رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نبوات عن القيامة والصعود قيامة السيد المسيح قبل أن يبدأ السفر في سرد آلام السيد المسيح في الإصحاح 53 تكلم أولًا عن قيامته لكي لا يطغى الحزن على الكنيسة، مثلما وعد السيد المسيحتلاميذه أنه في اليوم الثالث يقوم، حتى أن هذا الخبر قد وصل لليهود وقالوا لبيلاطس بعد صلب المخلص: "يَا سَيِّدُ قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ" (مت27: 63). إذن لقد أعلن السيد المسيح عن قيامته في اليوم الثالث قبل صلبه وهكذا أيضًا أوضح في سفر إشعياء كما يلي: "اِسْتَيْقِظِي اسْتَيْقِظِي! الْبِسِي عِزَّكِ يَا صِهْيَوْنُ! الْبِسِي ثِيَابَ جَمَالِكِ يَا أُورُشَلِيمُ الْمَدِينَةُ الْمُقَدَّسَةُ.. فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مَجَّانًا بُعْتُمْ وَبِلاَ فِضَّةٍ تُفَكُّونَ.. لِذَلِكَ يَعْرِفُ شَعْبِيَ اسمي. لِذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ. هاأنذا مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: قَدْ مَلَكَ إِلَهُكِ! صَوْتُ مُرَاقِبِيكِ. يَرْفَعُونَ صَوْتَهُمْ. يَتَرَنَّمُونَ مَعًا لأَنَّهُمْ يُبْصِرُونَ عَيْنًا لِعَيْنٍ عِنْدَ رُجُوعِ الرَّبِّ إلى صِهْيَوْنَ. أَشِيدِي تَرَنَّمِي مَعًا يَا خِرَبَ أُورُشَلِيمَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ. فَدَى أُورُشَلِيمَ. قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلَهِنَا" (إش52: 1، 6-10). حسب هذا النص من إشعياء؛ إن الكنيسة لم تلبس ثياب جمالها إلا بعد قيامة السيد المسيح. وتمتعت بخلاص مجاني. لأن السيد الرب هو الذي أوفى الدين بدم صليبه. وتقبّل الآب ذبيحة الابن الوحيد الجنس وأقامه من الأموات ناقضًا أوجاع الموت. ويقول السيد المسيح في نفس النص إن شعبه سوف يعرف معنى اسمه بعد القيامة (يهوشع = يهوه خلّص). لذلك طلب الملاك جبرائيل من العذراء القديسة مريم أن تسمّيه باسم "يسوع" (لو1: 31). فاسم يسوع (يهوشع) معناه أن الرب الإله قد صنع الخلاص. وقد أشار السيد المسيح إلى هذه الحقيقة حينما قال لليهود: "مَتَى رَفَعْتُمُ ابن الإِنْسَانِ فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ" (يو8: 28). لذلك قال في إشعياء: "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ. هاأنذا" (إش52: 6). وعبارة "أنا هو" في اللغة العبرية هي "אֶהְיֶה, أهيه". لذلك قال الرب لموسى النبي عندما سأله موسى عن اسمه الخصوصي: "أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ" بمعنى "أنا هو الذي أنا هو" (خر3: 14). وفي اللغة العبرية تأتّى "אֶהְיֶה, أَهْيَهِ" في صيغة المتكلم بمعنى "أنا أكون، و"יְהֹוָה، يَهْوَهْ" في صيغة الغائب بمعنى "هو يكون". مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ.. الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ عندما قام السيد المسيح كان ذلك بجوار جبل الجلجثة الذي صلب عليه، إذ كان البستان قريبًا من موضع الصلب. وكل ذلك على جبل صهيون بجوار أورشليم. حيث إن أورشليم مبنية على جبل، وبجوارها أيضًا جبل الصعود. لذلك ففي ترانيم المصاعد يقول المرنم: "رفَعتُ عَيْنَيَّ إلى الْجِبَالِ مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي" (مز120: 1). فعن قيامة الرب يقول إشعياء النبي: "مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ" (إش52: 7). ذهبت المريمتان باكرًا جدًا في فجر الأحد أي في أول الأسبوع وبشّرهما الملاك بقيامة المخلص، وأمرهما أن تذهبا إلى تلاميذه وتخبرانهم بأن الرب قد قام، فعند عودتهما لاقاهما السيد المسيح وقال لهما: "سَلاَمٌ لَكُمَا فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ" (مت28: 