لأعرفه وشركة آلامه
وفى اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد.. سار ثلاثة أيام وهو لا يكف عن أن يصلى ويفكر؛ إن ذبحتُ إسحاق ماذا يحدث؟!! إن كان بإسحاق هذا قد أخذتُ الوعد بالخلاص فكيف يُذبَح إسحاق ويموت؟!!.. أقول يا رب أفهِمني كيف يتحقق الوعد؟! أنت تقول لي اذبح إسحاق، فهل بعد أن أذبحه ممكن أن يتحقق الوعد؟
نعم... يتحقق الوعد لأن الله ليس إنسان فيكذب كما يقول الكتاب "ليْسَ اللهُ إِنْسَاناً فَيَكْذِبَ وَلا ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَل يَقُولُ وَلا يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلمُ وَلا يَفِي؟" (عد23: 19). وبدأ إبراهيم يشعر بالآلام تعتصره من الداخل، كيف يذبح ابنه بيده؟!!..
في وسط هذه المشاعر بدأ يفهم قيمة مشاعر الله الآب عندما سيصنع الفداء من أجل البشر.. ومدى مقدار محبة الله حينما يقدم ابنه الوحيد ذبيحة عن حياة العالم كله.. وبدأ إبراهيم يفهم معنى محبة الله الباذلة من أجل الفداء ومن أجل الخلاص.
وبدأ الإعلان في حياة إبراهيم وهو في ذروة هذا الإحساس.. كيف ذلك؟ إذا كان الإنسان يريد أن يأخذ أعظم الإعلانات الإلهية عليه أن يدخل في شركة الروح القدس، حتى لو كان الموقف صعبًا عليه كإنسان،وعندئذ يتحقق فيه كلام الكتاب "عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي" (مز94: 19). لقد دخل إبراهيم أيضًا إلى شركة الآلام مع المسيح.
كانت فترات الانتظار الأولى وفترات التكوين الأولى كلها تهيئه لإبراهيم للدخول إلى شركة الألم مع المسيح، إنما الآن يعتبره السيد المسيح إنه على وشك التخرج في مدرسة الإيمان لكي تعطى له البركة.. التي هي بركة الألم وشركة الألم "لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذَلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضاً" (2كو1: 5).
خبرات إبراهيم الأولى كانت خبرات الحيرة والقلق والانتظار أما خبرته الأخيرة كانت خبرة التضحية والبذل وخبرة الألم والمعاناه.. فعندما يرتقى الإنسان في احتماله للآلام، يدخل في شركة الصلب مع المسيح.. وعندما يدخل في شركة الصليب يفهم قصد الصليب وإعلان الصليب.. فيقول مع بولس الرسول: "لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ" (في3: 10).