تحذيرات الله قبل الخطية
ما أعمق هذا الحنو، في معاملة الله للخطاة..
إنه يظهر لقايين، أول إنسان هلك على الأرض. ويكلمه، ويشرح له التجربة التي أمامه، وينصحه، بل ويناقشه أيضًا: "لهذا سقطت على وجهك؟ ليس السبب راجعًا إلى أخيك، بل يرجع إليك أنت نفسك. إنك لم تحسن التصرف. وإن أحسنت سيرتفع وجهك. علاج مشكلتك في أن تغير مسلكك وتحسن التصرف، وليس في أن تستسلم للخطية.. احترس لنفسك عند باب قلبك وفكرك توجد خطية رابضة. حاول أن تنتصر عليها. فأنت مازلت تسود عليها..
حنو من الله، أن يظهر للخاطئ، ويشرح له، ويحذره قبل أن يسقط، ويريه طريق التخلص من خطيته، ويسنده بنصائحه في وقت تجربته ومحاربة العدو له.
قد يخطئ البعض، ويظن أن الله لا يظهر إلا للقديسين!
إن ظهوره لقايين قبل سقوطه في خطية القتل، وتحذيره له، إنما هو مثال عجيب لمحبة الله وطول أناته، في العهد القديم، بل منذ بدء الخليقة..
وكأنه يقول لقايين: تعال يا حبيبي، لماذا أنت مغتاظ، ولماذا يسقط وجهك؟ أنا أريد أن أخلصك من غمك، وأعيد إليك سلامك. إن الخطية هي التي أفقدتك سلامك. تخلص منها، يرجع إليك سلامك..
لا تظن أن هابيل هو سبب متاعبك.. كلا، إن متاعبك سببها الخطية الرابضة. فافحص نفسك جيدًا...
سبب متاعبك، يكمن في طريقة نظرتك إلى الأمور وفي ردود الفعل داخلك إزاء نجاح أخيك
لو كانت في قلبك محبة، لكنت تفرح وتسر، إن رضى الرب على أخيك، فلا تغتم ولا تغتاظ. بالمحبة، تفرح لفرح أخيك، وتفرح لرضى الرب عليه..
لكن قايين لم يفرح لفرح أخيه، ولقبول قربانه..
مثاله كان الابن الأكبر الذي لم يفرح إذ قبل الأب أخاه الأصغر، وألبسه الحلة الأولى، وجعل خاتمًا في أصبعه، وذبح له العجل المسمن. (لو 15: 27، 28)
ذلك الأخ أيضًا اغتاظ، ولم يكن قلبه مستقيمًا تجاه أخيه، وكان يفكر في ذاته وليس في أخيه، ونفس الحسد أتعبه..
حقا، إنها قصة متكررة، تحدث في كل جيل، سببها عدم نقاوة القلب والاستسلام لمشاعر الغيرة.
لماذا يكون نجاح أخيك، له رد فعل خاطئ في قلبك؟! " كان ينبغي أن تفرح وتسر " لأن الله قبل قربان هابيل كان ينبغي أن تفرح أيضًا لأن هابيل قد كشف لك الطريق الصالح الذي يرضى الرب، حتى تسير فيه أنت أيضًا، وتحصل على نفس الرضى والقبول
العجيب أن قايين، بعد أن كلمه الله، لم يستجب لكلمة الله، ولم يفتح لها قلبه، بل فتحه للخطية..
بعد أن نصحه الرب، لم يستفد من النصيحة، إنما تورط في الخطية، وبالأكثر، وقام على أخيه فقتله!
إنه يذكرنا بالشيطان في قصة أيوب الصديق، لما وقف أمام الله، ولم يستفِد من وجوده في حضرة الله شيئًا وخرج من عند الله لكي يتعب أيوب الكامل والمستقيم، ويهدم له بيته، ويقتل أولاده ويضيع كل غناه وبعد أن وقف ثانية أمام الله ازداد في شره، وضرب أيوب بقرح رديء، دون أن يستفيد شيئًا من اللقاء مع الله وسماع كلمته..!
يذكرنا أيضًا بيهوذا الإسخريوطي، الذي لم يستفد من عشرته للسيد المسيح، ولا من أكله معه، وغمسه لقمته في نفس صحفته، ولم يستفد من كلام الرب وتحذيراته، وقام بعد العشاء ليخون سيده ويسلمه!
وسائط النعمة يستفيد منها من يشاء، ويرفضها من يشاء إنها لا ترغم الإنسان على عمل الخير.
الشاب الغنى، تقابل مع السيد الرب، وسمع نصيحة نافعة من فمه الإلهي، ولكنه بعد سماعها مضى حزينًا، ولم يقل الكتاب إنه نفذ شيئًا من تلك النصيحة.
أمر محزن ومخجل، أن يسمع إنسان نصيحة من فم الرب نفسه، ثم يمضى حزينًا، ولا ينفذ هكذا قايين أيضًا.
إذن، فلا يجوز أن يحتج أحد ويقول "مشكلتي الوحيدة هي عدم وجود مرشدين روحيين ولو كان لي مرشد روحي حكيم، لصرت قديسًا".. هوذا أمامنا أمثلة لأشخاص أرشدهم الرب نفسه ولم يستفيدوا، لأن القلب رافض أن يستجيب، مثل الأرض التي ألقى عليها البذار الرب نفسه، فأنتجت شوكًا.. أو سمحت للشوك أن يخنق زرعها، وللطير أن يلتقط بذارها..
لقد تقابل قايين مع الرب، وللأسف لم يستفد. سعى الرب إليه وأراه الطريق، ولكنه رافض أن يسير في طريق الرب، ولم يستجب إلا لفكر قلبه الرديء.