الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد بعيدًا عن الروح. فكل عمل لا تشترك فيه الروح لا يعتبر فضيلة علي الإطلاق. فما هو عمل الجسد في الصوم؟ وما هو عمل الروح؟ الصوم الحقيقي هو عمل روحي داخل القلب أولًا. وعمل الجسد في الصوم، هو تمهيد لعمل الروح أو هو تعبير عن مشاعر الروح. الروح تسمو فوق مستوي المادة و الطعام، وفوق مستوي الجسد معها في موكب نصرتها، وفي رغباتها الروحية. ويعبر الجسد عن هذا بممارسة الصوم. إن قصرنا تعريفنا للصوم علي إنه إذلال للجسد بالجوع و الأمتناع عما يشتهي، نكون قد أخذنا من الصوم سلبياته، وتركنا عمله الإيجابي الروحي. الصوم ليس جوعًا للجسد، بل هو غذاء للروح. ليس الصوم تعذيبًا للجسد، أو استشهادًا للجسد، أو صليبًا له، كما يظن البعض، إنما الصوم هو تسامي الجسد ليصل إلي المستوي الذي يتعاون فيه مع الروح. ونحن في الصوم لا نقصد أن نعذب الجسد، إنما نقصد ألا نسلك حسب الجسد، فيكون الصائم إنسانًا روحيًا وليس إنسانًا جسدانيًا. الصوم هو روح زاهده، تشرك الجسد معها في الزهد والصوم ليس هو الجسد الجائع، بل الجسد الزاهد. وليس الصوم هو جوع الجسد، إنما بالأكثر هو تسامي الجسد وطهارة الجسد ليس هو حالة الجسد الذي يجوع ويشتهي أن يأكل، بل الذي يتخلص من شهوة الكل ويفقد الأكل قيمته في نظره.. الصوم فترة ترفع فيها الروح، وتجذب الجسد معها. تخلصه من أعماله وأثقاله، وتجذبه معها إلي فوق، لكي يعمل معها الرب بلا عائق. والجسد الروحي يكون سعيدًا بهذا. الصوم هو فترة روحية، يقضيها الجسد و الروح معًا في عمل روحي. يشترك الجسد مع الروح في عمل واحد هو عمل الروح. يشترك معها في الصلاة و التأمل و التسبيح و العشرة الإلهية. نصلي ليس فقط بجسد صائم، أنما أيضا بنفس صائمة. بفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات، وبروح صائمة عن محبة العالم، فهي ميتة عنه، وكلها حياة مع الله، تتغذي به وبمحبته. الصوم بهذا الشكل هو الوسيلة الصالحة للعمل الروحي. هو الجو الروحي الذي يحيا فيه الإنسان جميعه، بقلبه وروحه وفكره وحواسه وعواطفه. الصوم هو تعبير الجسد عن زهده في المادة و الماديات، واشتياقه إلي الحياة مع الله. وهذا الزهد دليل علي اشتراك الجسد في عمل الروح، وفي صفاتها الروحية وبه يصبح الجسد روحيًا في منهجه، وتكون له صورة الروح. في الصوم لا يهتم الإنسان بما للجسد به أيضًا في حالته الروحية.