مبادئ المسيحية السبعة
القديس أغسطينوس
لو تأمل إنسان بتقوى وجديَّة في العظة التي قالها ربنا يسوع المسيح على الجبل، كما جاءت في إنجيل متى، لوجد فيها كل المبادئ السامية اللازمة للحياة المسيحية الكاملة.
وبقولنا هذا لا نكون مغالين، بل نستشف هذا الأمر من كلمات الرب نفسه، فالعظة كاملة من حيث شمولها جميع الوصايا التي توجّه الحياة. فالرب يختم العظة بهذه الكلمات: "فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر، فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وقعت على ذلك البيت فلم يسقط، لأنه كان مؤسساً على الصخر. وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يُشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط وكان سقوطه عظيماً" (مت 7). إذاً، لم يقل الرب "من يسمع أقوالي" فقط، بل أضاف "من يسمع أقوالي هذه"، فأوضح بما فيه الكفاية أن الكلمات التي نطق بها على الجبل، تعطي التعاليم الكاملة للراغبين في السلوك بموجبها، الذين يشبهون بحق الشخص الذي يبني على الصخر.
لقد قلت هذه الملاحظة، لكي أوضِّح أن هذه العظة تحتوي بشكل كامل على كل النصائح والوصايا التي تتشكل بها الحياة المسيحية ...
تبدأ الموعظة كما يلي: "ولما رأى الجموع، صعد إلى الجبل. فلما جلس تقدم إليه تلاميذه ففتح فاه وعلمهم قائلاً" (مت 5)
لو سؤلنا عن الجبل وماذا يشير إليه، فحسناً نفهم أنه يقصد وصايا البر العظيمة. لأن الوصايا التي كانت قد أعطيت لليهود كانت أدنى. ومع ذلك، بواسطة أنبيائه وخدامه القديسين وبموجب الترتيب الدقيق للأزمنة، أعطى الله الواحد الوصايا الأدنى لشعب تعيَّن عليه أن يكون مربوطاً بالخوف، وأعطى من خلال ابنه الوصايا الأعظم لشعب لاق به أن يتحرر بالمحبة.
وعندما تُعطى الوصايا الأصغر للضعفاء، والوصايا الأعظم للأقوياء، إنما تُعطى بواسطة ذاك الذي وحده يعلم كيف يُقدِّم للبشرية الدواء المناسب بحسب أحوالها.
ولا يدهشنا أن الله نفسه الذي صنع السماء والأرض، يعطي الوصايا الأعظم لأجل ملكوت السموات، ويعطي الوصايا الأدنى لأجل الملكوت الأرضي. لذلك قيل بالنبي عن بر الله - الذي هو أعظم - "برك مثل جبال الله" (مز 36)، وهذا يشير بشكل صحيح للتعليم على الجبل بواسطة السيد الواحد، الذي يليق به وحده أن يُعلِّم بمثل هذه التعاليم العظيمة.
وهو يُعلِّم جالساً، فهذا يليق بمقام وكرامة وظيفة المعلم.
"فلما جلس تقدم إليه تلاميذه"، ليكونوا قريبين منه بالجسد ليسمعوا كلماته، كما أنهم تقدموا إليه أيضاً بالروح لكي ينفذوا وصاياه.
"ففتح فاه وعلمهم قائلاً". فيما يتعلق بالعبارة التشويقية "ففتح فاه"، ربما تشير إلى طول العظة، أو إشارة إلى حقيقة أن ذاك الذي اعتاد أن يفتح أفواه الأنبياء بالشريعة القديمة، الآن يفتح فمه الخاص.
