أن أول ما يتبادر علي ذهننا هو معرفة طبيعة الملائكة... هل هي أرواح فقط أم أجساد نورانية؟! وما هي أشكالها وطبيعة تكوينها... لأننا لا نراها بالعين المجردة, بل قد نحلم بها، أو قد نسمع أوصافها في كتب الكنيسة، أو قد يراها بعض القديسين بأشكال شتي... وهل هي قوية أم ضعيفة.. كل هذه التساؤلات تثير انتباهنا، وتجعلنا نبحث في الكتاب المقدس عن طبيعة الملائكة.
هل للملائكة أجساد؟
هذا الموضوع الحساس ناقشته الكنيسة علي مر العصور والأجيال، وكحقيقة تاريخية نود أن نورد هنا بعض المناقشات التي دارت بخصوص هذا الموضوع.. فقد ذهب الكثيرون إلي أن للملائكة أجسادا روحانية غير منظورة تعمل بها كما يعمل الإنسان بجسده الحيواني الكثيف (المادي), وقد أشار بولس الرسول في رسالته إلي أهل كورنثوس إلي أنه يوجد جسم حيواني وجسم روحاني, وتكلم عن الفرق بينهما فقال "ليس كل جسد جسدا واحدا، بل للناس جسد واحد وللبهائم جسد آخر, وللسمك آخر وللطير آخر. وأجسام سماوية وأجسام أرضية... يوجد جسم حيواني ووجد جسم روحاني" (1كو15: 40-44).
وقال أيضا في رسالته إلي العبرانيين "أليس جميعهم أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14).
وقد أيد هذا الرأي الآباء الأولون أمثال كيوستينوس الشهيد وأثيناغورس وايريناؤس واكليمنضوس الإسكندري وترتليانوس وأغسطينوس.
أما الكنيسة الغربية فلم تكتف بهذا الرأي, بل نادت -في مجمع نيقية الثاني [لا تعترف به الكنيسة القبطية الأرثوذكسية] سنة 787 م.- بأن للملائكة أجساد لطيفة من النار أو الهواء استنادًا إلي بعض آيات الكتاب المقدس الآتية:
1- في سفر دانيال "فرأيت أنا دانيال....فإذا برجل لابس كتانا... ووجهه كمنظر البرق, وعيناه كمصباحي نار ...." (دا10: 6, 7). وكان هذا الرجل هو رئيس الملائكة جبرائيل.
2- في إنجيل متى "وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء دحرج الحجر عن الباب وجلس عليه وكان منظر كالبرق ولباسه أبيض كالثلج" (مت 28: 3).
3- في إنجيل مرقس يصف الملاك الذي ظهر للمريمات "ولما دخلت القبر رأين شابا جالسا عن اليمين لابسا حلة بيضاء فاندهشن" (مر16: 5).
4- ويصفه إنجيل لوقا بأن ثيابه كانت براقة "وفيما هن محتارات في ذلك إذ رجلان وقفا بثياب براقة" (لو 24: 4).
5- وعند صعود المسيح ظهرا ملاكان بلباس أبيض أمام التلاميذ (أع 1: 10).
6- وفي حادثة إنقاذ بطرس من السجن يقول سفر الأعمال "وإذ ملاك الرب أقبل ونور أضاء في البيت. فضرب جنب بطرس وأيقظه قائلا قم عاجلا. فسقطت السلسلتان من يديه" (أع 12: 7).
7- ويوحنا الرسول يصف ملاكا ظهر له في الرؤيا قائلا "ثم رأيت ملاكا آخر قويا نازلا من السماء متسربلا بسحابة، وعلي رأسه قوس قزح، ووجهه كالشمس ورجلاه كعمود نار..." (رؤ 10: 1).
وفي سنة 1215 م نقض المجمع اللاتراني هذا الحكم ونادي بعكسه، أي أنهم بدون أجساد. وقد وافقه في ذلك "بطرس لومبارد" وكثيرون من علماء اللاهوت، وقالوا بأن ليس لهم أجسادا حقيقية، وان الأجساد التي ظهروا فيها أحيانا غير حقيقية.
وقد تطرف البعض في وصف طبيعة الملائكة فانحرفوا عن العقيدة العامة للكنيسة، فقالوا إنهم انبثاقات من اللاهوت زائلة، والبعض الأخر وهم مذهب الغنوسيين قالوا بأنهم انبثاقات من اللاهوت باقية، ولكن كلا الرأيين الأخريين لا تقبله الكنيسة عموما.
أما الرأي السائد في الكنيسة أن لهم أجسادا روحية غير منظورة، وهذا الرأي مقبول وموافق لكل المذاهب الكنسية تقريبا.