول، أما الواقع فهو شيء آخر تمامًا، كما أن مقولة "إن وسائل الإعلام تزود الجماهير بالمعلومات الضرورية لاتخاذ القرارات السليمة ومعرفة ما يدور حولهم وفي العالم، وفي إرساء قواعد الديمقراطية والحكم الرشيد"، يشوبها الكثير من المغالطات والتعميمات التي لا تقوم على الواقع؛ فوسائل الإعلام لا تستطيع أن تعيش خارج النسق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي التي توجد فيه، وهي في غالب الأحيان مرآة وانعكاس لآليات وميكانيزمات التحكم والمراقبة التي تفرضها القوى السياسية والاقتصادية الفاعلة في المجتمع.. والتي تتحكم كذلك في مخرجات النظام الإعلامي سواء عن طريق أدوات المال أو عن طريق السبل السياسية المختلفة، وهذا بالضبط ما لاحظناه في إعلام الربيع العربي الذي انحرف عن المسار وعن أهداف الثورة وعاد إلى آليات إعلام البلاط والسلطة والقوة الفاعلة في المجتمع، فالديمقراطية لا يكتب لها النجاح في ظل إعلام موجه مقيد ومسيطر عليه، ما نلاحظه في دول الربيع العربي هو انفلات إعلامي صارخ اختلطت وامتزجت فيه الدعاية والحرب النفسية والتضليل والتشويه مع الإعلام. تتم السيطرة على أجهزة المعلومات وفق قاعدة بسيطة من قواعد السوق، فامتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها شأنه شأن الملكية الأخرى متاح لمن يملكون رأس المال، ولكي يؤدي التضليل الإعلامي دوره بفعالية أكبر لا بد من إخفاء شواهد وجوده، أي أن التضليل يكون ناجحا عندما يشعر المضلَلون بأن الأشياء هي على ما هي عليه من الوجهة الطبيعية والحتمية، أو بعبارة أخرى إن التضليل الإعلامي يقتضي واقعا زائفا هو الإنكار المستمر لوجوده أصلا. وعند وقوع أزمة فعلية أو كاذبة أو مفتعلة ينشأ "جو" هستيري محموم بعيد تماما عن المعقولية، يؤدي إلى الإحساس الزائف بالطابع الملح للأزمة المترتب على الإصرار على فورية المتابعة، كما يؤدي إلى النفخ في أهمية الموضوع، ومن ثم تكون الخطوة التالية هي إفراغه من أهميته ونتيجة لذلك تضعف قدرة الجمهور على التمييز بين درجات الأهمية، وبدلا من أن يساعد الإعلام في تركيز الإدراك وبلورة المعنى نجده يسفر عن الإقرار الضمني (اللاشعوري) بعدم القدرة على التعامل مع موجات الأحداث المتلاحقة التي تطرق بإلحاح على وعي الناس فيتعين عليه دفاعا عن النفس أن يخفض درجة حساسيته واهتمامه، فتكنولوجيا الاتصال باستخداماتها الحالية تروج لتوجهات مضادة للمعرفة والتاريخ معا. يتراكم التضليل ليتحول إلى تسميم سياسي والذي يراه أستاذنا المرحوم حامد ربيع إفسادا لمدركات الناس بإشغالهم بمسائل ثانوية غير مهمة أو أقل أهمية، فيتناول الناس هذه المواضيع الجانبية ويشغلون معظم تفكيرهم بها، وهذا يمنعهم من رؤية الصورة الكبرى، وبما أن الناس عجزوا عن رؤية السيناريو بالكامل، تذهب بالتالي جهودهم الفكرية سدىً، ولكي يطبق المتحكمون قبضتهم على الرعايا بشكل كامل ومطلق، يعملون على صنع "واقع مزوّر" يبقى راسخاً في وعي الشعوب ويستمر عبر الأجيال المتعاقبة إلى أن يألفه البشر ويؤمنون به على أنه يمثّل الحقيقة". والتلاعب بالعقول يمثل إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها الى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة عبر وسائل بسيطة وبواسطة أشخاص يظهرون وكانهم قديسين يدافعون عن وجودك المهدد بأخطار قادمة أنت لا تعرفها وهم كما يقولون بأنهم يعرفونها ،التضليل عملية علمية لها أصول من علم النفس والسياسة وعلم الاجتماع والإعلام وعلم الأعصاب، التضليل أداة من أدوات القمع تستخدمه النخب عندما تتعرض مصالحها للخطر من أجل توجيه الأحداث بعيدا عن الحق والحقيقة. إن العبقرية المرعبة لتقنية التلاعب بالعقول تقوم على توجيه الناس ضد مسار حياتهم الطبيعية وضد مصالحهم المشروعة والأخلاقية بحيث يسود اقتناع راسخ لدى الجمهور بأن مايحدث هو مؤامرة قذرة وأن المبرر المقدم هو الحقيقة التي يجب ان تؤمن بها دون سواها. تذكرت وأنا أكتب هذه الأمور المهمة فيما يتعلق بالإعلام باعتباره صندوقا أسود ذلك "الحاوي" و"الساحر" الذي كان يأتي إلى قريتنا كل فترة من الزمن؛ كان معه جراب في صندوق، كان صندوق الساحر وجراب الحاوي يحمل الكثير بالنسبة للبسطاء الذين يتفرجون، واعتمد هذا الحاوي وذلك الساحر على عملية احتيال كبرى عوضا عن سواد الصندوق بحيث تجعل من يتفرج لا يلحظ مسارب خداعه ومسالك احتياله في هذا الصندوق الإعلامي من السحرة الجدد ،سنرى الأعاجيب وسنرى أن الحالة الانقلابية كانت كاشفة وفاضحة لكل آليات الخداع والتمويه والتوظيف والتزييف وصناعة الكراهية والرضا الكاذب كلها صناعات خرجت من صندوق الساحر ومن جراب الحاوي وكان وعد المستبد لهم إن نجحوا في مهمتهم أن يعطيهم ما أرادوا وما يطلبون، فقط هنا نستطيع أن نشير إلى تطبيقات وممارسات لصندوق الإعلام الأسود في مشاهد متعددة ومتنوعة ستكون موضع اهتمامنا واستحضارنا في تحليل عميق لكل تلك الآليات التي تتعلق بالسحرة من الإعلام والإعلاميين. هذا عن السحرة الجدد وحبالهم التى تسعى، فهل نستطيع أن نصنع عصا موسى بفعل إعلامى بصير تتلقف حبالهم أو حيّاتهم التى تسعى، بصناعة الوعى والبصيرة الإعلامية والمعلوماتية؟!، وهل آن الأوان لنفتح صندوق الإعلام الأسود فى بلادنا وماارتكبه فى حق الناس والوطن والثورة؟!. المصدر : |
|