9). وقد تكلّم معهما السيد المسيح وقال لهما: "لاَ تَخَافَا. اذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إلى الْجَلِيلِ وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي" (مت28: 10). إذن فالسيد المسيح هو المقصود بعبارة "مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: قَدْ مَلَكَ إِلَهُكِ" (إش52: 7). لأن قدمى المبشر على الجبل كانتا قدمي السيد المسيح اللتين أمسكتا بهما المريمتان وسجدتا له وأمرهما أن يخبرا تلاميذه ببشرى القيامة. بعد ذلك ظهر السيد المسيح للتلاميذ في عُلّية صهيون وهم مجتمعين والأبواب مغلّقة لسبب الخوف من اليهود، وبالرغم من أن المريمات قد أخبروهم بقيامة الرب. ولكن التلاميذ قد فرحوا عندما أبصروه "عينًا لعين" عندما عاد ودخل إلى المدينة المقدسة أورشليم بعد قيامته وظهر لهم. وكانوا هم يترقبون هذا الظهور. لذلك قال إشعياء النبي: "صَوْتُ مُرَاقِبِيكِ. يَرْفَعُونَ صَوْتَهُمْ. يَتَرَنَّمُونَ مَعًا لأَنَّهُمْ يُبْصِرُونَ عَيْنًا لِعَيْنٍ عِنْدَ رُجُوعِ الرَّبِّ إلى صِهْيَوْنَ" (إش52: 8). فعبارة "صَوْتُ مُرَاقِبِيكِ. يَرْفَعُونَ صَوْتَهُمْ" تعنى الآباء الرسل حينما فرحوا بظهور السيد المسيح لهم بعد القيامة، وأراهم يديه وجنبه وفيهم آثار المسامير والطعنة بالحربة. فرفعوا أصواتهم وترنموا معًا بقلوبهم وأفواههم بعد أن أبصروه عينًا لعين وقال عنه يوحنا الرسول: "الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا" (1يو1: 1). الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ. فَدَى أُورُشَلِيمَ ختم إشعياء الفقرة الرائعة، التي تكلم فيها عن قيامة السيد المسيح بقوله: "أَشِيدِي تَرَنَّمِي مَعًا يَا خِرَبَ أُورُشَلِيمَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ. فَدَى أُورُشَلِيمَ. قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلَهِنَا" (إش52: 9، 10). ألم يتحقق قول الرب كما هو مكتوب "سَأَرْجِعُ بَعْدَ هَذَا وَأَبْنِي أَيْضًا خَيْمَةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ، وَأَبْنِي أَيْضًا رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً. لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ وَجَمِيعُ الأُمَمَ الَّذِينَ دُعِيَ اسمي عَلَيْهِمْ يَقُولُ الرَّبُّ الصَّانِعُ هَذَا كُلَّهُ" (أع 15: 16، 17 - انظر عا 9: 11، 12). إن الخلاص قد أعاد خلقة البشرية الخربة من جديد؛ بالفداء لكل من يؤمن ويعتمد ويصير من شعب الله في العهد الجديد. ولم يقتصر الخلاص على أورشليم وحدها، بل لقد شمل اليهودية والسامرة وأقصى الأرض، كما أوصى السيد المسيح. لذلك يقول المزمور عن انتشار البشارة بالإنجيل إلى جميع الأمم بواسطة الآباء الرسل "فِي كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإِلَى أَقْطار الْمَسْكُونَةِ بَلَغَتْ أقوالهمْ. جَعَلَ في الشَّمْسِ مَظلته" (مز18: 4). وقد رأت كل أطراف الأرض خلاص إلهنا من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب. يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ طبعًا من الواضح أن هذه النبوة تخص قيامة السيد المسيح. لأنه كيف "يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ" (إش53: 10) بعد أن قيل عنه في نفس النبوة "وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ" (إش53: 9). وكذلك أنه "قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ" (إش53: 8)؟! كيف يرى نسلًا تطول أيامه بعد موته إلا إذا قام من الأموات وبقى حيًا إلى الأبد ليرى أولاد الله المولودين من الماء والروح بالمعمودية نسلًا روحيًا يمتد عبر الأجيال، بل وإلى أبد الدهور لوارثي الملكوت؟ قال السيد المسيح لتلاميذه الرسل القديسين: "أَنَا اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ" (يو15: 16)، إذن فالنسل المقصود سوف تطول أيامه "يَدُومَ ثَمَرُكُمْ". "يَرَى نَسْلًا" تعنى رؤية السيد المسيح لأبنائه الروحيين وهم يفرحون ويتهللون بقيامته، وقد عاين القيامة "أكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ" (1كو15: 5) كان أغلبهم ما يزال حيًا إلى وقت كتابة بولس الرسول لرسالته الأولى إلى أهل كورنثوس. وقد ورد في الإنجيل "فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ" (يو20: 20). وحتى عندما اختار الرسل بالقرعة أحد التلاميذ ليحل محل يهوذا الإسخريوطى الذي شنق نفسه قالوا: "َيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ.. يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ" (أع1: 21، 22). إذن فالرسل الاثني عشر في تكوينهم النهائي كانوا جميعًا من شهود القيامة. النسل الروحي ليس كل نسل مذكور في الكتاب المقدس هو نسل جسدي لأن بولس الرسول يقول: "لأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ. وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ. بَلْ بِإِسْحَقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلًا" (رو9: 6-8). إذن فليس أولاد الجسد هم أولاد الله. وعلى هذا القياس فإن أولاد الموعد المولودين من الله هم هذا النسل المقصود الذي يراه السيد المسيح. والسيد المسيح نفسه قال: "الْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ" (يو3: 6). أي أن الإنسان المولود من الجسد يعيش ويسلك حسب الجسد، أما المولود من الروح فإنه يعيش ويسلك حسب الروح حتى وهو في الجسد سواء في هذا الزمان الحاضر أو بعد القيامة بجسد ممجّد في الحياة الأبدية. إن عبارة "يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ" تذكّرنا ببشارة الملاك جبرائيل للعذراء مريم عن السيد المسيح الذي يولد منها "وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إلى الأَبَدِ" (لو1: 32، 33). إذن فالسيد المسيح هو ابن لداود وهو ملك إسرائيل أو ملك اليهود، وملكه إلى الأبد ولا نهاية له. لقد ملك الرب على خشبة الصليب وظل وسيظل يملك إلى الأبد كبشارة الملاك للعذراء. المسيح الملك ابن داود في الإصحاح الحادي عشر تنبأ إشعياء النبي عن السيد المسيح كابن لداود بن يسى باعتبار أن الرب قد وعد داود النبي بأن من أبنائه من يجلس على كرسي ملكه إلى الأبد "إِنْ حَفِظَ بَنُوكَ عَهْدِي وَشَهَادَاتِي الَّتِي أُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا فَبَنُوهُمْ إلى الأَبَدِ يَجْلِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّكَ" (مز131: 12). كان داود هو ابن يسى كما ورد مثلًا في سفر راعوث "وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى، وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ" (را 4: 18-22). وقد ولد بوعز عوبيد عند زواجه من راعوث. تقول نبوة إشعياء "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ. وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ.. وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقَوَيْهِ" (إش11: 1، 2، 5). لقد قاسى إشعياء النبي وغيره من الأنبياء من اضطهاد ملوك يهوذا الذين كانوا أيضًا من نسل داود مثل آحاز الملك ومنسى الملك،ولهذا فإن كلمات هذه النبوة تعتبر تعزية لإشعياء النبي في وسط جو قاتم ممتلئ بالأحزان على ملوك يهوذا من نسل داود بن يسى. ولكن النبوة لا تشير إلى ملك عادى من ملوك يهوذا، لأنه إلى جوار ما ذكر في الفقرة السابقة عن هذا الملك البار الذي يحل عليه روح الرب، فإن هناك أمورًا تفوق