كرازة مارمرقس في المدن الغربية الخمس
خدم مارمرقس أولا مع الرسل القديسين بطرس وبولس وبرنابا، ثم انفرد للخدمة وحده. فكان أول إقليم ذهب إليه يبره بالإيمان، هو مسقط رأسه، الخمس مدن الغربية إنها ناحية وفاء نسجلها للقديس، إذ لم ينس الناس لماكين الذين ولد بينهم، هم في ظلمة الوثنية، فسعى إلى خلاص نفوسهم.
وصل إلى هناك ربما حوالي سنة 58 م. ولا شك أنه رأى بصيصا من نور وسط تلك الظلمة. فقد كان هناك كثير من معارفه، وكان هناك الذين من " نواحي ليبية والقيروان" (أع 2: 10) الذين حضروا حلول الروح القدس في يوم الخمسين، في بيت مارمرقس. ولعل بعضهم كانوا قد رجعوا مؤمنين. وهناك بصيص آخر من نور يذكره التاريخ، وهو أن "بعضًا من الارستقراطية الرومانية في الخمس مدن الغربية كانت قد ملت تعدد الآلهة ومالت إلى التوحيد" (7).
ولا تقدم لنا كتب التاريخ تفاصيل كثيرة عن خدمته في ليبيا، إلا أن الله وهبه أن يجرى كثيرا من المعجزات هناك، كانت ببا في جذب الكثيرين إلى الإيمان. فيقول ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين في كتابه (تاريخ البطاركة):
[فلما عاد القديس مرقس من رومية، قصد الخمس مدن أولا، وبشر في جميع أعمالها بكلام الله. وأظهر عجائب كثيرة حتى انه ابرأ المرضى، وطهر البرص، وأخرج الشياطين، بنعمة الله الحالة فيه فآمن بالسيد المسيح كثيرون، وكسروا أصنامهم التي كانوا يعبدونها.
وهذه المعجزات يثبتها الأب شينو في كتابة (قديسو مصر) (8)، فيقول: [بدأ مرقس أولا بكرازة إقليم الخمس مدن في ليبيا. وكان يخفف آلامهم، ويشفى مرضاهم، منتفعا بهذه المعجزات ليقدم لهم المسيحية].
وبعد يتابع ابن المقفع تاريخه فيقول إن الروح أرشد مارمرقس أن يذهب أيضًا إلى كورة مصر، ليزرع فيها الزرع الجيد.فسلم على الأخوة المؤمنين، وودعهم، ودعا لهم بالثبات في الإيمان إلى أن يعود إليهم فيشترك معهم في الأفراح الإلهية.
فشيعوه، دعوا له بالتوفيق وصلى معهم قائلا: [يا رب ثبت هؤلاء الإخوة الذين عرفوا اسمك المقدس، لكي أعود إليهم فرحًا بهم] (9).
ومن ليبيا جاء إلى مصر.. فوصل الإسكندرية سنة 61 م.
________________________
7- نفس المرجع السابق.
8-Chineau: Les Saints d’ Egypt , I, P. 5..
9- ابن المقفع: تاريخ البطاركة، السيرة الأولى.