رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصوامون الراسخون في العلم يرحِّبون بهذا الموسم ترحابهم بالفجر، بهذا الفجر الدائم الذي هو الإنجيل. وعند انبلاج الضياء يطل يسوع الحبيب بوداعته وملاطفاته للنفس. إنه هو المحجة وقبل إطلالته دروب وعرة نهايتها هذا التفجر الكبير الذي هو الفصح. فالعيد هو الفرحة الكبرى وأنت تتهيأ له كما يتهيأ عابر الصحارى للواحات. فلا بد من ظمأ لترتشف ماء الحياة. احتراق داخلي للشهوة فيك وهي تحمل جسدانيتك وتثيرها. ما في هذا احتقار للجسد. إنه هيكل الله وركيزة انبعاثك في اليوم الأخير. بهذا الجسد تقيم مائدة الرب وإن أكلت طيباتها، فلك الملكوت أو مواعيده. لا، أنت تحمي ترابيتك، أعني الزائل من هذا الكيان الإنساني العظيم الذي تقوم به وتقيم فيه. صحراء مضنية تدوم ما دمت وتتقبلها بسبب النشوة الموعودة. ولهذا تسعى إلى أن تضحى جديرا بالفصح لئلا يقع عليك يوماً من أيام الزمان الرديء، ليجيئك كأنه الأبدية أو ذوقاً لها في أزمنة الناس إذ كيف تلقى القائم من بين الأموات وأنت ملقى على التافه؟ عندما كان بولس يتغنى: “إني أقمع جسدي واستعبده” ما كان يرنو إلى انضباط يكون غايةً في نفسه كما كانت حال الفلاسفة الرواقيين، أو هربا من الرغبات كحال البوذيين، ولكنه كان يرجو النعمة. فالجهاد البشري المحض لا يقود إلى الإلوهة فينا. إن الاستكبار في الزهد معصية كمعصية الذين لا زهد عندهم. غاية الصوم التماسٌ للعشق الإلهي بغية وحدة الكيان بالله بحيث نرى إلى الأشياء كما الله يراها. إنها وحدة رؤية بيننا وبينه. المؤمن يتطهر التماساً لنـزول الرب إليه من أجل اقتناء فكر المسيح كما يقول بولس. سؤال المؤمن هو هذا: ماذا يجد المسيح فيَّ لو شاء أن يتنـزَّهُ في ثنايا نفسي؟ أموضعا يسند إليه رأسه في كل ثنيةٍ، أم حقل شوك؟ * * * الصوم رياضة. هذا من كلمة يونانية عرَّبناها نسكاً. أجل، أن وجهاً من وجوه الدين – الممارسة، أنه ترويض. ترويضٌ للعقل على الكلمة حتى لا يبقى سواها فيه. فالذهن البشري مليء بالكلمات الخاطئة التي يقولها الغرض وتقولها نتوءات الإثم. ففي القلب فحيح أفاعٍ، فساد دائم لا يزول إلاَّ بزوال الجسد. مسكين مَن لم تجعله سذاجته يبصر ذلك في داخله. فالصائم في مسعى إلى إزالة الكلمات التي يوسوس بها الشيطان ويمليها الدنس الخبيء. وحدها كلمة الله تضرب الكلمات الإبليسية فينا. لذلك جاء الصوم قريناً للعبادات نطيِّب النفسَ بها وتجعلنا نكتسب الذوق الإلهي حتى نرغب لأنفسنا في ما يرغب الله لها، فنعطى بها غفراناً وحلاوةً وحباً تلك التي يسكبها الرب علينا بروحه القدوس. والإمساك يزيدنا تتبعاً للصلاة وفهماً لها، فنتقبلها شافيةً ونتعمقها ابتغاء الفهم الكبير. الصيام من هذا القبيل محيطٌ للصلاة. فإنها تتنزل إن كنا أدنى إلى الحرية الداخلية مما كنا. ذلك أنك إن جعلت الإمساك منطقة لحقويك تقيم نفسك في الحرية وفي النجوى ولا تحس الصلاة هجينةً أو ضاغطةً. تصير هي لصيقة القلب. هذا وحده حظه من الفهم. عند ذاك لا تؤتى الصيام حِمْيةً، نظام إمساك صحي ولو كان كذلك بالفعل إن أتقنته في الحب. الإمساكُ إقبالٌ على شيء من العافية. هذا ما يقوله طبيبي، ولكن ليس هذا بغية المؤمن. القضية إن أمسكت فحرمت فجعت هي أن تتذكر أنه لا بد من فك قيود اللذة لتنصرف إلى حربٍ ساحتها نفسك. أنت إذن إنسان داخلي. تقود المعركة مع الفكر الرديء، مع أشياء هذا العالم وهي المال والجسد والمجد أو عشقها الذي إذا حل فيك تفقد حريتك وتسقط. ليس صيامنا في كوننا نباتيين. هناك نباتيون يقيمون على فلسفة أخرى. نحن لسنا فرقة من فرق المتزمتين بأكل الأعشاب والحبوب والزيت. هذا عَرَضٌ وإن كان عرضاً ضرورياً. نحن لا نحرِّم