رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" فأجبتهم وقلت لهم: إنّ إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبني... " (نحميا 2 : 20). أحبائي: لقد أعطانا الرب في مطلع هذا العام وعداً بأنه سيكون عام للراحة والثمر والبناء، كما سبق وشاركنا راعي الكنيسة. ولنتعلم دوماً أنه ينبغي علينا عندما نتلقّى وعداً محدداً من الرب، أن نصلي دوماً به، نؤمن به، ونقوم بدورنا، لكي نرى هذا الوعد يتحقق ويأتي بالثمر المطلوب، فهذا مبدأ كتابي علينا التنبه له باستمرار.. وها هي كلمة الرب تؤكد لنا ذلك، فنحميا القائد العظيم الذي استخدمه الرب في إعادة بناء سور أورشليم بعد أن تمّ هدمه من قبل الأعداء، يقول: أن الرب يعطينا النجاح.. أما نحن فنقوم ونبني.. قام الشعب بدوره بعد أن آمنوا بكلمة الرب الذي أعطاهم النجاح، فنجحوا في البناء. وفي موقع آخر تقول الكلمة: " الفرس مُعدّ ليوم الحرب، أمّا النصرة فمن الرب " (أمثال 21 : 31). الرب يعطي كلمة ويسهر عليها ليجريها معطياً النصر، لكن ينبغي علينا نحن أن نقوم بدورنا، أن نُعدّ الفرس ليوم القتال. ويذكر لنا الكتاب المقدس في مواضع عدة، عن رجالات الله وعن أشخاص كثر عملوا بكد ونشاط وضحّوا حتى بحياتهم، من أجل تتميم مقاصد الله وامتداد ملكوته، فتعالوا نتأمل ببعض هذه القصص الحقيقية ونتعلم منها ما يريده الروح القدس لنا اليوم. جرت أحداث هذا المقطع الكتابي عندما أمر الرب موسى بصنع خيمة الإجتماع: " فدعا موسى بصلئيل وأهوليآب وكل رجل حكيم القلب، قد جعل الرب حكمة في قلبه. كل من أنهضه قلبه أن يتقدّم إلى العمل ليصنعه، فأخذوا من قدّام موسى كل التقدمة التي جاء بها بنو إسرائيل لصنعة عمل المقدس لكي يصنعوه. وهم جاءوا إليه أيضاً بشيء تبرّعاً كل صباح. فجاء كل الحكماء الصانعين كل عمل المقدس كل واحد من عمله الذي هم يصنعونه، وكلّموا موسى قائلين: يجيء الشعب بكثير فوق حاجة العمل للصنعة التي أمر الرب بصنعها. فأمر موسى أن ينفذوا صوتاً في المحلّة قائلين: لا يصنـع رجل أو امرأة عملاً أيضاً لتقدمة المقدس. فامتنع الشعب عن الجلب. والمواد كانت كفايتهم لكل العمل ليصنعوه وأكثر " (خروج 36 : 2 – 7). ما أجمل هذا الكلام، وكم يحتوي على دروس ثمينة ينبغي علينا أن نتعلمها. جاء الصانعون إلى موسى لكي يطلبوا منه أن يكف الشعب عن جلب التقدمات لأن ما جاءوا به يفوق الحاجة.. والمواد كانت أكثر من كفايتهم !!! سؤال بسيط، وليس الهدف منه إلقاء اللوم على أحد، بل كما قلنا لكي نتعلم الدرس من الروح القدس اليوم.. هل نقدّم اليوم لعمل الرب الحاجة اللازمة من وقتنا، من مواهبنا، من أموالنا... أو أي شيء آخر يحتاجه الرب؟ فكّر بعمق وبهدوء وتحت هيمنة الروح القدس بهذا السؤال اليوم وكل الأسبوع القادم، وأجب الرب بصدق، ودعه يصحّح ما يحتاج إلى تصحيح، لكي يشتعل قلبك من جديد لعمل الرب، وتصبح كواحد من أفراد ذلك الشعب في هذا المجال، فالكلمة تقول في المقطع نفسه: كل من أنهضه قلبه أن يتقدّم إلى العمل ليصنعه. ينبغي أن يشتعل القلب، وأن تُخلق فيه الرغبة لعمل الله، لكي تستطيع أن تأتي بما يحتاجه العمل وأكثر. ولو فكرنا قليلاً في هذه القصة، لأدركنا بكل تأكيد أنّ الشعب حينها كان من مستويات إجتماعية ومادية متنوعة، فهناك الفقير والمتوسط الدخل والغني كما نحن اليوم، وهناك صاحب المواهب المتنوعة وصاحب موهبتين ربما، وصاحب موهبة واحدة.. لكن الكل قدّم للرب حسب طاقته، والرب كما نعلم لا ينظر إلى الكمية بل إلى القلب، ولا ننسى أنّ فلسي الأرملة كانا في نظر الرب أهم بكثير من أموال الأغنياء الطائلة، لأنها قدمتهما بقلب صادق ومحب للرب، وهذا ما يطلبه الرب منّا في هذا الصباح.. فمهما كانت إمكانياتك المادية، أو مواهبك، أو