تواضع الله في رفع قديسيه
من هم هؤلاء يا رب الذين تريد أن تظهرهم؟ إنهم تراب ورماد، عدم وليس لهم وجود... ولكنهم أحباؤك، قديسوك...
هناك عبارة عجيبة في العهد القديم، وقفت أمامها منذهلًا لحظات طويلة... في قصة الله مع موسى النبي. عندما ثقلت المسئولية على موسي، قال له الرب: "اجمع إلى سبعين رجلًا... فأنزل وأتكلم معك هناك. وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم، فيحملون معك ثقل الشعب" (عد11: 16، 17).
تصوروا، الله يأخذ من الروح الذي على موسى ويضع عليهم! وما هو الروح الذي على موسى؟ أليس من عندك يا رب؟! كيف تأخذ منه؟ وكيف تأخذ منه أمام كل هؤلاء؟ أعطهم أنت من عندك مباشرة كما أعطيت لموسى، أنت يا مصدر كل عطية صالحة، أنت مصدر الحكمة والتدبير والفهم... كلا، إنني آخذ أمامهم من الروح الذي على موسى، وأضع عليهم، وأرفع شأن موسى في أعينهم... مبارك أنت يا رب في كل تدبيرك الصالح.
الله يحب أولاده، ويريد أن يكرمهم، في السر والجهر.
بل أن الله كثيرًا ما كان يسمي نفسه بأسماء أولاده.... فيقول: "أنا إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب" (خر3: 6). ما هذا يا رب؟! إنهم هم الذين ينبغي أن ينتسبوا إليك... الله يختفي ويظهر أولاده. وهم بالمثل يختفون لكي يظهر هو.. أنها محبة متبادلة.
ومن المظاهر العجيبة في إخلاء الرب لذاته، ورفع شأن أولاده، قصة عماد الرب من عبده يوحنا بن زكريا...
يوحنا الذي لم يكن مستحقًا أن ينحني ويحل سيور حذائه، يوحنا الذي قال له في صراحة: "أنا محتاج أن أعتمد منك"، يقف أمامه رب المجد قائلًا: "اسمح الآن"... فسمح له، واعتمد الرب منه... يا للعجب... رئيس الكهنة الأعظم، وراعي الرعاة، الكاهن إلى الأبد على طقس ملكي صادق يأتي ليعتمد من يوحنا، بينما تنفتح السماء، ويسمع صوت الآب قائلًا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت3: 13-17).
كانت معمودية يوحنا للتوبة... ولم يكن السيد المسيح محتاجًا إلى التوبة مطلقًا لأنه قدوس بلا عيب. فلماذا أعتمد؟! الذين جاءوا إلى يوحنا ليعتمدوا جاءوا معترفين بخطاياهم (مت3: 6). ولم تكن للرب خطايا يعترف بها، ويتوب عنها ويعتمد بسببها، حاشا... فلماذا اعتمد إذن؟!
إنه من أجلنا أخلي ذاته وأخذ شكل العبد... وبنفس الوضع، من أجلنا اعتمد. من أجلنا أخذ شكل الخطاة، إذ وضع عليه إثم جميعنا، ووقف يطلب عنا معمودية التوبة، كنائب عن البشرية الخاطئة...