الخيال وتتخطى إمكانيات البشر العاديين قد ذكرت عنه إذ يكمل النبي كلامه فيقول: * "فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوانِ. لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا" (إش11: 6-10). لقد وعد السيد المسيح تلاميذه قبل صعوده إلى السماوات قائلًا: "وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسمي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ" (مر16: 17، 18). لقد تحققت نبوة إشعياء في العهد الجديد حينما صار اليهود والأمم الذين آمنوا بالمسيح أعضاءً في جسد المسيح الواحد وهو الكنيسة. زالت العداوة بينهما وسكن الذئب (الأمم) مع الخروف (اليهود المؤمنين)، وصار الأسد كالبقر يأكل تبنًا حينما قبل الأمميون الذين كانوا يأكلون اللحم بشراهة، ويتصرفون بوحشية، أن يصوموا ويأكلوا طعامًا نباتيًا من الخضروات والبقول وغيرها بعدما آمنوا بالمسيح وسلكوا في طريق الزهد في شهوات العالم. وقد أوضح القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس كيف صالح السيد المسيح اليهود (أهل الختان) مع الأمم مبطلًا العداوة بينهما بدخولهما إلى حظيرة الإيمان الواحد بالمسيح فقال: "لِذَلِكَ اذْكُرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأُمَمُ قَبْلًا فِي الْجَسَدِ، الْمَدْعُوِّينَ غُرْلَةً مِنَ الْمَدْعُوِّ خِتَانًا مَصْنُوعًا بِالْيَدِ فِي الْجَسَدِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ وَبِلاَ إِلَهٍ فِي الْعَالَمِ. وَلَكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلًا بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ. لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثنيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ، أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلًا بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثنيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثنيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلًا الْعَدَاوَةَ بِهِ" (أف2: 11-16). وهكذا رأينا كيف يمكن أن يرعى الذئب مع الخروف. * وهناك أيضًا ما يثبت أن نبوة إشعياء لا تنطبق على أي ملك عادى من نسل داود بن يسى عندما أشار إلى أن معرفة الرب إله إسرائيل سوف تملأ الأرض كلها، كما تغطى المياه البحر. فالعبادة اليهودية كانت منحصرة في نطاق الشعب اليهودي ولم تكن لها قوة الكرازة والانتشار في كل العالم كما حدث في بشارة الإنجيل التي أوصى بها السيد المسيحتلاميذه قائلًا: "اذْهَبُوا إلى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ" (مر16: 15). إن صلب المسيح قد صالح البشر مع الله بالإيمان والمعمودية، وصالح الإنسان اليهودي مع الإنسان الأممى في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به. لذلك أمكن أن يكون راية للشعوب تتطلع إليه كل شعوب الأرض "وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا" (إش11: 10). نبوة دانيال النبي والمُلك الأبدي كذلك نتذكر نبوة دانيال النبي الذي قال: "كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابن إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إلى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ" (دا 7: 13، 14). لقد فهمت العذراء القديسة مريم بشارة الملاك لها في ضوء هذه النبوة الواضحة عن مُلك السيد المسيح الأبدي. فالنبوة تقول إنه مثل ابن إنسان ولا ينطبق هذا الكلام إلا على من يولد من امرأة ليحمل لقب ابن الإنسان. لذلك وُلد السيد المسيح في تجسده من العذراء مريم بفعل الروح القدس. أما عن عبارة أنه "أَتَى وَجَاءَ إلى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ" في