الصور والأيقونات
ينكر البروتستانت ما في الكنيسة من صور وأيقونات (وما عند الكاثوليك من تماثيل). ويعتبرون كل ذلك ضد الوصية الثانية التي يقول فيها الرب (لا تصنع تمثالا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن) (خر20: 4، 5) (تث5، 8، 9).
وقد قامت حرب ضد الأيقونات في القرن الثامن الميلادي من سنة 726 م أيام الإمبراطور ليو الثالث، واستمرت بضعة قرون وهدأت، ثم عادت مرة أخري في البروتستانتية منذ القرنين الخامس العشر والسادس عشر واستمرت في معتقداتهم حتى الآن.
والمتطرفون من البروتستانت يعتبرون الأيقونات من بقايا الوثنية!
ويلوموننا علي إكرام الأيقونات وتقبيلها وإيقاد الشموع أمامها والسجود أمامها.
وسنحاول أن نرد علي كل هذا، ونبين حكمة الكنيسة في وجود الأيقونات فيها وفائدة ذلك روحيا.
1) في الرد علي موضوع الأيقونات ينبغي أن نضع أمامنا الآتي:
أ) الحكمة في الآية التي يستخدمونها. لماذا قيلت وما هدفها؟ وذلك لأن (الحرف يقتل) كما قال الرسول (2كو6:3).
ب) ما هي الآيات الأخري التي أن وضعناها إلي جوار هذه الآية يتكامل المعني وندرك في وصية الله الروح وليس الحرف. وقد شرحنا كثيرا من قبل خطورة استخدام الآية الواحدة.
2) ماذا كان هدف الرب من منع الصور والتماثيل؟
الهدف واضح وهو قول الرب (لا تسجد لهن ولا تعبدهن). فإن كان الغرض بعيدا تماما عن العبادة، لا تكون الوصية قد كسرت.
ولا شك أن هذا المنع في الوصايا العشر، كان في عصر انتشرت فيه الوثنية، وكان هناك خوف علي المؤمنين منها، حتى أنه كان من الممنوع نحت أي حجر حتى في البناء العادي، وحتى في تشييد المذابح.
3) ونحن نرى أن الله الذي أمر بعدم نحت أي صورة أو تمثال، هو نفسه الذي يأمر موسى (عند ضربة الحياة المحرقة) قائلا له اصنع لك حية محرقة، وضعها علي راية فكل من لذع ونظر إليها يحيا) (عدد8:21). فصنع موسى هكذا، ولم تكن في ذلك مخالفة للوصية الثانية.
بل إن ربنا يسوع المسيح يعلمنا أن هذا العمل كان رمزا لصليبه المقدس، فيقول (وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان. لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية) (يو14:3).
4) وعندما أمر الرب موسى بصنع تابوت العهد، أمره بصنع كاروبين من ذهب فوقه قائلا: (وتصنع كاروبين من ذهب، صنعه خراط تصنعها علي طرفي الغطاء فاصنع كاروبا واحدا علي الطرف من هنا، وكاروبا آخر علي الطرف من هناك ويكون الكاروبان باسطين أجنحتهما إلي فوق، مظللين بأجنحتهما علي الغطاء، ووجهاهما كل واحد علي الطرف من هنا، وكاروبا آخر علي الطرف من هناك ويكون الكاروبان باسطين أجنحتهما إلي فوق، مظللين باجنحتهما علي الغطاء، ووجهاهما كل واحد إلي الآخر.. وأنا اجتمع بك هناك، وأتكلم معك من علي الغطاء من بين الكاروبين اللذين علي تابوت الشهادة) (خر25: 17-22) وكان كذلك. ولم يكن في تحت هذين الكاروبين مخالفة للوصية التي تأمر بعدم نحت تمثال منحوت مما في السماء من فوق. لأن الغرض لم يكن هو عبادة الملائكة ممثلين في هذين الكاروبين..
بل علي العكس تم نحت هذين التمثالين بأمر إلهي، كما تم نحت الحية النحاسية بأمر إلهي أيضا…
5) وبنفس الأسلوب صنع سليمان في بناء الهيكل وتزيينه. عمل كاروبين من خشب الزيتون علو الواحد عشر أذرع وخمس أذرع جناح الكاروب الواحد، وخمس أذرع جناح الكاروب الآخر.. قياس واحد، وشكل واحد، للكاروبين. وجعل الكاروبين في وسط البيت الداخلي، وبسطوا أجنحة الكاروبين.. وغشي الكاروبين بالذهب) (1مل6: 23-28).
