رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب الطلاق بعد الحديث عن العفة في نظرة الرجل نحو المرأة، والبعد عن الشهوة التي تدنس الحواس، بدأ السيد المسيح يتكلم عن شريعة الزواج في المسيحية "وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزنى" (مت5: 31، 32). يبدو أن شريعة العهد القديم قد أوصت الرجل أن يمنح زوجته كتاب طلاق إذا أراد أن يطلقها، لكي يثبت بدليل قاطع أنه قد طلقها، وأصبح من حقها أن تتزوج بغيره بعد مدة مناسبة. وذلك لئلا يعود فيدعى أنه لم يطلقها ويتهمها بالزنى مع رجلها الجديد ويضعها تحت حكم الشريعة الموسوية التي تعاقب بالقتل من كانت متزوجة وأخطأت بالزنى مع رجل آخر. كذلك فإن كتاب الطلاق كان يمنع حدوث مشاكل بشأن نسب الأطفال الذين يولدون منها عندما يصعب إثبات موعد انفصال زوجته عنه. ولكن كتاب الطلاق يحدد التاريخ. ومن جهة أخرى فإن الكتابة تستغرق جهدًا ووقتًا أكثر من الكلام، كما يحتاج إلى شهود يوقعون عليه. وكل ذلك يعطى للزوج فرصة لمراجعة نفسه قبل أن يدخل الطلاق في حيز التنفيذ. كان من حق الرجل أن يعيد امرأته بعد تطليقها بعقد زواج جديد طالما أنها لم تتزوج برجل آخر. وقد منعت الشريعة الموسوية بحزم أن يستعيد الرجل زوجته إذا تزوجت برجل آخر ثم طلقها هذا الزوج الجديد أو مات، وقال الرب في ذلك: "إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته. ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر. فإن أبغضها الرجل الأخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها، وأطلقها من بيته أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة. لا يقدر زوجها الأول الذي طلقها أن يعود يأخذها لتصير له زوجة بعد أن تنجست. لأن ذلك رجس لدى الرب. فلا تجلب خطية على الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا" (تث24: 1-4). كان قصد الرب في ذلك أنه لا يجوز أن يعطى الرجل زوجته لرجل آخر عن طريق تطليقها، ثم يعود ويأخذها مرة أخرى لتصير له زوجة. إما أن يحفظ زوجته لنفسه قبل أن يطلقها أو قبل أن يأخذها رجل آخر لنفسه، وإما أن يفقدها إلى الأبد كزوجة، لأنه لم يكن أمينًا عليها في حفظها من الارتباط بأزواج آخرين ولم تعد تحل له. الرب في علاقته بالبشر قيل عنه: "إن كنا غير أمناء فهو يبقى أمينًا لن يقدر أن ينكر نفسه" (2تى2: 13). إنه "يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى2: 4). وقال: "من يقبل إلىّ لا أُخرجه خارجًا" (يو6: 37) و"الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب" (يو17: 12). أي أن الرب لا يفرط في شعبه طالما أن شعبه متمسك به. من أجل قساوة قلوبكم سألوا السيد المسيح "لماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلق"؟! (مت19: 7). فأجابهم قائلًا: "إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزنى. والذي يتزوج بمطلقة يزنى" (مت19: 8، 9). حينما شرح السيد المسيح سبب منع الطلاق إلا لعلة الزنى في شريعة العهد الجديد تكلم عن قصد الله في تكوين الأسرة في بداية الخليقة. وقال عن الطلاق الذي سمح به موسى "من البدء لم يكن هكذا" بل شرح باستفاضة أكثر حينما سأله الفريسيون: "هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟ فأجاب وقال لهم: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى؟ وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. إذًا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" (مت19: 3-6). لقد تزايدت القساوة في قلب الإنسان حتى أن الرب سمح للرجل أن يطلق امرأته خوفًا عليها من شدة قسوة الرجل الذي ربما يصل به الأمر أن يقتلها إذا كرهها كراهية شديدة.. أو ربما تقتل هي نفسها تخلصًا من قساوة رجلها.. أو قد تتعرض للغواية من رجل آخر يمنحها الحب والحنان في مقابل القسوة التي يعاملها بها زوجها. كل ذلك في إطار الحياة تحت الناموس الموسوي في العهد القديم. وبدون النعمة الفائقة التي ينالها المؤمنون بالمسيح في العهد الجديد، والتي تجعل الإنسان قادرًا على التحمل حتى إلى الاستشهاد من أجل محبته للفادي الذي اشتراه بدمه ومنحه سلطانًا لحياة البنوة، ومعونة من الروح القدس الساكن فيه. سمات العهد القديم بدأت العداوة في العهد القديم بين الإنسان وأخيه الإنسان بمجرد السقوط في الخطية - حين فسدت الطبيعة البشرية في آدم وحواء. نرى الله يبحث عن الإنسان -والإنسان يهرب خائفًا من وجه الرب الذي أحبه- والسبب في ذلك هو العداوة التي نشأت بين الإنسان الذي سقط والله القدوس الرافض للشر والخطية.. "وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟. فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلتِ؟ فقالت المرأة: الحية غرّتني فأكلت" (تك3: 8-13). هنا نرى بداية التباعد بين الرجل وزوجته.. إنه يضع اللوم عليها محاولًا أن يتهرب من مسئوليته كزوج وكقائد للأسرة. أين المحبة الزوجية التي تبذل وتعطى؟. أين صورة المسيح -آدم الجديد- الذي حمل خطايا الكنيسة ودفع ثمنها واضعًا نفسه عنها؟ "أنا أضع نفسي عن الخراف" (يو10: 15). من هنا نرى التباين بين الصورة في الحياة العائلية بين آدم الأول وآدم الثاني. وتزايدت العدواة بين الإنسان وأخيه الإنسان وقام قايين على أخيه البار هابيل وقتله، ولماذا قتله؟ لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه كانت بارة. وحتى مع عدم وجود القتل الواضح. وُجدت الكراهية أو وُجدت الأنانية ومحبة الذات في حياة البشر،وانتشرت المنازعات والخصومات والمظالم. ودخلت هذه الأمور داخل البيوت. فلم يعد هناك سلامًا دائمًا بين الإنسان وأخيه الإنسان. لم يكن من الممكن أن يلزم الله الناس بشريعة العهد الجديد ويطالبهم بمحبة الأعداء وبالتنازل عن الحق الشخصي إرضاءً للغير وكسبًا لمحبتهم.. وهى الوصايا التي تميز بها العهد الجديد عن العهد القديم. وهو يسود عليك قال الرب لحواء بعد أن أغوت رجلها للأكل من الشجرة: "إلى رجلك يكون اشتياقكوهو يسود عليك" (تك3: 16). اتسم العهد القديم بسيادة الرجل على المرأة بصورة جعلت المساواة بينهما ضربًا من الخيال. فهو الذي يخطب المرأة وهو الذي يطلّقها. ويمكن أن يتزوج بنساء أخريات عليها. أي لا تكون هي وحدها زوجة. كان ذلك كله رمزًا وإشارة لحالة البشرية التي سقطت تحت حكم الدينونة لسبب الخطية، وأصبحت تحت القصاص، وتحت لعنة الناموس. وحينما كانت الأمة اليهودية تتزايد في خطاياها، كان الرب يقول للشعب: "حاكموا أمكم" (هو2: 2)، "أين كتاب طلاق أمكم التي طلقتها" (إش50: 1). لم يكن العهد القديم عهدًا ثابتًا، لأن العهد كان يُنقض باستمرار من جانب البشر. لذلك قال الله على فم نبيه إرميا: "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتي في داخلهم، وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا" (أر31: 31-33). كانت طبيعة العهد القديم هي عهد يحدث فيه طلاق بين الرجل والمرأة، كما بين الله والجماعة. ولكن العهد الجديد قال عنه الرب: "عهدًا جديدًا؛ ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم.. حين نقضوا عهدي فرفضتهم". هذا العهد الجديد هو عهد لا يُنقض. سمات العهد الجديد في العهد الجديد أظهر الله حبه للبشرية بالفداء العجيب الذي صنعه بذبيحة الابن الوحيد على الصليب. وزالت العداوة القديمة التي سببتها الخطية. صارت الكنيسة عروسًا للمسيح وقد اشتراها بدمه الغالي الثمين. لم تعد علاقة الشعب بالله علاقة العبيد بسيدهم، بل علاقة الأبناء بأبيهم السماوي. وزالت العداوة بين الله والإنسان وبين الإنسان وأخيه الإنسان. وملك الرب بمحبته على قلوب الذين آمنوا بخلاصه ومحبته. ولهذا صارت صورة المسيح والكنيسة هي المثال الذي تُبنى عليه الأسرة المسيحية. وقال معلمنا بولس الرسول: "أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب. لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح أيضًا رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد، ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء. أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة، وأسلم نفسه لأجلها. لكي يقدسها مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة.. كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم.. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. هذا السر عظيم، ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة، وأما أنتم الأفراد فليحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه، وأما المرأة فلتهَب رجلها" (أف5: 22-33). أصبح الرجل مطالبًا بأن يحب زوجته على مثال محبة المسيح للكنيسة، والزوجة تخضع لرجلها مثل خضوع الكنيسة للمسيح. لم تعد هناك قساوة ولا محبة الذات. بل بمعونة الروح القدس الذي يعمل في المؤمنين ويعمل أيضًا في سر الزيجة الكنسي المقدس، أصبح من الممكن أن يضحى الزوج بنفسه من أجل محبته لزوجته على مثال السيد المسيح.. ويضحى براحته.. ويضحى برغباته الشخصية.. ويضحى بمصالحه الذاتية.. كل ذلك حبًا في زوجته وسعيًا لإرضائها وإسعادها ولكن ليس على حساب المبادئ المسيحية والوصايا الإلهية. أما خضوع المرأة لرجلها فليس لأنه يرغب في إذلالها، بل لأن الله يقود الأسرة من خلاله. مثل قيادة الكنيسة مثلًا بواسطة الأب الأسقف في إيبارشيته. أو قيادة حياة الإنسان الروحية بواسطة أب اعترافه. إنها قيادة بتكليف من الله من أجل خير الأسرة وسلامتها وليس لإرضاء نوازع الزوج في حب السيادة والسيطرة. ونظرًا لأن العهد الجديد هو عهد أبدى بين الله والكنيسة. هكذا صار الزواج المسيحي الكنسي عهدًا لا ينفصم مدى الحياة: "فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" (مت19: 6، مر10: 9). صار من حق المرأة أن تُكرَّم من الرجل وأن تتمتع بكامل حقوقها. ولم يعد من حق الرجل أن يطلقها إلا في حالة الخيانة الزوجية. وللمرأة نفس الحق في أن تطلق رجلها لنفس السبب. وصار من حق المرأة أن يكون لها رجلها الخاص، فليس للرجل أن يتخذ أكثر من زوجة بدليل قول السيد المسيح: "من طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوج بأخرى يزنى" (مت19: 9). فزنى الرجل هنا سببه أنه تزوج بغير امرأته التي مازالت مرتبطة به طالما لم تخونه مع آخر (انظر كتاب شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية لصاحب القداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياته). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كتاب الطلاق |
الطلاق |
كتاب دورة الصليب و الشعانين - كتاب المدائح والتماجيد - كتاب الخدمات |
الطلاق |
عظة عن الطلاق |