هذه النبوة؛ فتشير إلى صعود السيد المسيح إلى السماء "لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا" (عب9: 24). ولكي يجلس عن يمين العظمة في الأعالي. وهذا ما قاله معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح إنه "بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي. صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ" (عب1: 3، 4). وقال أيضًا إن السيد المسيح "إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ مساواته لله اختلاسًا، لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسمًا فَوْقَ كُلِّ اسم. لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسم يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ. وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ" (فى2: 6-11). وهذا ما عبّر عنه دانيال النبي بقوله: "فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ" (دا 7: 14). وكيف لا والمسيح هو كلمة الله المولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته والمولود من العذراء مريم في ملء الزمان بحسب ناسوته. ومَن يستطيع أن يفصل الله الآب عن كلمته أو أن يفصله عن روحه القدوس؛ فالآب وكلمته وروحه إله واحد بلاهوت واحد؛ نسجد له ونمجده إلى الأبد آمين. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ ليس المقصود حديثًا عموميًا عن أي شخص لأن عبارة "مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ" (إش53: 11) حسب التشكيل الموجود على الكلمات هي "مِنْ" بكسر الميم و"تَعَبِ" بكسر الباء. أي أن الحديث عن شخص السيد المسيح أنه مِنْ تعبه الخاص سوف يرى ويشبع. إن مَنْ يزرع بالشح، فبالشح أيضًا يحصد. ومَنْ يزرع بالخيرات والبركات، فبالخيرات والبركات أيضًا يحصد. من يزرع محبة يحصد محبة، ومن يزرع خصومة يحصد خصومة. من يزرع غفرانًا يحصد غفرانًا، ومن يزرع انتقامًا يحصد انتقامًا. من يزرع سلامًا يحصد سلامًا، ومن يزرع عنفًا يحصد عنفًا. من يزرع قداسة يحصد قداسة، ومن يزرع نجاسة يحصد نجاسة. من يزرع حكمة يحصد حكمة، ومن يزرع حماقة يحصد حماقة. من يزرع وفاءً يحصد وفاءً، ومن يزرع خيانة يحصد خيانة. إن الآب السماوي أراد أن يُبرز تقديره لما تعب به السيد المسيح في آلامه في ليلة صلبه في البستان، وعند تسليمه والقبض عليه، وعند محاكمته والحكم عليه في مجمع اليهود وأمام بيلاطس الوالي الروماني، وفي جلده بالجلد الروماني القاسي، وفي استهزاء الجنود به ولطمهم إياه، وفي حمله للصليب نحو الجلجثة، وفي صلبه وآلامه على الصليب والسخرية منه والاستهزاء به، وقبل ذلك في تعريته من ملابسه عند الجلد وعند الصليب، وفي شربه الخل عندما كان عطشانًا، وفي نزيفه الدمَوي الحاد الذي أدى إلى هبوط شديد في عضلة القلب، وفي ذوقه الموت بنعمة الله لأجل كل واحد. كل ذلك احتمله وهو برئ فاحتمل ظلم الأشرار، والبصق على وجهه المشرق بالنعمة، والاستخفاف بكل ما فعله من خير. واحتمل خيانة أحد تلاميذه المقربين الذي "كَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ" (يو12: 6). لذلك قال الآب في سفر إشعياء عن الابن المتجسد: "مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ" (إش53: 11). أي أن آلام السيد المسيح سوف تكون سببًا في خلاص البشرية وفي تجديد حياة كثير من البشر ليصيروا قديسين يشبع السيد المسيح من محبتهم الفائقة التي بادلوه فيها حُبًا بحب. مثل العذراء القديسة الطاهرة مريم والرسل والشهداء والمعترفين والمبشرين وأبطال الإيمان وكل الذين كملوا في الإيمان. قال معلمنا بطرس الرسول عن آلام السيد المسيح في الجلد: "الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ" (1بط 