الوقت الذي يمكنك تخصيصه لعمل الله، تعال به بقلب نقي ومشتعل بحب الرب، وقدمه للرب وسيكون غالي جداً في نظره، وسوف يستخدمه استخداماً عظيماً. تقول الكلمة أيضاً: " وما لبث أن توافد إلى أورشلِيم من جميع أسْباط إسرائيل كل الذين ظلّت قلوبهم ساعية وراء طلب الرب إله إسرائيل، ليقدموا ذبائح للرب إله آبائهم. وكانوا مصدر قوّة للمملكة ... " (2 أخبار 11 : 16 – 17). " طوبى لأناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم عابرين في وادي البكاء يصيّرونه ينبوعاً... يذهبون من قوة إلى قوة ". (مزمور 84 : 5 – 7). نعم.. ليست الإمكانيات، ولا كثرة المواهب، ولا حجم العمل.. بل القلوب الساعية وراء الرب، والمستمرة دوماً بالسعي، رغم كل الظروف والصعاب، هي التي تصنع الفرق في نظر الرب، وهو عندها يعطي القوة والنصرة.. أولئك الأشخاص الذين ظلّت قلوبهم ساعية وراء طلب الرب، والأشخاص الذين كانت طرق بيت الرب في قلوبهم، هم من كانوا مصدر قوة للمملكة، وهم من عبروا في وادي البكاء فجعلوه ينبوع ماء.. فعندما يرى الرب هذه القلوب الساعية وراءه بأمانة وبنقاوة وبشغف، فهو بذراعه المقتدرة يتمّم العمل.. وهذا بيت القصيد أيها الأحباء. تعالوا الآن نتأمل بداود، وبقلب داود، الذي كان حسب قلب الرب، وكيف نجح في بناء بيت الرب: " أذكر يا رب داود... كيف أقسم للرب ونذر لإله يعقوب القدير: لا أدخل خيمة بيتي، لا أصعد على سرير فراشي، ولن أُعطي عينيَّ نوماً ولا أجفاني نعاساً، حتّى أبنـي مقاماً لتابوت الرب، ومسكناً لإله يعقوب القدير " (مزمور 132 : 1 – 5). لا توجد لدى الله محاباة لكي يقول لنا في مواضع عدة من الكتاب المقدس، بأن قلب داود كان حسب قلبه، بل حقيقةً كان قلبه هكذا، وهذا ما تعكسه لنا هذه الآيات الثمينة. نستنتج من هذا الكلام، بأن داود كان هاجسه الذي يعيش معه ليلاً ونهاراً ولا يفارقه أبداً، هو: أن ينبي بيت الرب، وهذا ما ينبغي على كل واحد فينا أن يكون عليه.. وداود لم يكتفِ بحمل هذه التمنيات في قلبه فقط، بل عمل بكل قوته لكي يحقّق هذه الأمنية: " وأنا بكل قوتي هيّأت لبيت إلهي الذهب لما هو من ذهب، والفضة لما هو من فضة، والنحاس لما هو من نحاس، والحديد لما هو من حديد، والخشب لما هو من خشب، وحجارة الجزع، وحجارة للترصيع، وحجارة كحلاء ورقماء، وكل حجارة كريمة، وحجارة الرخام بكثرة. ولفرط سروري ببيت إلهي، فقد قدّمت من مالي الخاص ذهباً وفضةً، بالإضافة إلى كل ما أعددته للهيكل. (وسأل داود الشعب من منهم يريد أن يتبرّع لبناء بيت الرب، فتبرّعوا)... وأعطوا لخدمة بيت الله خمسة آلاف وزنة، وعشرة آلاف درهم من الذهب، وعشرة آلاف وزنة من الفضة، وثمانية عشر ألف وزنة من النحاس، ومئة ألف وزنة من الحديد... وفرح الشعب بما قدّمه لأنهم بقلب كامل تبرّعوا للرب... وبارك داود الرب أمام كل الجماعة وقال: ... والآن يا إلهنا نحمدك ونسبّح اسمك الجليل، ولكن من أنا ومن هو شعبي حتى نستطيع أن نتبرّع هكذا، لأنّ منك الجميع ومن يدك أعطيناك... أيها الرب إلهنا، كل هذه الثروة التي هيأناها لنبني لك بيتاً لاسم قدسك، إنما هي من يدك ولك الكل، وقد علمت يا إلهي أنك أنت تمتحن القلوب، وتُسرّ بالإستقامة. أنا باستقامة قلبي تبرعت بكل هذه، والآن شعبك الموجود هنا، رأيته بفرح يتبرع لك، يا رب إلـه إبراهيم وإسحق وإسرائيل آبائنا، إجعل هذه الرغبة أن تظل حيّة إلى الأبد في قلوب شعبك، واحفظ قلوبهم لتبقى مخلصة لك " (1 أخبار 29 : 2 - 18). إن التفصيل في كلمة الرب ليس من باب الصدفة أو زيادة للشرح والعبارات، فالروح القدس دوماً له قصد من ذلك، وهنا أشعر وكأنّ الرب يقول لنا: مهما كانت إمكانياتك.. فإن كنت ذهباً أو فضةً أو نحاساً أو حديداً أو خشباً أو حجارة جزع، أو حجارة