حديث السيد المسيح عن الروح القدس
حينما اقتربت ساعة الصلب بدأ السيد المسيح يتكلم حديثًا طويلًا تفصيليًا عن الروح القدس وانبثاقه من الآب وحقيقة أقنوميته وعمله في الكنيسة، وقد امتاز إنجيل معلمنا يوحنا بأنه كما أفاض في الحديث عن ألوهية السيد المسيح وأقنوميته باعتباره الابن الوحيد الجنس (monogenh,j مونوجنيس) والله الكلمة (lo,goj اللوغس) الذي أحبه الآب قبل إنشاء العالم، فإنه أفاض أيضًا في الحديث عن الروح القدس.
قال السيد المسيح: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه، ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" (يو14: 15-17).
لم يكن ممكنًا أن يمنح الآب عطية الروح القدس للكنيسة إلا بناءً على طلب ابنه الوحيد الذي صالح الآب مع البشر بدم صليبه. وبناءً على هذه المصالحة أمكن أن يرسل الآب الروح القدس حسب وعده ليقوم بتوصيل بركات ومفاعيل الخلاص إلى الكنيسة.
وهذا ما عبّر عنه معلمنا بولس الرسول، موضحًا كيف يعمل الأقانيم الثلاث في خلاص البشرية فقال: "حين ظهر لطف مخلصنا الله (أي الآب) وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلّصنا" (تى3: 4-6).
لقد دعانا السيد المسيح إلى طاعة وصاياه لكي ننال عطية الروح القدس وكانت الوصية التي أوصى بها تلاميذه هي أن لا يبرحوا أورشليم بعد صعوده إلى السماء إلى أن يلبسوا قوة من الأعالي متى حل الروح القدس عليهم "أقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالى" (لو24: 49).
وقد أطاع التلاميذ هذه الوصية ومكثوا في العلية في أورشليم إلى أن نالوا العطية الموعود بها. كانت هذه هي بركة الطاعة لأن ابن الطاعة تحل عليه البركة. وقد قدّم السيد المسيح مثالًا رائعًا للطاعة في طاعته الكاملة للآب حتى الموت، موت الصليب،وبهذه الطاعة الكاملة ومن خلال ذبيحة الصليب تمت المصالحة الحقيقية مع الآب. وصارت الطاعة هي المدخل إلى حياة الشركة مع الله.
لهذا قالت الجموع للرسل في يوم الخمسين: "ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟" (أع2: 37) وقال شاول الطرسوسي (بولس الرسول) للسيد المسيح حينما ظهر له في الطريق ودعاه إلى الإيمان وهو مرتعد ومتحير: "يا رب ماذا تريد أن أفعل؟" (أع9: 6).