ماذا يقول إذن؟
"طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات"
نقرأ في الكتاب المقدس عن التعب من أجل الأمور الزمنية "الكل باطل ووقاحة الروح" (جا 14:1)، أما كلمة وقاحة الروح فتعني الكبرياء والغطرسة. ومن المعتاد أيضاً ان يقال عن المتكبر أن به رياح عالية - وهذا صحيح، لأن الريح أيضاً تدعى روحاً. وبناء على ذلك، كتب "النار والبرد، الثلج والضباب، الريح العاصفة" (مز 148). فالمتكبر يُدعى منتفخاً كما لو أنه ينتفخ بالريح. لذلك يقول الرسول أيضاً: "العلم ينفخ ولكن المحبة تبني" (1 كو 8)
هكذا، وبالتالي، نفهم وبشكل صحيح أن المساكين بالروح هم المتواضعون وخائفو الله، أي أولئك الذين ليس عندهم روحاً منتفخة.
كان من الغير مناسب أن تبدأ التطويبات بغير هذه البداءة، مادامت موضوعة لأجل بلوغ قمة الحكمة، إذ أن "رأس الحكمة مخافة الرب" (مز 111)، ومن الناحية الأخرى، توصف الكبرياء بأنها "بداية كل الخطايا" (جا 10). إذاً، ليسعى المتكبر نحو الممالك الأرضية ويحبها، ولكن "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات".
"طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض".
أعتقد أن هذه الأرض هي التي وردت بالمزمور "قلت أنت ملجأي، نصيبي في أرض الأحياء" (مز 142)، لأنها تدل على نوع من الثبات والاستقرار في ميراث دائم، حيث تجد الروح الراحة - من خلال محبتها للصلاح - كما في موضعها المناسب. تماماً كما يجد الجسد الراحة على الأرض. وهناك تتغذى الروح بطعامها الخاص، تماماً كما يتغذى الجسد من الأرض. بالنسبة للقديسين، هذا الموضع هو بالحقيقة موضع الحياة والراحة.
الودعاء هم الذين يخضعون للظلم، ولا يقاومون الشر، بل يغلبون الشر بالخير (رو 12). إذاً، ليتشاجر المغرور ويتنافس من أجل الأمور الأرضية والوقتية. ولكن "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" - الأرض التي من المستحيل أن يُطرَّدوا منها.
"طوبى للحزانى لنهم يتعزون"
الحزن هو التأسف بسبب فقدان أشياء قيِّمة. إن أولئك الذين يهتدون إلى الله يفقدون الأشياء التي إعتادوا قبولها في هذا العالم كأشياء ثمينة، نظراً لأنهم لا يجدوا أي لذة في الأشياء التي كانوا يتمتعون بها قبلاً. أنهم يتألمون بالحزن حتى تتولَّد فيهم محبة الأمور الأبدية. لذا، سوف يتعزون بالروح القدس - الذي لهذا يُدعى الباراكليت أي المعزي - حتى إنهم عندما يفقدون السعادة الوقتية، يتمتعون كلياً بالسعادة الأبدية.
"طوبى للجياع والعطاش إلى البر"
إنه يدعوهم محبي الصلاح الحقيقي الغير متغير. لذا، سوف يشبعون بذلك الطعام الذي قال عنه الرب نفسه: "طعامي ان أعمل مشيئة أبي" (يو 4) - وهذا هو البر. وسوف يشبعون بهذا الماء، الذي قال عنه الرب أيضاً: "ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو 4)
"طوبى للرحماء لأنهم يرحمون".
إنه يدعو أولئك الذين يساعدون البائسين مطوبين، لأن مكافآتهم تكون عظيمة جداً، ويتحررون من أي بؤس.
"طوبى لأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله"
يا لغباوة هؤلاء الذين يحاولون البحث عن الله بإستخدام هذه العيون الجسدية. إذ أنه من خلال القلب يُرَّى الله. كما هو مكتوب في موضع آخر "إلتمسوه ببساطة قلوبكم" (حك 1:1). القلب البسيط هو القلب النقي. وكما أن هذا النور لا يمكن رؤيته إلا بواسطة عيون صافية نقية، هكذا أيضاً لا يُرَّى الله ما لم يكن ذاك الذي يراه (عين القلب) نقياً.
"طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون"
حيث لا يوجد خصام وخلاف، هناك السلام الكامل. ونظراً لأنه لا شيء يمكنه مخالفة الله، لذا أبناء الله هم صانعو سلام، لأنه ينبغي للأبناء أن يتشبهوا بأبيهم. إنَّ أولئك الذين يُسكِّنون أهوائهم ويخضعونها للتعقل، أي يخضعونها للعقل والروح، ويقمعون شهواتهم الجسدية - يصنعون بذلك السلام في داخل أنفسهم، ويصيرون ملكوتاً لله. إنهم يصيرون ملكوتاً، فيه تكون كل الأشياء مرتبة جداً، بحيث يكون كل ما هو سام وجليل في الإنسان - أعني العقل والتبصر - هو الذي يحكم، ويسيطر بشكل عفوي على الصفات والغرائز الأخرى التي يشترك فيها الإنسان مع الحيوان. وهذه المَلكَة السامية في الإنسان ذاتها تخضع لما هو أسمى وأرفع أيضاً، أعني الحق ذاته، ابن الله الوحيد. فالإنسان لا يستطيع السيطرة على الأمور الأدنى ما لم يُخضع ذاته لحكم الكائن الأعلى. هذا هو السلام الموعود على الأرض لأصحاب المشيئة الحسنة (لو 14: 2). هذه هي حياة الإنسان صاحب الحكمة المثالية والكاملة.
أما رئيس هذا العالم، الذي يسيطر على المنحرفين والفوضويين، فقد تم طرده من ملكوت مثل هذا يسود فيه السلام بالتمام والترتيب والانضباط. فعندما ينشأ هذا السلام في داخل الإنسان ويتقوى، فإن جميع الإضطهادات التي يثيرها رئيس هذا العالم (الذي تم طرده) من الخارج، تُزيد من المجد الذي بحسب الله. فلا يستطيع ان يُضعف ذلك البناء الداخلي، بل فشل مكائد إبليس، يبيِّن قوة الاستقرار الداخلي.
لذا أكمل الرب قائلاً:
"طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات"
إن كل عبارة من تلك العبارات الثمانية تمثل قاعدة ومبدأ للسلوك.
بعد ذلك، قال الرب، موجّهاً الحديث للحاضرين آنذاك: "طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم". أما المبادئ السابقة فكانت موجهَّة بصيغة عامة، فهو لم يقل "طوبى لكم أيها المساكين بالروح لأن لكم ملكوت السموات" بل قال "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات"، ولم يقل "طوبي لكم أيها الودعاء لأنكم ترثون الأرض"، بل قال "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض"، هكذا أيضاً، فيما يخص المبادئ من الأولى حتى الثامنة حيث يقول "طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات". وعند هذه النقطة، يبدأ الرب في توجيه كلامه للحاضرين -بالرغم من أن العبارات السابقة كانت تخص أيضاً الجمع الحاضر، وبالرغم من أن ما قيل لاحقاً (التطويبة الأخيرة) ويبدو أنه موجه خصيصاً للحاضرين يخص أيضاً غير الحاضرين والأجيال اللاحقة.
لهذا، عدد المبادئ ذاته يستحق التأمل بعناية.
أول مبدأ ذُكِر من مصادر البركة هو الاتضاع. "طوبى للمساكين بالروح"، أي طوبى لغير المنتفخين، الذين تخضع أرواحهم للسلطان الإلهي، بخوف لئلا تعاقب في الحياة الآتية ..
عندئذ تبدأ بدراسة الكتب المقدسة الإلهية، إذ ينبغي أن تفعل ذلك بوداعة وتقوى، لئلا تتجاسر وتشجب ما قد يبدو لها مناف للعقل - بالنسبة للجاهل - وتصبح غير قابلة للتعليم، بسبب العند في المجادلات.
بعد هذه الدراسة، تبدأ في التعرف على القيود الأرضية التي هي مكبلة بها، بسبب الخطايا والأمور الجسدية. في هذه المرحلة الثالثة، يكون الفهم والتبصر. فتحزن على فقدانها الصلاح الأعظم نظراً لإلتصاقها بما هو أدنى.