طعاماً، وقديماً - في القرن الرابع - كفّرنا من يحرِّم اللحم والخمر والزواج. نحن مع الطيبات في اعتدال. نتقبل كل طعام من يد الله ونشكر. نحن في المسيحية نؤمن إيماناً بأن الإنسان لا يتدنس من مأكل أو شراب إذا أقام على الصحو. نحن في الصيام لا نخالف هذه المقولة، ولكنا نقول إننا في تدريب، وقد لمسنا خلال ألفي سنة أن هذا التدريب لعظيم، وأنه تنقية لنا. ونرفض اعتراض من قال: ماذا ينفعكم كل هذا إن كنتم مع الصيام تأتون بالمعاصي. جوابنا ذو شقين إن السكيرين والشرهين يعصون أولاً ومقدار إغرائهم كثير. والشق الثاني إننا نصوم لمعرفتنا بالخطيئة، ولذلك نتمنى بالإمساك أن نتواضع. نتذلل أمام الله وإذا رأيناه في ذلنا نحسب أننا لا شيء. هذا وحده نصيبنا في أن يجعلنا هو شيئاً. ونحن نشتمّ الكبرياء أو الافتخار عند المتخمين والمترفين أنهم يدَّعون قدرتهم على الجمال الروحي، ولكنهم لا يضحّون بأجسادهم، بأية نتفة منها، بأي لذة لها. هذه نراها رؤية سطحية لا تقيم وزناً لضغط الأبدان المتشهية على النفس. الصوامون وحدهم يعرفون أن ليس لهم عدو يأتيهم من خارج النفس. الصائم يري نفسه متعبة في أعماقها ويغوص على هذه الأعماق. لذلك يسهر ويصلي لئلا يدخل في تجربة. * * * يعرف الصائم خلال أربعين يوماً وأسبوع الآلام الذي يليها أنه قد يخسر في الحرب معارك، ولكن الجبابرة يخسرون، فإن من لم يقد معركةً لا يخسر شيئاً لأنه كان أصلا فقيراً. على أن الممسكين يربحون الحرب في النهاية لأن الله منتصرٌ فيهم، لأنه يقذف فيهم نوره. إنهم يعظمون هذا النور بعد أن استضعفوا ذواتهم. إنهم يسجلون للرب نصراً على نصرٍ فيما يكتسبون صبراً وهدوءاً وعدلاً ونزاهةً وحباً وعمقَ روحٍ، فيما يدخلهم الله إلى خلوة حبه. ذلك أن الحب هو المرتجى. والحب نتقبله من فوق ولا نصطنعه بالجهاد. الجهاد مجرد توق إلى العشق الإلهي وهذا يتنزل متى شاء. وما الفصح سوى عبورك إلى هذا اللطف الإلهي الذي إذا حلَّ فيك تغدو إنساناً جديداً. هو الله يصوغنا بشراً إذا رأيتهم حسبتهم آتين من الملكوت. هكذا يفيض على العالم نهرٌ من بلّور. قد لا يتغير العالم كثيراً في ما يبدو منه. الآثام ستبقى والموت باق. ولكن الإنسان قادر على الجدة فيما هو في حدود الأرض، قادرٌ أن يكشف لها السماء. قلةٌ تفعل ذلك لأن قلةً تريد ذلك بحق. يكفيك هؤلاء لكونهم قادرين أن يدفعوك إلى الرجاء. الملكوت ليس انتقالاً إلى فوق. إنه غوصٌ في الأعماق. فالرب يسكن قاعَ النفسِ إذا تطهَّرتْ. إن آمنت بهذا المسعى وقدرت عليه لك نصيب في رؤية البلور نازلاً من عرش الله والحمَل . بقلم المطران جورج خضر |
04 - 03 - 2014, 06:49 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: فالمصلوبية عندنا طريق، وأمَّا الفرح، فهو الإقامة.
شكراً أختى هيا
ربنا يبارك خدمتك |
||||
04 - 03 - 2014, 06:51 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: فالمصلوبية عندنا طريق، وأمَّا الفرح، فهو الإقامة.
|
||||
21 - 06 - 2014, 08:01 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: فالمصلوبية عندنا طريق، وأمَّا الفرح، فهو الإقامة.
ربنا يعوض تعب خدمتك
|
||||
21 - 06 - 2014, 08:07 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: فالمصلوبية عندنا طريق، وأمَّا الفرح، فهو الإقامة.
مشاركة جميلة جدا ربنا يبارك حياتك |
||||
22 - 06 - 2014, 04:59 AM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: فالمصلوبية عندنا طريق، وأمَّا الفرح، فهو الإقامة.
|
||||
22 - 06 - 2014, 04:59 AM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: فالمصلوبية عندنا طريق، وأمَّا الفرح، فهو الإقامة.
|
||||
|