ترصيع، أو حجارة كحلاء ورقماء أو حجارة كريمة أو حجارة رخام... فأنا أحتاجك لبناء بيتي.. لك مكان في بيتي.. نعم.. لكل واحد منّا مكان ودور في عمل الرب ينبغي علينا القيام به.. لكن.. من كل قلوبنا وبفرح وهذا هو الهدف الأساسي من هذا التأمل.. ويكمل داود ليقول: أنه من فرط سروره، لم يكتفِ بتهيئة كل تلك المعادن والحجارة، بل من ماله الخاص قدّم أيضاً.. ولم يقل الروح القدس بسبب سرور داود، بل بسبب فرط سروره، ولهذه الإضافة معنى يريد الروح القدس التشديد عليه، وهو أنه لا ينبغي أن نعمل للرب أو أن نقدّم له، عن اضطرار، أو بداعي الواجب أو الخوف أو أي دافع آخر، بل ينبغي أن تشتعل قلوبنا محبةً له ولعمله، وأن يكون لدينا فرط في السرور لإعطائه من مالنا ووقتنا ومواهبنا وكل ما لدينـا، وهكـذا قلـوب ودوافع فقط، يباركها الرب ويُسر بها، ويجعلها تأتي بثمار كثيرة، والرسول بولس يقول في السياق نفسه: " كل واحد كما ينوي بقلبه، ليس عن حزن أو اضطرار، لأنَّ المعطي المسرور يحبه الله " (2 كور 9 : 7). أحبائي: لقد جعلنا الرب جسد واحد، لكن أعضاء كثيرة، وبالنعمة قسم لكل واحد منّا دور وعمل، ينبغي أن نقوم به بأمانة، بشغف، بإخلاص، بنتفانٍ، وبدافع نقي صادر عن قلب مشغول ليل نهار بحب الرب وبالعمل لامتداد ملكوته، وكلمة الرب تقول في هذا السياق: " فإنّه كما في جسد واحد لنا أعضاء كثيرة، ولكن ليس جميع الأعضاء لها عمل واحد، هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضاً لبعض، كل واحد للآخر. ولكن، بما أنّ المواهب موزعة بحسب النعمة الموهوبة لنا (فلنمارسها): فمن وُهب النبوءة، فليتنبأ بحسب مقدار الإيمان، ومن وُهب الخدمة، فلينهمك في الخدمة. أو التعليم، ففي التعليم، أو الوعظ ففي الوعظ، أو العطاء فليُعطِ بسخاء، أو القيادة فليقد باجتهاد، أو إظهار الرحمة فليرحم بسرور " (رومية 12 : 4 – 8). " وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلّمين، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان، ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح... ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس، المسيح، فمنه يستمد الجسد كله تماسكه وترابطه بمساندة كل مفصل وفقاً لمقدار العمل المخصص لكل جزء لينشئ نمواً يؤول الى بنيان الجسد بنياناً ذاتياً في المحبة ". (أفسس 4 : 11 – 16). أحبائي: هناك عمل مخصص لكل جزء، لكل مفصل، وإذا توقف واحد منهم عن العمل، فالجسد لن ينمو ولن يكون مترابطاً، والعمل لن يتم، لا بل سيتوقف.. نحتاج أن يكون عطاؤنا كعطاء الشعب أيام موسى، نأتي بما يحتاجه عمل الرب فوق حاجة العمل.. نحتاج أن تكون قلوبنا كقلب داود، بأن يكون لدينا فرط سرور ببيت إلهنا، لكي نقدّم بفيض، دون حسابات بشرية، وبدوافع نقية نابعة من قلب شغوف بحب الرب وبعمله.. نحتاج أن يكون جهدنا وتعبنا وكدّنا كما دواد، فلا نعطي عيوننا نوماً ولا أجفاننا نعاساً حتّى نرى عمل الله يتم كما ينبغي.. يحتاج كل واحد منّا أن يعرف الدور المحدد الذي يريده الرب منه، ويقوم به بأمانة وعلى أكمل وجه، إن كان دوراً كبيراً أو صغيراً. أحبائي: ينبغي علينا أن لا ننخدع بمكر العدو وأن لا نجهل أفكاره، وأن لا نترك أذهاننا تمتلئ بتعليم بعيد عن كلمة الله، لأننا إن لم نمتلك القلب الشغوف بمحبة الرب، والعزم على العطاء، والعمل بجدية وبنشاط، والتضحية من وقتنا ومالنا وراحتنا وكل ما لدينا، في سبيل خدمة الرب، لن نأتي بثمر، ولن نتمكن من بنيان بيت الرب والمساهمة في امتداد ملكوته.. ومن ليس لديه كل هذه الأمور، فليصرخ في هذا اليوم للرب لكي يعطيه، وعندها نقول معاً بصوت واحد منذ مطلع هذا العام: إنّ إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبني... |
|