في المرحلة الرابع، يكون التعب والجهاد، لأن العقل يجتهد بحماس في الابتعاد من الأمور التي سقط فيها بسبب لذة إغراءاتها. هنا يحتاج المرء للجلد والشجاعة، لأن كل ما يتم الحصول عليه باللذة لا يمكن هجره بدون ألم وحزن.
في المرحلة الخامسة، يُعطى للمثابرين على الجهاد وسيلة للهروب. فلا أحد يستطيع التخلص من هذه الأشراك الصعبة بدون معونة من هو أقوى منه. المشورة شيء مقبول. فكل من يرغب في المساعدة بواسطة من هو أقوى منه، يجب عليه أن يساعد من هو أضعف منه. لذلك "طوبى للرحماء لنهم يرحمون".
في المرحلة السادسة، نجد نقاوة القلب. بالضمير المبارك بالأعمال الصالحة يستطيع القلب النقي أن يتأمل الصلاح الأعظم، الذي لا يمكن تبينه إلا بواسطة الذهن النقي الهادئ.
أخيراً، المبدأ السابع هو الحكمة نفسها، أي التأمل في الحق، جاعلاً الإنسان بأكمله مسالماً ومتشبهاً بالله. لذا، "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون".
المبدأ الثامن يرجع - إن جاز التعبير - إلى نقطة البداية. فهو يعرض ويُصدق على مبدأ مثالي وكامل. لهذا يذكر "ملكوت السموات" في المبدأ الأول كما في الثامن. ففي الأول: "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات"، وفي الثامن: "طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات". وكأنه يجاوب على سؤال بولس: "من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم إضطهاد أم جوع ام عري أم خطر أم سيف؟" (رو 8). فيجاوب قائلاً: "طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات"
إذاً، هناك سبعة مبادئ تؤسس حياة الكمال. إذ أن المبدأ الثامن يبدأ من جديد مرة أخرى - إن جاز التعبير - من البداية، فهو مبدأ يوضِّح ويؤكد ما هو بالفعل كامل. وهكذا كل درجات الكمال الأخرى تتم من خلال هؤلاء السبعة .
يبدو لي، أن مفاعيل الروح القدس السبعة التي تكلم عنها إشعيا النبي، تتفق مع هذه المراحل والمبادئ السبعة. إلا أنه يوحد بينهما إختلاف في الترتيب. فكلمات النبي إشعيا تتدرج من الأعظم إلى الأقل، وأما هنا فيصعد من الأقل إلى الأعظم. فإشعيا يبدأ بالحكمة وينتهي بمخافة الرب. لأن "رأس الحكمة مخافة الرب" (جا 1).
لذلك، إذ رتبنا ما أورده إشعيا ترتيباً تصاعدياً، تكون الدرجة الأولى مخافة الرب، ثانياً التقوى، ثالثاً المعرفة، رابعاً القوة، خامساً المشورة، سادساً الفهم، سابعاً الحكمة.
مخافة الرب تتفق مع المتواضعين، الذين قيل عنهم "طوبى للمساكين بالروح"، أي طوبى لغير المنتفخين، غير المتكبرين، الذين يخاطبهم الرسول قائلاً "لا تستكبر بل خف" (رو 11)، أي لا ترتفع.
التقوى تتفق مع الودعاء، لأنه إن بحث الإنسان في الكتاب المقدس بتقوى، دون أن يشجب ما لم يفهمه بعد، يُكرِّم الكتاب المقدس، وبالتالي لا يقاومه. هذه هي الوداعة. لذا قيل: "طوبى للودعاء".
المعرفة تتفق مع أولئك الحزانى. فالحزانى هم أولئك الذين عرفوا من خلال الكتاب المقدس الشرور التي تسلطت عليهم، والتي كانوا يشتهونها بجهل، كما لو كانت أشياء صالحة ومفيدة، فحزنوا نادمين عليها. لذا قيل: "طوبى للحزانى".
