ثم خرجوا به ليصلبوه
"ثم خرجوا به ليصلبوه" (مر15: 20)
"وبعدما استهزأوا به. نزعوا عنه الأرجوان، وألبسوه ثيابه، ثم خرجوا به ليصلبوه" (مر20:15).
"فخرج وهو حامل صليبه" (يو19: 17).
خرج السيد المسيح من أورشليم وهو حامل أداة موته وهو الصليب، حاملًا عار خطايانا..
لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "فإن الحيوانات التي يُدخل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة، تُحرق أجسامها خارج المحلة. لذلك يسوع أيضًا لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب. فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب13: 11-13).
وحينما ظهر موسى وإيليا يتكلمان مع السيد المسيح على جبل التجلي "تكلما عن خروجه الذي كان عتيدًا أن يكمله في أورشليم" (لو9: 31).
وحينما طرد الإنسان من الفردوس بسبب الخطية، ومُنع من الأكل من شجرة الحياة. فإنه قد واجه الموت، والمصير المظلم في الجحيم. وبقى منتظرًا الفداء والخلاص من الخطية ومن الموت.. وحينما جاء السيد المسيح، وحمل خطايانا في جسده. فإنه قد تألم خارج الباب.. خارج المحلة.. كما خرج آدم من الفردوس "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية- خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو5: 21). أي أن الرب قد "وضع عليه إثم جميعنا" (إش53: 6).. فكما خرج آدم من الفردوس لسبب الخطية، هكذا خرج السيد المسيح من مدينة الله أورشليم حاملًا صليب خطايانا..
بعد خروج آدم أقام الرب شرقي الفردوس "الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة" (تك3: 24).
كان لهب هذا السيف المتقلب رمزًا للعدل الإلهي الذي ينبغي أن يوفيه الإنسان، قبل أن يصل إلى شجرة الحياة ويأكل منها. وهيهات أن يوفى الإنسان العدل الإلهي حقه بدون موت القدوس البار الذي بلا خطية وحده، الذي تجسد وتأنس لأجل خلاصنا. مقدمًا فداءً غير محدود بذبيحته المقدسة على الصليب..
هكذا اجتاز السيد المسيح نار العدل الإلهي، واحتمل آلام الصليب، لكي يصل بنا إلى أفراح القيامة، وإلى شجرة الحياة الأبدية التي حرمنا منها بسبب خطايانا.
وكما خرج السيد المسيح من أورشليم حاملًا الصليب، هكذا عاد ودخلها بعد القيامة بمجد، وظهر لتلاميذه في العلية حيث كانوا مجتمعين. وكان ذلك بعد أن صنع الخلاص، ورد آدم وبنيه إلى الفردوس.
كانت أورشليم - مدينه الله، ترمز إلى كورة الأحياء.. ترمز إلى الفردوس، وترمز إلى أورشليم السمائية.. وترمز إلى حياة الشركة مع الله.
فى أسبوع الآلام تترك الكنيسة(كجماعة) الهيكل، والخورس الأول الخاص بالمتناولين، وتجتمع خارج الباب (أي خارج الخورس الأول)، في صحن مبنى الكنيسة. لكي نتذكر مع آلام السيد المسيح، أن الخطية قد أخرجتنا من الفردوس وحياة الشركة مع الله، اللذين تعيشهما الكنيسة على الأرض في الهيكل المقدس، والخورس الأول.
وبعد صلاة الساعة الحادية عشر من يوم الجمعة العظيمة، تدخل الكنيسة إلى الهيكل، لنتذكر أن الفداء قد تم على الصليب بموت السيد المسيح، وأن العداوة القديمة قد زالت بذلك بين الله والإنسان.
وحتى القديسون الذين كانوا قد رقدوا، وكانت أجسامهم تُدفن خارج المحلة، أي خارج أورشليم، قاموا ودخلوا إلى المدينة احتفالًا بعودتهم إلى الفردوس، واحتفالًا بقيامة السيد المسيح.
وقد سجّل القديس متى الإنجيلي هذه الواقعة الفريدة في إنجيله فقال: "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين" (مت27: 52، 53).
وقد أجمل القديس يوحنا في رؤياه كثيرًا من معاني الخلاص والفداء التي ذكرناها، وطبيعة مُلك السيد المسيح الفادي المنتصر فقال: "ثم رأيت السماء مفتوحة، وإذا فرس أبيض، والجالس عليه يدعى أمينًا وصادقًا، وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة، وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو،وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويُدعى اسمه كلمة الله. والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزًا أبيض ونقيًا. ومن فمه يخرج سيف ماضٍ لكي يضرب به الأمم. وهو سيرعاهم بعصًا من حديد. وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شيء. وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ19: 11-16).
في ليلة السبت الكبير تعيش الكنيسة مع أحداث الخلاص العظيم، حينما كان السيد المسيح بجسده المقدس في القبر، وكانت روحه تعمل عملًا هائلًا بقدرته الإلهية في تخليص أرواح الذين رقدوا على الرجاء ونقلها من الجحيم إلى الفردوس، وذلك بعد أن فتح الفردوس باستحقاقات دمه الذي سفك على الصليب.
وحسنًا تقرأ الكنيسة المقدسة سفر الرؤيا بكامله في هذه الليلة.. وهو السفر الذي يتحدث عن الأبدية والعالم الآخر، أو عن علم الآخرة (إسخاطولوجي).. الكنيسة كعروس للمسيح؛ تتأمل في عمله الخلاصي وتنتظر مجيئه من السماء.. تحتفل بموته وتحتفل بقيامته.. تحتفل بصعوده وتنتظر مجيئه.. تعيش بالإيمان وتعيش بالرجاء.. تعيش العبور وتنطلق بقوته المتجددة نحو أمجاد الأبدية.