عطايا الروح القدس
هكذا علّم آباء الكنيسة الكبار مميزين بين الروح القدس الذي يستمد جوهره أزليًا من الآب وحده، وبين عطايا الروح القدس التي لها أصلها في الآب وتتحقق من خلال الابن بواسطة الروح القدس. فالروح القدس لا يُمنح للبشر كأقنوم من حيث جوهره، ولكن عطايا الروح القدس هي التي تُمنح باستحقاقات الابن الوحيد الجنس.
وعندما نفخ السيد المسيحالروح القدس في وجه تلاميذه بعد قيامته من الأموات فقد نفخ موهبة الكهنوت ومغفرة الخطايا، ولم ينفخ جوهر الروح القدس الذي ينبثق جوهريًا من الآب وحده. لذلك وردت العبارة في النص اليوناني بدون أداة التعريف (لافيتيه بنيفما أجيون La,bete pneu/ma a[gion) (يو20: 22) وليس "لافيتيه تو بنيفما تو أجيون".
وقد لوحظ أن تعبير الروح القدس " تو بنيفما تو أجيون To. Pneu/ma To. [Agion " إذا ورد بأداة التعريف في النص اليوناني فإنه يشير إلى الأقنوم ذاته. أما إذا ورد بدون أداة التعريف "بنيفما أجيون pneu/ma a[gion " فإنه يشير إلى عطايا الأقنوم ومواهبه أي إلى الطاقة (evne,rgeia إنرجيا) وليس إلى الجوهر (Ouvsi,a أوسيا).
أمثلة من أقوال الآباء
قال القديس أثناسيوس:
[الآب يخلق كل الأشياء من خلال الكلمة في الروح القدس] (الرسالة الثالثة إلى سرابيون فصل5).
وقال أيضًا:
[الآب يفعل كل الأشياء من خلال الكلمة في الروح القدس] (الرسالة الأولى إلى سرابيون فصل 28).
وقال في حديثه عن الروح القدس:
[من الواضح أن الروح ليس مخلوقًا، ولكنه يشترك في عملية الخلق. لأن الآب يخلق كل الأشياء من خلال الكلمة في الروح، لأنه حيثما يوجد الكلمة، فهناك الروح أيضًا، والأشياء التي خلقت من خلال الكلمة تأخذ قوتها الحيوية من الروح من الكلمة. لذلك كتب في المزمور الثالث والثلاثين "بكلمة الرب صنعت السماوات وبنسمة فيه كل جنودها" (مز33: 6)].
(The Spirit & the Church: Antiquity- Stanely M Burgess- Hendricksons Publishers- p.118).
أما القديس غريغوريوس أسقف نيصص فقد قال:
[كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة، وتسمى بحسب فهمنا المتنوع لها. لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل في الروح القدس] (آباء ما بعد نيقية. المجموعة الثانية ج5 صفحة 334).
ونحن في عقيدتنا الأرثوذكسية مثلما نميّز بين إرسال الروح القدس من الآب والابن وانبثاقه من الآب فقط لأن الإرسال في الزمن أما الانبثاق فهو أزلي وخارج الزمن،هكذا أيضًا نميّز بين عطايا الروح القدس التي يتم منحها من الآب والابن، وجوهره كأقنوم الذي هو من الآب فقط.
لذلك نقول عن الروح القدس في قانون الإيمان (الرب المحيى المنبثق من الآب).
وقال عنه السيد المسيح: "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). وهو في هذا يتكلم عن الأقنوم الذي ينبثق من الآب بحسب جوهره.