القوة والثبات تتفق مع أولئك الجياع والعطاش، الذين يعملون باجتهاد لنوال الفرح من المسرات الحقيقية، المشتاقين لتوجيه حبهم بعيداً عن الأشياء الأرضية الزائلة. عن هؤلاء قيل: "طوبى للجياع والعطاش إلى البر"
المشورة تتفق مع الرحماء، لأن العلاج الوحيد للهروب من شرور كثيرة هو أن نغفر للآخرين - ما دمنا نريد أن يُغفَّر لنا - ونساعد الآخرين قدر إستطاعتنا - ما دمنا نريد مساعدة الآخرين عندما نكون ضعفاء. وعن هؤلاء قيل: "طوبى للرحماء"
الفهم يتفق مع أنقياء القلب، مع أصحاب العين الصافية النقية. والذي بواسطتها يمكنهم تمييز "ما لم تره عين، وما لم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر" (1 كو 2). وعن هؤلاء قيل: "طوبى لأنقياء القلب"
الحكمة تتفق مع صانعي السلام، لأنه مع صانعي السلام كل شيء يكون مرتباً ومنظماً، فلا يثور أي هوى من الأهواء ضد التعقل، بل يكون كل شيء خاضعاً لروح الإنسان، بينما تخضع روحه لله وتطيعه. وعن هؤلاء قيل: "طوبى لصانعي السلام"
ونفس المكافأة - أي ملكوت السموات - تأخذ أسماء مختلفة، حسب كل مرحلة من مراحل الكمال.
ويوضع "ملكوت السموات" بشكل ملائم جداً أولاً، إذ أنه كمال حكمة النفس العاقلة. لذلك أعلن: "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات". وكأنه يقول "رأس الحكمة مخافة الرب".
للودعاء - كما لأطفال يريدون وصية الأب - أعطى لهم ميراثاً: "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض".
للحزانى - كما لأناس عرفوا ما فقدوه، وفي أي خطايا قد سقطوا - يمنح العزاء: "طوبى للحزانى لأنهم يتعزون"
للجياع والعطاش - كما لأناس يجاهدون ويكافحون من أجل الخلاص، في حاجة ملحة الشبع - يمنح لهم الطعام والشبع: "طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون".
للرحماء - كما لأناس يتبعون مرشداً صادقاً ومستقيماً، وما يمنحونه لمن هم أضعف منهم يُمنح لهم بواسطة من هو أقوى - تمنح لهم الرحمة: "طوبى للرحماء لأنهم يرحمون"
لأنقياء القلب - كما لأناس يحتفظون بالعين نظيفة لتمييز الحقائق الأبدية - تمنح قوة رؤية الله: "طوبى للأنقياء لأنهم يعاينون الله"
لصانعي السلام - كما لأناس قد تكمَّلوا في الحكمة، وتغيروا بحسب شبه الله وتجددوا إلى الإنسان الجديد - يمنح لهم التشبه بالله: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون"
كل درجات الكمال هذه يمكن تحقيقها في الحياة الحاضرة، وذلك كما نعتقد أنها قد تحققت في حياة الرسل. أما بالنسبة للتغيير الكامل إلى الشكل السمائي، الموعود به بعد هذه الحياة الحاضرة، هذا التغيير لا يمكن التعبير عنه بالكلام.
"طوبى للمطرودين من أجل البر، لأن لهم ملكوت السموات"، ربما يكون هذا المبدأ الذي يرجع إلى نقطة البداية، ويخص الإنسان الكامل، يشار إليه بالختان في اليوم الثامن في العهد القديم، وقيامة الرب بعد السبت (أي اليوم الثامن والأول في نفس الوقت)، كما يتضح بالأيام الثمانية التي نحتفل بها بتجديد الإنسان . كذلك من الممكن أن يشار إليه بالخماسين، لأنه بضرب سبعة سبع مرات ينتج رقم 49، تكون هناك نوع من العودة إلى البداية في اليوم الذي فيه حلَّ الروح القدس. إذ أنه بواسطة الروح القدس ننقاد إلى ملكوت السموات، ونأخذ ميراثاً، ونتعزى، ونشبع، وننال رحمة، ونتنقى، ونصير صانعي سلام. وعندما نصير هكذا كاملين، نحتمل كل الضيقات التي تأتي علينا، من أجل البر والحق