مبارك هو الله الذي منحنا الوجود إذ لم تكن، وميزنا عن باقي الكائنات بالعقل والنطق.
وأعطانا الله الحياة. وهى سر يغوص الناس في أعماقه، ولا يصلون إلى مكنوناته.
وأعطى الله الحياة لكائنات حية عديدة جدًا تعيش معنا على هذا الكوكب، من طيوروحيوانات وحشرات وهوام وأسماك، كل منها له طبيعته.. ولكن الحياة في الإنسان تميزت بميزة أسمى من كل تلك الكائنات.. تميزت بالروح التي تختلف عن أنفس الحيوانات..
فتلك الكائنات الحية معنا حياة. أما نحن فلنا حياة، وحياة أخرى. إذ أعطانا الله حين خلقنا أرواحًا خالدة..
الخلود عطية عجيبة وعميقة جدًا، منحها الله للبشرية. فكان إذن من أهم عطاياه لنا: الوجود، والحياة، والخلود. مع سمو في كل من هذه الأمور الثلاثة، نتفوق فيها على كل المخلوقات الأرضية. يضيف لها الله مجموعة من المواهب والقدرات، تتنوع من إنسان لآخر، حسبما قسم الله لكل واحد كما شاءت مواهبه الإلهية (1 كو 12: 11).
خروج الحياة من الإنسان سر لا ندريه. ورجوع الحياة إليه سر أعظم..
كل ما ندريه عن خروج الحياة من الإنسان هو بعض مظاهر خارجية، مثل توقف المخ، وتوقف القلب، وتوقف النفس، وتوقف النبض، وتوقف الحرارة، وتوقف الحس، وبالتالي توقف كل أجهزة الجسد.
أما خروج الروح من الجسد، فهو سر. كيف يحدث، ومتى؟ وما تحيط به من مشاعر وأحاسيس، أو من مناظر. وما يتبع ذلك، ومسيرة الروح.. كل هذه أسرار.. حتى الذين عادوا إلى الحياة، وأقامهم الأنبياء في العهد القديم، أو أقامهم السيد المسيح له المجد، لم يخبرونا بما حدث لهم، وكيف خرجت منهم الحياة، وكيف عادت إليهم، وكيف كانوا بين الحالين؟!.. كل ذلك بقى سرًا مختومًا عليه بسبعة ختوم.
كل ما نستطيعه، هو أن نشكر الله لأنه وعد أن يعطينا حياة أخرى..
إنها حياة بعد الموت، ننالها في القيامة العامة، التي تقوم فيها جميع البشر. ترجع الأرواح إلى أجسادها فتقوم، لتقف في يوم الدينونة العظيم، الذي فيه يجازى الله كل نفس بما عملت. وينال كل واحد منا حسبما صنع بالجسد كان أم شرًا (2 كو 5: 10).
ولكن كيف تعود الأرواح إلى الأجساد؟ هنا نقف بالإيمان أمام قدرة الله القادر على كل شيء.
الله الذي خلق الكون كله من العدم، أتكون القيامة صعبة عليه؟ حاشا..
القيامة تعطينا إذن فكرة عن قدرة الله.
الله القوى المتناهي في قوته، الذي يستطيع أن يعيد هذه الأجسام مرة أخرى بعد أن تتحلل وبعد أن نتحول إلى تراب..
ويعيدها في نوع من التجلي، أجسادًا روحانية، سماوية، نورانية (1 كو 15: 49). لا يدركها الموت فيما بعد، ولا يدركها تعب، ولا مرض.
فالله وعد الإنسان بالخلود، وليس بالخلود لجزء منه فقط هو الروح، بل الخلود للإنسان كله، روحا ًوجسدًا.
فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم الأبدي، إذن لا يمكن أن نقول إن الإنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة، وإنما جزء منه فقط، وهو الروح. فبالضرورة إذن لابد أن يقوم الجسد من الموت، وتتحد به الروح، لتكون إنسانًا كاملًا تصير له الحياة الدائمة.