6) ولم يقتصر الأمر علي هذين الكاروبين، بل يقول الكتاب (وجميع حيطان البيت (بيت الرب) في مستديرها رسمها نقشا بنقر كاروبين ونخيل وبراعم زهور من داخل وخارج) (1مل29:6). وعمل للباب مصراعين (ورسم عليهما نقش كاروبيم ونخيل وبراعم زهور وغشاهما بذهب) (1مل32:6). انظر أيضا (1مل35:6). وهكذا كان بيت الرب مزينًا بالصور والرسوم والتماثيل. وظل الناس يعبدون الرب. ولم يعبدوا هذه الصور والتماثيل، ولم يخالفوا الوصية الثانية..
7) كذلك لم يكن تابوت العهد في كل احترام الكهنة والشعب والملوك له، يمثل شيئا علي الاطلاق من العبادة الوثنية. إن الكتاب يسجل لنا أنه بعد انهزام الشعب في عاي، أن يشوع بن نون خليفة موسى النبي يسجد أمام تابوت العهد إلي المساء هو وشيوخ إسرائيل، وصلي للرب (يش6:7). ولم يحدث أن الرب قال له (قد كسرت الوصية الثانية). بل علي العكس كلمه الرب. وصنع معجزة في كشف عخان بن كرمي، ودفع الرب عاي إلي يد يشوع ورفع وجهه.
ولم يخطئ يشوع في السجود أمام تابوت الرب لأنه لم يكن يعبد التابوت بل الرب الذي يحل عليه ويكلمه من بين الكاروبين. وهكذا لم يخطئ داود النبي حينما احتفل برجوع التابوت بكل إكرام ورقص قدامه (2صم6: 12-15).
8) وبالمثل، نقول إننا لا نعبد الصور ولا الأيقونات وإنما نكرمها. وفي ذلك نكرم أصحابها، حسب قول الرب لتلاميذه (إن كان أحد يخدمني يكرمه الآب) (يو26:12). فإن كان الآب يكرم قديسيه، ألا نكرمهم نحن؟!
9) ونفس الكلام نقوله عن الصليب، الذي قال عنه القديس بولس الرسول لأهل غلاطية (أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسِمَ يسوع المسيح بينكم مصلوبًا) (غلا1:3).
10) ونحن نشكر الله أن أخوتنا البروتستانت يرفعون الصليب حاليا فوق كنائسهم دون أن يعتبروه تمثالا منحوتا.
11) ونحن نشكر الله أن أخوتنا البروتستانت يوزعون صورًا في مدارس الأحد عن السيد المسيح، والملائكة والأنبياء، وفلك نوح بكل ما يحوي من حيوانات وكذلك صورة الراعي الصالح وغنمه، وصورة داود وهو يرعي، وصورة إيليا والغربان تعوله، ولعازر المسكين والكلاب تلحس قروحه.. وصورة بلعام وصورة الشيطان وهو يجرب المسيح علي الجبل.
ولا يتعبهم في كل ذلك شك من جهة كسر الوصية الثانية برسوم وصور مما فوق السماء، وما تحت الأرض..
12) إننا لا ننسي تأثير الصور كدروس تشرح أحداث الكتاب، وأبطال الإيمان فيه وفي التاريخ. وربما تترك الايقونة تأثيرا عميقا في النفس أكثر مما تتركه العظة أو القراءة أو مجرد الاستماع..
وفي كل هذا تربط بين المؤمنين ههنا وملائكة السماء والأبرار الذين يعيشون في الفردوس. وتعطينا دفعا داخليا قويا ننفذ فيه قول الرسول (اذكروا مرشديكم.. تمثلوا بأيمانهم) (عب7:13).
13) ونحن في إكرام الصور، إنما نكرم أصحابها.. حينما نقبل الإنجيل إنما نظهر حبنا لكلمة الله، ولله الذي أعطانا وصاياه لارشادنا. وحينما نسجد للصليب فإنما – كما قال أحد الآباء – نسجد للمصلوب عليه. وفي كل ذلك لا تنطبق علينا مطلقا عبارة (لا تسجد لهم ولا تعبدهن).
14) والمعروف أن الأيقونات ترجع إلي العصر الرسولي نفسه. ويقال إن القديس لوقا الإنجيلي كان رسامًا وقد رسم صورة أو أكثر للسيدة العذراء مريم.
ويروي التقليد أيضا قصة عن انطباع صورة للسيد المسيح فوق منديل والذي يتتبع التاريخ يجد أن أقوي عصور الإيمان كانت حافلة بأيقونات يوقرها الناس، دون أن تضعف إيمانهم بل علي العكس كانت تقويه.
15) لماذا نحرم الفن ورجاله من المساهمة في تنشيط الحياة الروحية، بما تتركه الصور في نفوسهم من مشاعر روحية، وما تقدمه لم من حياة القديسين وتأثيرها.