2: 24). أي أن آلام الجلد تشفى لذة الخطية التي تمتع بها البشر، وندموا عليها وسكبوا دموع التوبة والانسحاق عندما أدركوا الآلام الرهيبة التي سببتها الجلدات المحرقة التي مزقت ظهر السيد المسيح، والتفّت أيضًا على صدره، ومزقت الشرايين المحيطة بالقفص الصدري، ونزفت الدماء في داخل القفص الصدري حتى ملأته من آثار هذه الجلدات الكثيرة. يَرَى وَيَشْبَعُ لقد كرر إشعياء النبي كلمة "يَرَى" مرتين متتاليتين في قوله "يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ" (إش53: 10). وأيضًا في قوله "يَرَى وَيَشْبَعُ" (إش53: 11). وكان ذلك ليؤكّد حقيقة القيامة المجيدة. فقد رأى السيد المسيح فرحة التلاميذ بقيامته. رأى فرحة السيدة العذراء بعد أهوال الصليب، ورأى فرحة باقي المريمات ويوحنا وباقي الأحد عشر رسولًا بما في ذلك توما الرسول، وكذلك الرسل السبعين وباقي التلاميذ إذ ظهر لأكثر من خمسمائة أخ ليكونوا شهودًا للقيامة. إن السيد المسيح من الناحية الإنسانية قد اختبر الآلام والحزن حتى إنه قال: "نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ" (مر14: 34)، وذلك في ليلة آلامه وصلبه. وقيل عنه وقتها "ابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ" (مت 26: 37). لذلك كان ينبغي من الناحية الإنسانية أيضًا أن يفرح بثمار تعبه وأن يرى بعينيه إيمان التلاميذ بقيامته ويشاركهم أفراح القيامة، بعد أن حمل بنفسه أحزان الخلاص بالصليب. لهذا استمر السيد المسيح أربعين يومًا بعد قيامته المجيدة مع كنيسته المحبوبة وهو يظهر لتلاميذه بعد أن أراهم نفسه حيًّا ببراهين كثيرة. وبعد أن شبع السيد المسيح من أفراح تلاميذه صعد إلى أعلى السماوات حيث استقبلته جماهير الملائكة باعتباره الرب العزيز القوى الجبار ملك المجد الذي تجثو له كل ركبة. ما أروع هذا الاستقبال لمن اشترى خليقته، وأظهر محبته للخليقة، وأبطل افتراءات إبليس ضد الله. ما هذا الحب الكبير الذي ترنمت له مئات الملايين (ربواتُ ربواتِ) من الملائكة، وسوف تردد أصداءه إلى أبد الدهور. لقد رفع السيد المسيح رأس البشرية، بل هو نفسه صار رأسًا لها بالنسبة لمن آمنوا به وصاروا أولادًا لله. وعند صعود السيد المسيح إلى السماء صارت الكنيسة ممتدة من الأرض إلى السماء لأن رأسها قد دخل إلى المقادس السماوية، الموضع الذي لم يدخل إليه ذو طبيعة بشرية. إن صليب السيد المسيح قد صار مثل سلم يعقوب الذي وقف الرب عليه وكان مرتكزًا على الأرض ورأسه يمس السماء. على الصليب كانت الصعيدة المقبولة التي اشتمّها الآب للرضى والسرور. ليس هناك أروع من هذا الإعلان عن حب الله، وعن قداسته وعدله في آن واحد لذلك صارت أنشودة السمائيين هي أنهم يرسلون تسبيح الغلبة والخلاص الذي لنا بصوت ممتلئ مجدًا. وَعَبْدِي الْبَارُّ "وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا" (إش53: 11) لا نتعجب من تسمية السيد المسيح بالعبد البار بالنسبة للآب السماوي. لأن هذا اللقب هو ليس من حيث لاهوته، بل من حيث إنسانيته إذ أن الكلمة قد تجسّد من أجل خلاصنا.. وقد شرح معلمنا بولس الرسول هذه المسألة عن إخلاء الله الكلمة لنفسه بإخفاء مجده الإلهي الأزلى الذي له مع الله الآب حينما أخذ جسدًا وصار إنسانًا،فكتب في رسالته إلى أهل فيلبى يقول عن السيد المسيح: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ مساواته لله اختلاسًا. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فى 2: 6-8). فهو يؤكّد أن السيد المسيح بالرغم من مساواته للآب من حيث لاهوته، إلا أنه لم يحسب هذا اختلاسًا لأنه شيء في صميم طبيعته الإلهية، ولذلك أمكن أن يُخلى نفسه ويأخذ طبيعة بشرية كاملة بلا خطية ويقدم بها طاعة كاملة للآب السماوي. وبهذا أخذ صورة عبد ودعى بلقب العبد البار. يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ ويقول عنه إشعياء النبي: "بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ" (إش53: 11) فهو يعرف تدبير الخلاص والفداء الذي كان في قصد الله منذ الدهور الأزلية بل وقبل الأزمنة الأزلية (انظر 2تى1: 9). ولكن كيف سيبرر الكثيرين بهذه المعرفة؟ إن ذلك يتم عمليًا إذا حمل خطاياهم وأوفى الدين الذي عليهم. لذلك قال القديس يوحنا المعمدان عنه عندما رآه مُقبلًا بعد العماد المقدس: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يو1: 29). وإشعياء نفسه عاد وأكّد هذا المعنى في الآية التالية لكلامه وقال: "وهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ" (إش53: 12). وقد عقد القديس بولس الرسول مقارنة بين آدم الأول الذي أخطأ وآدم الثاني البار الذي لم يخطئ فقال: "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إلى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ هَكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إلى جَمِيعِ النَّاسِ لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ" (رو 5: 17، 18). ومن المفهوم أن خطية آدم كانت هي معصية الوصية. لذلك أطاع السيد المسيح الآب، وذلك عندما أخذ شكل العبد ووجد في الهيئة كإنسان لكي يصحح موقف الإنسان أمام الله. فالمعصية قابلتها طاعة الابن الوحيد الجنس الذي تجسد من أجل خلاصنا. لذلك قال معلمنا بولس الرسول أيضًا: "لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هَكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا" (رو5: 19). لذلك نستطيع أن نقول إن آدم الأول قد قاد البشرية إلى الموت، أما آدم الثاني فقد قاد البشرية التي أطاعته إلى الحياة. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً. أكمل إشعياء نبوته وقال: "لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ" (إش53: 12) عندما قام السيد المسيح ظهر للأعزاء مثل مريم العذراء الملكة الحقيقية وللرسل الأحد عشر الذين سوف يجلسون مع المسيح في يوم الدينونة ومعهم متياس الرسول على اثني عشر كرسيًا (عرشًا) يدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر كما وعدهم السيد المسيح. وقد ظهر الرب يسوع المسيح القائم من الأموات أيضًا لأكثر من خمسمائة أخ؛ أشار إليهم القديس بولس الرسول (انظر 1كو15: 6). ولا شك أن شهود القيامة قد صاروا أعزاء جدًا بين جميع البشر. لهذا قال الرسل عند اختيار متياس الرسول: "يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ" (أع1: 22). بين الأعزاء كان السيد المسيح بعد القيامة وأعدّهم للكرازة بالإنجيل لذلك فقد قيل إنه "بَيْنَ الأَعِزَّاءِ.. يَقْسِمُ غَنِيمَةً" بمعنى أنه سوف يغتنم نفوسًا كثيرة للإنجيل. أما "الْعُظَمَاءِ" ففيها إشارة إلى "ملائكة السماء" الذين احتفلوا بدخول الابن الوحيد المنتصر على الموت والهاوية. إذ يخاطب بعضهم بعضًا قائلًا: "اِرْفَعوا أَيُهَا الرؤساء أبوابكم، وَارْتَفِعى أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّة، فَيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ. مَنْ هُوَ هَذَا مَلِكُ الْمَجْدِ؟ الرَّبُّ العزيز الْقَدِير، الرَّبُّ الْقوى فِي الحروب.. هذاِ هُوَ مَلِكُ الْمَجْدِ" (مز23: 7-10). وقد بدأت الملائكة في تسبيح الخروف المذبوح بترنيمة جديدة، لأنهم فرحوا بإتمام الخلاص لأجلنا. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الكنيسة المسيحية والصعود المجيد |
لون ، color | يسوع والصعود |
هل نبوات العهد الجديد تختلف عن نبوات العهد القديم ؟ |
القيامة والصعود |
تحقيق نبوات القيامة في إنجيل مرقس |