" وفيما هوَ مجتمع معهم، أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه منِّي، لأنَّ يوحنا عمَّدَ بالماء، وأمَّا أنتم فستتعمّدون بالروح القدس، ليسَ بعد هذه الأيام بكثير، أمَّا هُمْ المجتمعون فسألوه قائلين: يا رب هل في هذا الوقت ترد المُلك إلى إسرائيل، فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه، لكنكم ستنالون قوَّة متَّى حلَّ الروح القدس عليكم، وتكونـون لـي شهودًا فـي أورشليـم وفـي كـل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض " (أعمال 1 : 4 – 8).
توجيهات دقيقة وهامَّة للغاية، كانَ الرب يُعطيها لتلاميذه قبل أن يصعد إلى السماء..
لكنَّ الكلمة تُبرز ٱهتمام التلاميذ حينها بأمر آخر.. إذ تقول:
أمَّا هُمْ.. المجتمعون فسألوه..
لقد كانت أرضهم مُحتلَّة من الأمبراطورية الرومانية، وكانوا يرزحون تحت وطأة ذلكَ الاحتلال..
وكانَ همُّهم أن يعرفوا من الرب قبل صعوده إلى السماء..
متى يرد لهم المُلك المسلوب منهم..
أمَّا الرب فكانَ مُنشغلاً في أمر آخر.. مختلف تمامًا عن ٱنشغالهم وتوقُّعاتهم فقالَ لهم:
" ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه، لكنكم ستنالون قوَّة متَّى حلَّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض ".
كانَ همُّه أن ينالوا قوَّة الروح القدس لكي يكونوا شهودًا لهُ، ولكي يكرزوا للخليقة أجمع ببشارة الإنجيل من أجل خلاص النفوس.. من أجل ٱمتداد ملكوت آخر، تختلف أنظمته وأهدافه وتوجُّهاته عن أي ملكوت أرضي وبشري.. ألم يقل الرب عندما كانَ على أرضنا:
مملكتي ليست من هذا العالم؟
وعندما تكون مملكة رئيس إيماننا.. وربَّنا.. ورأسنا.. ليست من هذا العالم.. فماذا ينبغي أن تكون مملكتنا؟
وهل نسأل الرب في هذه الأيام السؤال نفسه الذي سألهُ إياه التلاميذ حينها.. متى ترد لنا المُلك يا رب؟
لماذا هذا الكلام اليوم؟ وماذا يُريد الروح القدس أن يقول لنا في هذه الأيام؟
أحبائي: إنَّ وضعنا اليوم لا يختلف كثيرًا عن وضع التلاميذ حينها.. فبلدنا الذي نعيش فيه اليوم، شهدَ على مرِّ السنين الماضية حروبًا وعنفًا وشتَّى أنواع الضيقات والاحتلالات.. وللأسف لا يزال حتَّى يومنا هذا.. لا سيَّما في هذه الأوقات المصيرية والصعبة التي نمر بها.. ولعلَّ الكل يسأل:
إلى متى يا رب؟
وقبلَ أن نتأمَّل معًا في الرسالة التي يُريد الرب أن يوصلها لنا اليوم..
دعني أؤكِّد لكَ إيماني الكبير بأنَّ وعود الرب الخاصة لنا، والنبوءَات التي خصَّنا فيها، بأننا سنشهد عمَّا قريب بلدنا يتمتَّع بالسلام والراحة والطمأنينة والبحبوحة...
ستتحقَّق بكل تأكيد، لأنَّ كلمة الله صادقة ولا تعود إليه فارغة، بل تصنع ما سُرَّ به، وما كلَّمنا به الرب من سفر إشعياء بنوع خاص، سيتم مئة بالمئة، سوف تشهد عيوننا العاتي وقد باد، والمُستهزئ وقد فنيَ، والساهرون على الإثم وقد ٱنقطعوا..
والرب يقول أنَّهُ: حلف بيمينه وبذراع عزته قائلاً: أنِّي لا أدفع بعد قمحك مأكلاً لأعدائك، ولا يشرب بنو الغرباء خمرك التي تعبتِ فيها، بل يأكله الذين جنوه، ويُسبِّحون الرب، ويشربه جامعوه في ديار قدسي.. وأرضكم لن تُدعى مهجورة بعد اليوم.. (إشعياء 29 و 62).
لأنَّ الرب طلب منَّا أن نُصلِّي من أجل بلداننا وحكَّامنا لكي نعيش حياة مطمئنة وهادئة، والرب أقام كنيسته لكي تشفع بالبلدان التي تعيش فيها، ولكي تمتلك أراضٍ، ولكي تنقض أعمال مملكة الظلمة...
لكن في الوقت نفسه، وبتدقيق أكبر وبعناية أدق.. لا ينبغي ونحنُ نحارب من أجل تحقيق هذه الوعود، ونحن نتشفَّع من أجل تحقيق هذه النبوءَات، أن ننصرف عن مأموريتنا الأساسية، وهيَ ربح النفوس للرب، في شتَّى الظروف والأوقات.. فالرسول بولس قال لتيموثاوس:
" أنا أُناشدك إذًا أمام الله والرب يسوع المسيح، العتيد أن يُدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته، إكرز بالكلمة، إعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب، وبِّخ، ٱنتهر، عظ، بكل أناة وتعليم " (تيموثاوس الثانية 4 : 1 – 2).
والرب قالَ لتلاميذه:
" وسوفَ تسمعون بحروب وأخبار حروب، ٱنظروا لا ترتاعوا، لأنَّهُ لا بُدَّ أن تكون هذه كلها، ولكن ليس المنتهى بعد، لأنَّهُ تقوم أُمَّة على أُمَّة ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن " (متى 24 : 6 – 7).
نعم.. فالحروب والمجاعات والأوبئة والكوارث الطبيعية لا بُدَّ أن تحدث.. فهذا ما قالهُ الرب..
وبولس أوصى تيموثاوس بشدَّة، أن يُبشر في الوقت المناسب وغير المناسب..
فهل إذا قامت علينا الحروب وعاكستنا الظروف نوقف التبشير، وننشغل بها؟
وهل ننتظر أن يحل السلام والراحة لكي نبشر؟
بالطبع لا.. فالسلام الدائم والراحة الدائمة.. لن يتحققا بصورة مستمرة وكاملة وشاملة قبل عودة الرب الثانية.. فكل الدول تشهد من حين إلى آخر حروب ومجاعات وأوبئة وكوراث طبيعية، وإن كان بوتيرة تختلف من مكان إلى آخر..
لكن هذا لا ينبغي أن يُثنينا لحظة واحدة عن إكمال مسيرتنا مع الرب، وربحنا للنفوس في كل الأوقات والظروف، وتحت وطأة كل أنواع الحروب والتجارب.. وهذا ما أُريد أن ألفت ٱنتباهك إليه في هذا الصباح..
وهذا ما أراده الرب من خلال إجابته لتلاميذه عندما سألوه متَّى ترد لنا المُلك..
كانَ همّه الأساسي أن يمتلئوا من الروح القدس، ويكرزوا للخليقة كلها، في كل الأوقات والظروف..
كانَ همّه أن يؤسس ملكوته.. ويجعل عيون تلاميذه مُركَّزة على هذا الملكوت، وليس على أي ملكوت أرضي..
لأنَّهُ وللأسف أننا نشهد اليوم عدد كبير من المؤمنين في مختلف الكنائس، منشغلين في متابعة الأوضاع السياسية والأمنية، والأخطر من ذلك تحزُّبهم لهذا الزعيم أو لذلكَ، وٱختلافهم مع بعضهم البعض، وصرف نظرهم عن عمل الله.. منتظرين تحسُّن الأوضاع لكي يُبشِّروا ويعملوا لامتداد الملكوت.. وهذا ما يريده إبليس بالطبع..
أحبائي: الرب قالَ لنا أننا لسنا من هذا العالم.. وينبغي أن نعلم أنَّهُ لنا زعيم واحد يستحق أن نُضحي من أجله، وأن نتعب من أجله.. وأن نتحزَّب لهُ.. وهوَ الرب يسوع المسيح.. ملك الملوك ورب الأرباب..
لا أريد أن أُطيل الشرح كثيرًا.. بل همِّي أن أُوصل لكَ رسالة الرب اليوم بدقَّة وعناية..
أولاً: لا أُريد أن يضعف أيمانك ولو للحظة واحدة، بأنَّ الرب سيُحقَّق ما سبقَ ووعدنا بهِ، بأننا سنشهد سلامًا في بلدنا لبنان، وبأنَّهُ سيُفشل كل خطط لمملكة الظلمة لجهة عودة الحرب الأهلية أو ما شابهها، وستشهد عيوننا أيامًا ملؤها البركة والخير والفرح والتعويض...
لأنَّ فم الرب تكلَّم، ولأنَّ مشيئة الرب لأولاده دومًا صالحة وكاملة ومرضية..
وثانيًا: ليمتلئ قلبك إصرارًا على تتميم مأمورية الرب، لجهة ربح النفوس وٱمتداد ملكوته، في أحلك الظروف وأصعبها، في أشدِّها سوادًا وخطرًا، وتحت وطأة كل أنواع الصعاب، نُبشر في الأوقات المناسبة وغير المناسبة، إن قامت حروب أو لم تقم، إن حلّّ السلام أو لم يحل.. عالمين أنَّ مملكتنا الحقيقية ليست من هذا العالم.. وعالمين أننا ضيوف على هذه الأرض، أمَّا موطننا الحقيقي فهوَ السماء.. وعالمين أنَّ الأمور الأرضية مهما عظمت ومهما كانت ضرورية فهيَ وقتية وستفنى، لكن كنزنا الحقيقي هوَ السماء، وتتميم خطَّة الله لحياتنا، وعالمين أنَّ التبشير وربح النفوس هوَ سلاح فعَّال، ومن الأسلحة التي ذكرها لنا الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس عندما قال:
" وحاذين أرجلكم بٱستعداد إنجيل السلام " (أفسس 6 : 15).
وإلى الذين يسألون اليوم، كما سألَ التلاميذ الرب حينها:
متى ترد لنا المُلك يا رب؟
فأنا أقول لهم:
لقد ردَّ لنا الرب المُلك.. لكن المُلك الحقيقي.. السلطان الحقيقي.. وهزمَ أعداءَنا الحقيقيين.. وسلَّطنا عليهم..
وجعلنا ملوك وكهنة.. نملك على هذه الأرض.. نستردها.. نسلب النفوس من إبليس.. ونأتي بها إلى مملكتنا الحقيقية.. مملكة النور.. ملكوت السماوات..
فلا ندع هذه الحقيقة تغيب عن أعيننا ولو للحظة واحدة.. مُكملين حربنا وتمسكنا بوعود الرب لنا، بأن أيام السلام والراحة والفرح آتية.. آتية.. آتية.. شاءَ إبليس أم أبى.. وشاء الكون كلَّه أم أبى.. لإلهنا كل المجد.